بالصور.. حانات الصعاليك بوسط البلد.. رحلة العالم الخفي للباحثين عن النسيان.. «الإستلا وسقارة» أشهر المشروبات.. السر في بنات «بوسي كات» و«الفنان» وأغاني «الصحبجية
«أنا كالماء الذي لا غنى عنه في أي وقت.. أنا الموضة التي لا تنتهي أبدًا يا رفاق» هكذا تحدث الخمر عن نفسه، ذلك المشروب الذي لم يكن لأحد أن يعرف متى ظهر بالتحديد وفي أي عصر ازدهر، إلا أن الأمر الذي اتفق عليه الجميع أن كل يلجأ إليه لمآرب عنده، فهناك من يلجأ إليه لنسيان أمر ألم به، ومن يتردد عليه ليوهم نفسه بفرحة زائفة، أو لمزيد من الحزن، وهناك الفئة التي يوصف لها ذلك المشروب بمختلف ألوانه كعلاج بمرض أَلَمَّ به.
ولم يكن التأثير الذي يتركه ذلك المشروب على العقل لمجرد الشرب ولكن يقف خلف كل ذلك الملم بخيوط اللعبة، إنه النادل أو الوايتر مان أو البارمان، اختلف الاسم كثيرًا وفقًا لطبيعة المكان والعصر الذي يعيش به المتردد على تلك الحانة لتجرع المزيد من الخمر.
«بعرف زبوني من عينيه»
«أنا أعرف ذوق زبوني من عينيه، من حركات جسمه، من توتره، من عصبيته ومن هدوئه في بعض الأحيان، فكل شخص يتردد على المكان له طريقه في التعامل معه والطريقة التي يقدم له بها المشروب، فكلنا يعيش في دائرة كبيرة مغلقة ومغلفة من الخارج، العاقل وحده من يتمكن من فهم ما بداخل تلك الدائرة، الشاطر فينا من يستطيع الخروج منها لينظر إليها من بعيد ويحكم عليها ويرى من بداخلها جيدًا على حقيقتهم، ويقرأ أفكارهم ويأتي ليلبي احتياجاتهم، فيحقق النشوة التي جاءوا من أجلها»، بلغة فيلسوف، ونبرة المسن الذي تخطى عمره المائة.
أقدم بارمان
بدأ عم رجب صاحب الـ60 ربيعًا من عمره، كلماته، قائلًا أمتهن مهنة «البارمان»، منذ أكثر من 35 عامًا، والمرات التي شربت فيها الخمر بشتى أنواعه تعد على أصابع اليد الواحدة، فالقائل بأن «طباخ السم بيدوقه»، لا يعرف شيئًا عن طباخ الخمور، ولا العامل بالحانات أو الخمارات والتي استحدث لها أسماء كثيرة وفقًا للطبقة التي تتردد عليها من طبقات الأرستوقراط حتى الطبقات الكادحة من محدودي الدخل، والكل يأتي إلينا لغرض معين؛ فالأغنياء يترددون علينا علينا لينسوا هموم المال التي تزاحمت على صدورهم، والفقير أيضًا قد لا يمتلك ثمن رغيف العيش ولكنه يصنع المستحيل ليمتلك ثمن كأس ينسيه، ذلك الهم المتزاحم على صدره، وكلهم في حقيقة الأمر لا يعرفون أن تلك الهالة التي تصنعها الخمور من سعادة أو نسيان مجرد هالة زائفة تزول بزوال تأثير المخدر من الدم.
طباخ السم
وأضاف: قد يرى البعض كلامي غير عقلاني أو منطقي، فكيف لي وأنا أعمل بذلك المجال منذ أكثر من 35 عامًا وأقول أننا بائعو الوهم، وما الذي يدفعني للاستمرار بها وأنا أعلم أنني بائع للوهم، قراءة الناس ومشاكلهم هي التي دفعتني للاستمرار، فكما قلت سابقًا بأني أستطيع معرفة الزبون من نظرة عينه حتى إن لم يكن من مرتادي المكان باستمرار، فأستطيع أن أعرف إن كان المتردد على المكان جاء لينسى هم دَين، أو أزمة عاطفية أو أسرية، أو أنه جاء لمجرد التسلية، أو لمجرد التجربة الفريدة، ولكل منهم له مشروبه.
After eight
وأضاف: قد يرى البعض كلامي غير عقلاني أو منطقي، فكيف لي وأنا أعمل بذلك المجال منذ أكثر من 35 عامًا وأقول أننا بائعو الوهم، وما الذي يدفعني للاستمرار بها وأنا أعلم أنني بائع للوهم، قراءة الناس ومشاكلهم هي التي دفعتني للاستمرار، فكما قلت سابقًا بأني أستطيع معرفة الزبون من نظرة عينه حتى إن لم يكن من مرتادي المكان باستمرار، فأستطيع أن أعرف إن كان المتردد على المكان جاء لينسى هم دَين، أو أزمة عاطفية أو أسرية، أو أنه جاء لمجرد التسلية، أو لمجرد التجربة الفريدة، ولكل منهم له مشروبه.
