رئيس التحرير
عصام كامل

سيناء بين الإهمال والإرهاب


33 عاما مرت على اكتمال تحرير سيناء.. 33 عاما عانت خلالها سيناء النسيان والإهمال، إذ لم نكن نتذكرها سوى يومين في العام، يوم 25 أبريل ذكرى تحريرها، ويوم 6 أكتوبر ذكرى الانتصار على إسرائيل، بينما يطويها النسيان 363 يوما أخري.

وعندما تنسحب الدولة تقصيرا وإهمالا يصل إلى درجة الإجرام يكون طبيعا أن تحل محلها خفافيش الإرهاب وعناكب التطرف والعناصر الإجرامية لتعيث في الأرض فسادا وتشيع القتل والعنف والتخريب.

وما نعاني منه الآن في سيناء من سيطرة العناصر والجماعات المتطرفة، وما تخوضه قواتنا المسلحة من حرب ضارية، يدفع خلالها شباب هذه الأمة من أرواحه الطاهرة ودمائه الذكية، ما هو إلا ثمن لضيق الأفق وقصر النظر والغباء السياسي الذي سيطر على القيادة السياسية التي حكمت البلاد خلال السنوات الـ 33 الأخيرة.

إنه من أسف أن النظام البائد سخر الدولة بأسرها وبكل إمكاناتها لخدمة أهدافه ومصالحه الخاصة أو مصالح المنتسبين إليه والمنتفعين منه أو المستفيدين من جيفه، والذين أثروا على إفقار الآخرين وبنوا أمجادهم على أرواح ودماء ودموع وآلام البسطاء والفقراء، فتركوا الشعب ينخر في عظامه الفقر والجهل والمرض.

أضاعوا الوطن وأضاعوا الشعب وأضعفوا مقدراته، من أجل أطماعهم الذاتية، فكان منطقيا أن نرى الدول التي بدأت مشروعها التنموي معنا أو بعدنا بمراحل، قد سبقتنا بعشرات السنوات الضوئية، بينما مازلنا نحن نتسول من الآخرين بلا خجل، ونترك ثرواتنا وخيراتنا إما نهبا للطامعين أو ضياعا على يد المهملين والمقصرين.

لم يفكر النظام الذي حكم البلاد طوال أكثر من ثلاثين عاما مثلا أن يعد خطة إستراتيجية طويلة الأمد للاستفادة من سيناء، ولو كان ذلك قد تم، لكانت الأمور غير الأمور، ولتغيرت الأوضاع كثيرا بعد أكثر من ثلاثين عاما.

بل إن هذا النظام لم يفكر مثلا خلال أكثر من ثلاثين عام، في إجراء دراسة اجتماعية حول أوضاع القبائل السيناوية تتعلق مثلا بسبل معيشتهم، بعاداتهم وتقاليدهم، بالمشاكل التي تواجههم سواء اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، بفرص العمل، بمسايرتهم للتطورات المجتمعية والتكنولوجية، وكيفة التعامل مع كل ذلك، ويسعى للعمل على ادماجهم بالمجتمع المصري وصهرهم فيه، كما فعلت إسرائيل خلال ست سنوات فقط من احتلالها لسيناء.

لذلك كان لابد وأن يكون متوقعا، أن تجد جماعات القتل والإرهاب من يستمع وينصت إليها، ويؤمن بها، ويتحالف معها، بعد أن تركته الدولة على مدى أكثر من ثلاثين عاما يعاني الفقر والجوع والجهل والمرض، ويواجه الإهمال والتقصير وضيق الأفق السياسي.

لم نجر دراسة علمية واحدة عن الإمكانيات الاقتصادية في سيناء، وسبل الاستفادة منها، ونضعها موضع التنفيذ، لم نجر دراسة واحدة حول إمكانية إقامة تجمعات بشرية في سيناء، وركائز هذه التجمعات، وأهميتها في مجال الأمن القومي إيجابا أو سلبا.

اكتفينا فقط خلال تلك السنوات بالغناء لأرض الفيروز، ولخط بارليف، ولدماء المصريين التي سالت على أرض سيناء، اكتفينا بالغناء والرقص لصاحب أول ضربة جوية، وبطل الحرب والسلام، ونسينا نحن وتناست القيادة السياسية، أن الأغاني والرقص، لا يحمي وطنا، ولا يرد عدوا، ولا يشبع جائعا، ولا يكسو عاريا، ولا يعلم جاهلا، وبالتالي فهو يجعل الأمن القومي مهددا دائما، وفي مرمى النيران أي نيران.

وخلال الفترة الأخيرة خرجت سيناء من عباءة النسيان وصارت تتداول ليل نهار وعلى ألسنة العامة والخاصة، ولكن للأسف فهي تتداول مع سقوط الشهداء الذين يحاولون أن يغطوا بدمائهم تقصير أنظمة سياسية فاشلة، وكم كنا نتمنى لو أن سيناء يأتي ذكرها يوميا بالإنجازات والمشروعات، كم كنا نتمنى لو كنا جعلنا من سيناء "هونج كونج" الشرق، ولكن أين لنا بذلك؟..
الجريدة الرسمية