رئيس التحرير
عصام كامل

مصر وساعة المراجعة

18 حجم الخط

لا يحتاج الرئيس محمد مرسى إلى قراءة التقارير كى يدرك حجم الانزلاق الحاصل فى مصر. يكفى أن يفتح نافذة القصر ليشاهد ما يقلق ويسمع ما يقلق. يستطيع الرئيس أيضاً أن يطلب من فريقه تزويده ببضعة أرقام. كم عدد القنابل المسيلة للدموع التى ألقيت منذ توليه الرئاسة فى حزيران (يونيو) الماضي؟ كم عدد القتلى الذين سقطوا فى الاحتجاجات والمواجهات؟ كم عدد الإضرابات التى شلت قطاعات كثيرة؟ كم عدد الاعتصامات التى نظمت والاستثمارات التى ضاعت؟.


يستطيع الرئيس أن يطلب أيضًا لائحة بالهتافات التى تدوى فى المدن المصرية والشعارات التى يرفعها المتظاهرون وكم تختلف عن تلك التى كانت تردد وترفع أيام الثورة؟. لا بد أن تستوقفه هتافات من قماشة «يسقط يسقط حكم المرشد» و «لا لأخونة الدولة» ومقالات تتحدث عن «الفرعون الجديد» و«الانتقال من ديكتاتورية عسكرية إلى ديكتاتورية إسلامية». لا بد أن يلتفت أيضاً إلى أن بعض الاتهامات يأتى من قوى إسلامية كان يفترض أن تقف إلى جانبه.

ثمة ما هو أخطر من ذلك. تراجع ثقة المواطن العادى بالدولة المصرية التى يفترض أنها تتكئ على مؤسسات عريقة. لا يحتاج الرئيس إلى من يشرح له الأحوال داخل الشرطة وعلاقتها بالناس. ولا إلى من يذكره باهتزاز صورة القضاء ولا بالخوف من إمساك «الإخوان» بمفاصل الجيش.

لا يحتاج مرسى إلى من يشرح له أن المصرى العادى خائف. خائف على خبزه. وخائف على أمنه. وعلى حريته. وعلى مبدأ تداول السلطة. وعلى حقوق المرأة. وعلى حقوق «الآخر». وعلى مناهج التعليم. وخائف على غده لاعتقاده أن البوصلة ضائعة وأن الوضع مفتوح على أشكال من الانهيار الاقتصادى والسياسى والأمني.

أخطر ما تعيشه مصر حالياً هو انقطاع خيط الاتصال بين الرئيس والمصرى العادى الذى لا ينتمى إلى تيار «الإخوان». لم يستطع الرئيس إطلاق حالة من الأمل. لم يستطع إقناع المصرى العادى أن المعارك التى خاضها مع القضاء والمؤسسة العسكرية والمعارضة تصب فى خدمة بناء الدولة المدنية ومؤسساتها وتعد بالاستقرار والازدهار. صحيح أن الرئيس لم يتخذ مواقف مغامرة فى موضوع العلاقة مع إسرائيل ونجح فى الحفاظ على الرغبة الأمريكية فى نجاحه لكن الصحيح أيضاً أن المسألة أبعد من ذلك وأكثر تعقيداً وأن الامتحان الكبير يدور فى الداخل.

لم يحسن الرئيس تقديم نفسه وشرح برنامجه. الممارسات تركت انطباعاً أن القرار انتقل إلى يد فريق لا يملك برنامجاً للحكم ولا تصوراً لمواجهة أعباء مرحلة انتقالية يضاعف التعاطى المرتبك مع استحقاقاتها أثقال الملفات الموروثة.

لو استطاع الرئيس تقديم تصور واقعى ومقنع وجاذب فى ما يتعلق بالدستور والملفات السياسية والاقتصادية والأمنية لما تجرأت المعارضة على الاحتكام إلى الشارع واتخاذ قرارات المقاطعة والتصعيد.

ليس بسيطاً أبداً أن يبقى الشارع المصرى ملتهباً. وأن ترتفع أصوات محذرة من الإفلاس. وأخرى من «الصوملة»، وثالثة من تجربة جزائرية دامية إذا بلغ التدهور حد اضطرار الجيش إلى العودة إلى الوصاية على القرار.

حين دخل مرسى قصر الرئاسة كان هناك من اعتقد، فى مصر والمنطقة وفى الغرب أيضاً، أننا أمام تجربة ستفوق فى أهميتها وانعكاساتها ما بات يعرف بالنموذج التركي. وأن إدارة بلد بتركيبة مصر وحجمها ستدفع «الإخوان» إلى التكيف مع مستلزمات الدولة الحديثة ومنطقها ومؤسساتها فضلاً عن الحقائق الدولية. اليوم تتراجع آمال هؤلاء.

مصر ليست تركيا ولكل تجربة سياقها المختلف. الحزب الذى ورثه أردوغان أنضجته تجارب طويلة ومريرة من العيش فى ظل دستور علمانى وتحت رقابة جيش أتاتورك. ثم إن تجربة حزب أردوغان فى الحكم ترافقت مع نمو اقتصادى متواصل واحترام صارم لإرادة الناخبين. فى المقابل ها هو مرسى يتولى الرئاسة فى بلد مهدد بتدهور اقتصادى مريع وتأزم سياسى غير مسبوق ما يفتح أبواب العنف والفوضى وما هو أدهى.

الأكيد أن مصر ليست تركيا ومرسى ليس أردوغان والدليل أن «الإخوان» استقبلوا الزائر التركى بتصفيق شديد لكنهم لم يخفوا امتعاضهم حين تحدث عن الدولة المدنية والعمل فى ظل دستور علماني. مصر فى خضم تجربة شديدة الاختلاف ومفتوحة على كل الأخطار. ولهذه القناعة أثمانها فى الداخل وكذلك فى الاستثمارات والمساعدات الخارجية.

يحتاج الرئيس مرسى الى مراجعة عاجلة لإنقاذ عهده وتجربة «الإخوان» والأهم لإنقاذ مصر من تركة الماضى وارتباك الحاضر.

نقلاً عن الحياة اللندنية


الجريدة الرسمية