رئيس التحرير
عصام كامل

«بوسة» في ميكروباص المقطم!


حشرت نفسي داخل ميكروباص «السيدة عائشة- المقطم»، فوجدتني جالسًا في المقعد الثاني خلف السائق.. عن شمالي شابٌ ملتحٍ في الثلاثين من عمره، ذو هندام متناسق.. وعن يميني جلست فتاة عشرينية، تبدو عليها «العشوائية» في كل شيء، بداية من ملابسها وحتى طريقة جلوسها..


ما إن تحرك الميكروباص حتى أخرجتُ كتابًا من حقيبتي، مستثمرًا زمن الرحلة في القراءة.. ثوانٍ معدودات حتى وجدت الجالس بجواري على يساري يخرج من بين طيات ملابسه مصحفًا، بالحجم الصغير، وراح يقرأ بصوت عالٍ؛ لا لمسة فيه للجمال، دون أن يبالي بشعور الذين يعيشون معه في كوكب الميكروباص..

فجأة دَوَتْ في السيارة أغنية «هركب الحنطور»، واتضح أنها نغمة الرنين لهاتف الفتاة الجالسة عن يميني، والتي أسرعت لإسكات الآي باد، بالرد على المتصل بها.. كان تواصلها معه بصوت يسمعه كل الركاب.. نظرت لها «شذرًا»؛ علها تخفض صوتها، إلا أنها تمادت في حديثها الذي اقتصر على بضع كلمات.. «آه.. ربع ساعة وأوصل.. لأ.. هحاول.. ههههههه هااااااي، ضحكة خليعة.. طب اقفل دلوقت عشان واحد صاحبي بيتصل بيا على الويتنج.. لا إله إلا الله..»

أنهت المكالمة وردت على المتصل الآخر، بصوت يكاد يسمعه ركاب السيارات المجاورة: «أنا زعلانة منك.. قولت هتتصل إمبارح وما اتصلتش.. كنت بكلم ابن خالتي.. لأ مش هينفع والله.. مش عارفة أتكلم.. طيب لما أنزل هكلمك.. لا إله إلا الله».

في هذه الأثناء كنت قد توقفت عن القراءة، متابعًا الفتاة، ولاحظت أيضًا أن الشاب الذي يقرأ القرآن بجوارى، انخفض صوته، وكأنه كان يريد أن يتيح لى فرصة الاستماع الجيد لحديث الفتاة مع معجبيها..

ثوان وأشغلت الفتاة أغنية «هاتي بوسة يا بت»، مصحوبة براقصة تتفنن في الرقص الخليع، كما يتفنن موظفو الحكومة في التزويغ.. طلبت منها خفض الصوت، لكن يبدو أنها لم تسمعني... وبغلظة صرخ فيها الشاب الجالس إلى يساري: مش الأستاذ بيقولك وطِّي الصوت شوية؟

الفتاة: ما سمعتش..

الشاب: وهتسمعي إزاي وانتِ مركزة في الهلس والمسخرة..

-وطِّي صوتك واتكلم بأدب.

-أنا مؤدب غصب عنك.. لكن إنتِ إللي باين عليكِ ناقصة تربية، أو مش متربية خالص..

-أنا متربية أحسن منك ومن أهلك..

أصوات متداخلة من الركاب.. «صلّوا ع النبي يا جماعة.. خلاص يا أستاذ.. دا كلها دقايق وكلنا نازلين».. بينما كنتُ أراقب الموقف.. ولما اقتربتْ محطتي.. قلت للفتاة: عادي عادي.. كَبَّري دماغك يا مدام..

-على فكرة.. أنا آنسة مش مدام.

- طب إديني أمارة..!! 

نطقتها، وعلى الفور وجهت استغاثة إلى السائق: على جنب يا أسطى.

الجريدة الرسمية