رئيس التحرير
عصام كامل

أطفالنا والخطاب الديني


تتشكل شخصية الإنسان بكل جوانبها من خلال مجموعة من الخبرات والتجارب التي يعيشها، وتبدأ عملية التأثير والتشكيل بداية من الأيام الأولى في حياة الطفل، فهو كالوعاء نملؤه بما نشاء كيف نشاء، فالطفل يتأثر بالعديد من الدوائر المحيطة به، وأول تلك الدوائر هي الأم فهي الباني الأول، هي الأكثر التصاقًا به من اليوم الأول ودون منازع، ثم تتسع الدوائر فتأخذ دورها في التأثير كالأسرة وبعدها الحضانة ثم المدرسة، الإعلام، دور العبادة....


أتناول اليوم موضوع "الدين والتدين" في حياتنا في محاولة رصد وتقييم لواقعنا ومسبباته نجد المشهد كالآتي:
فجوة هائلة بين مظهر بعض مدعي التدين وبين ممارساتهم العملية في التعامل مع الناس، خلاف بين من يدافعون عن كتب التراث ويرفضون المساس بها يقدسونها، وبين من ينادون بإزالة كل ما يشوبها من عيب، تزايد نسبة الملحدين والمشككين لدرجة يصعب تجاهلها، فقدان ثقة الناس برموز دينية كثيرة كانت لها مكانة في نفوسه، عزوف فئة لا يستهان بها عن ممارسة بعض العبادات، تراجع غير مسبوق للأخلاق.

هذه بعض صور الواقع الموجع وغيرها الكثير، ولكن لا ينبغي أن نقف عند مرحلة الرصد وتشخيص المرض لكن علينا الانتقال السريع لبدء رحلة العلاج.

أولى خطوات العلاج في ظني معرفة مسببات المرض، نطرح منها اليوم على سبيل المثال:
- رغبتنا كأهل في أن ينشأ أولادنا متمسكين بدينهم -حتى نحميهم من مخاطر الوقوع في المعصية- حبًا منا لهم وحرصًا عليهم، وهو أمر محمود لكن انتبهوا من الطريقة، فمن الخطأ أن يكون الدافع هو التخويف من الله كأن نقول لهم "لو عملت كذا ربنا هيحطك في النار" ومن الخطأ أيضًا أن نتبع منهج الشدة والغلظة فنعاقبهم على تقصيرهم في أداء العبادات ونجبرهم على أدائها فينعدم الهدف منها، وقد يؤديها في الصغر مجبرًا خوفًا من الأهل وحتمًا سيتركها متعمدًا في مرحلة المراهقة والشباب تمردًا، والعلاج أن نأخذهم باللين والحب نجعلهم يحبون الله ونحدثهم بما يتناسب مع أعمارهم عن حب الله لنا وعن جنته التي أعدها للصادق، الأمين، الرحيم، والأهم أن نضرب لهم المثل بالتطبيق العملي، فكيف نحدثهم عن أشياء لا نفعلها أو نفعل عكسها؟

- المدارس تؤثر تأثيرًا بالغًا في تشكيل المفاهيم والمعتقدات، ومن أهمها تأثيرًا فى المعتقدات العقائدية تلك التي تطلق على نفسها "الإسلامية" تهتم تلك المدارس -في الأغلبية العظمى منها إن لم تكن جميعها- بعيون ولي الأمر لأنها تعي جيدًا نفسيته وسطحية تقديره إلا من رحم ربي، فبغيتها رضاه الذي سيحقق لها الكسب المادي، وللأسف يأتي رضى ولي الأمر من تطبيق المظهر فقط ولا تتعداه بخطوة واحدة، فتقوم معظم تلك المدارس بتحفيظ القرآن دون الاهتمام بتطبيق تعاليمه، تحرم على التلاميذ والطلاب الموسيقى والرسم وتحذرهم من وعيد الله لهم إن فعلوا، تجبرهم على صلاة الظهر في جماعة، ويقف حولهم المشرفون على الصلاة بعضهم يحمل عصاه لتأديب من لم يحسن الوقوف، ولا تتعجب إن قلت لك إن بعضهم لا يكون على وضوء وقد يقف مؤديًا للركوع والسجود وهو لا يصلي أصلًا، المدرسة مستريحة الضمير فالشكل مشرف، والأهل مستريحو الضمير أيضًا.

أما ذلك الطفل فيا خيبة الأمل مما تعلم، نعم حفظ القرآن ووقف للصلاة، لكنه تعلم النفاق والكذب عرف كيف ينال رضى الناس، لكنه لم يعلم شيئًا عن رضى الله، يا لها من منظومة مريضة عفنة! تشوه أجيالًا، لذلك أرى ضرورة توعية الأهل بقواعد التربية بعدة وسائل لا مجال لذكرها الآن، ولابد أن تشرف لجان تربوية متخصصة على جميع المدارس لتأهيل المعلمين ووضع المناهج ليصبح الاهتمام بجوهر العبادة وتوضيح الغرض منها.

- ناهيك عن الجهل في الحديث مع أطفالنا عن الآخر، كل آخر يختلف معنا فيما نؤمن نحن به نصوره لأولادنا بصورة أنه على باطل وأننا فقط أصحاب الحق، هذه الصورة تجعله يتعالى على كل مخالفيه في المستقبل وينظر لهم نظرة دونية لدرجة قد تصل لتكفيره، والبديل أن نجعل اهتمامهم وانشغالهم بتقييم أنفسهم وأخلاقهم وسلوكياتهم هم، نعلمهم آداب التعامل مع الآخر ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة... هذه مجرد أمثلة لعلنا ندرك حجم الخطر المحيط بمجتمعنا، انتبهوا فأولادنا في خطر يا سادة.
الجريدة الرسمية