After eight
فالمشروبات تطورت كثيرًا واختلفت طبيعتها باختلاف طبيعة المكان والزمان وحتى الزبون، فأنا طيلة الـ30 عامًا السابقة لم أستمر في مكان واحد أكثر من 5 سنوات بأقصى تقدير، وترددت عليَّ تقريبًا جميع حانات وخمارات أو بارات وسط البلد بدءً من بار «أفتر إيت After eight»، والذي قد يرجع عهده لعصر الملك فاروق، والذي كان أكثر زبائنه من طبقة الأرستوقراط، والطبقات الراقية، رغم أن المظهر الخارجي له لا يوحي بأي مظهر من مظاهر الترف والبهرجة، حيث البوابة التي توحي بأن المكان شعبي، المترددون عليه من متوسطي ومحدودي الدخل، ولكنه من الخارج شيء مختلف تمامًا، حيث درجة الرقي والفخامة من الداخل، ويقدم أنواعا فخمة من الخمور منها النبيذ الأحمر، الوايت والفودكا، وغيرها، وكلها ذات الأسعار المرتفعة، ويقدم في بعض الأحيان البيرا والإستلا والآي دي، وسقارة، ولكن بأسعار أعلى من أماكن مجاورة له؛ نظرًا لما حققه المكان من شهرة، وزباين «رباهم لسنين طويلة»، ونظرًا لما حققه البار من شهرة أقيمت على غرار الاسم كافتيريا وقهوة في نفس الشارع.
Happy City
نخرج من بار «أفتر إيت After eight»، إلى الأماكن الأقل رقيًا ولكن لها زبونها، من تلك الحانات «إستلا»، الكائن بشارع هدى شعراوي، ذلك المكان الأكثر شهرة بين الشباب خاصة من مرتادي قهاوي وسط البلد والبورصة وغيرها، ويليه في الشهرة بار «أوديون»، أعلى فندق أوديون في شارع معروف المتفرع من شامبليون، والذي يمتلك شهرة واسعة بين الشباب ولكن أكثر المترددين عليه من المرتبطين أو الـ«Couples»، كما يطلق عليهم الشباب وذلك بسبب طبيعته الخاصة؛ نظرًا لمساحته الصغيره نوعًا ما، وأسعاره المتوسطة، التي يراها كثير من الشباب أنها في متناول أيديهم، ويأتي بار «هابي سيتي Happy City»، الذي لا تختلف طبيعته كثيرًا عن أوديون من حيث المساحة ولا المكان أعلي الفندق في عابدين، ولكن الاختلاف بين الاثنين في أن أكثر المترددين على ذلك الأخير من الشباب الفرادى أو الـ «سناجل Singles»، كما يطلق الشباب غير المرتبطين على أنفسهم، وأسعاره أيضًا لا تختلف كثيرًا عن سابقيه، ويتميز «هابي سيتي Happy City»، بتوافد المجموعات أو الصحبجية كما يحبون أن يطلقوا على أنفسهم، ويأخذون في ترديد الأغاني التي تأخذ في طابعها الشكل التراثي، لسيد درويش أو الشيخ إمام وأحيانًا الطرب لأغاني محمد منير وأحمد منيب؛ ولأن المكان عرف طبيعة زبونه فبمجرد بدء التوافد عليه يقوم بتشغيل أي من تلك الأغاني السابقة وما إن يسمعها مرتادو المكان حتى يأخذون في ترديد الأغاني وتبدأ الأغاني وقعدة «الصهللة».
شارع 26 يوليو
وننتقل إلى منطقة أخرى بوسط البلد وبالتحديد شارع 26 يوليو، ذلك الشارع الذي لا يوحي المظهر العام له بوجود محال بتلك الطبيعة؛ نظرًا لوجود دار القضاء العالي، وعدد من النقابات أشهرها المحامين والصحفيين، ولكن أينما وجدت الممرات وجدت التجارة غير المتوقعة، فقد اشتهر الشارع بكثرة ممراته، وكل ممر يحمل في نهايته حكايات وحواديت، وبه أكثر من بار أو حانة شهيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، «بوسي كات»، «الفنان»، وذكرت ذلك المكانين بالتحديد لما لهما من طبيعة خاصة، فعلى الرغم من أنهما ليسا بالدرجة الكبيرة من الفخامة والرقي ولكنهما مصنفان من أعلى الأسعار التي تقدم بها المشروبات؛ وذلك بسبب ما ذكرته لك عن طبيعة مقدمي ومرتادي المكان، فأصحاب المحال تفهم الزبون من نظرة عينه، وعليه فقد اعتمد الباران السابقان على الفتيات من متسربي التعليم، أو حتى ذوات المؤهلات العليا والمتوسطة ولكن لظروف خاصة أجبرتهن على امتهان وظيفة البارمان أو الوايتر، فبمجرد دخولك لأي من المكانين تجد فتاة لا تقل جمالاً عن جوليا روبرتس بانتظارك والتي لا يقل سنها عن الـ 16 عامًا، ولا يزيد عن الـ 28 ربيعًا، وكلما تعمقت داخل المكان، قلت نسب الجمال وزادات الافتراضات العمرية، فكما يقولون، بمجرد دخولك المكان، «جت رجل الزبون»، ويعتمد المكانان كما سبق وأن ذكرت، على الفتيات التي تتراوح أعمارهن ما بين 16 إلى 28 عامًا.
وطبيعة المترددين على تلك الأماكن تختلف، فقديمًا كان أكثرهم من ذوي المعاشات ورجال الأعمال أو حتى التجار من ذوي الأعمال التي تزيد أعمارهم عن الـ50 عامًا، ولكن هذه الأيام اختلف الأمر كثيرًا خاصة خلال الأربعة أعوام الأخيرة بالتحديد عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، إذ أصبح أكثر المترددين من الشباب من أعمار 18 حتى 30 عامًا.
والشاب بمجرد دخوله للمكان يوحي بأنه مخدر تلقائيًا قبل أن يشرب أي نوع من الكحوليات؛ فكثير من الشباب يغيب بمجرد سماعه أغنية شعبية من النمط الحزين، والكحول سواء كان «بيرة» أو «آي دي» لا يعني المزيد له.
