رئيس التحرير
عصام كامل

حبيب العادلي يعود لشوارع مصر


لم يعد مقبولا بعد ثورتين أن تتعطل مصالح ملايين المواطنين كلما استقبل الرئيس السيسي أي ضيف لمصر، وليس من حق الدولة أن تغلق محطات المترو وتؤذى الناس كلما عقد جلسة مباحثات مع أي رئيس في قصر القبة.


لا أحد يختلف على حق الدولة في تأمين ضيوفها من الرؤساء والزعماء والقادة والمسئولين من كل دول العالم، وفى ظل ما تتعرض له مصر من مؤامرات تستهدف تقويض استقرارها وتهديد أمنها، وفى ظل حالة الانفلات الأمني وغابة القنابل والمتفجرات التي يتم زرعها في كل مكان، لكن ما حدث الأسبوع الماضى أثناء زيارة بوتين من اختناق مرورى في كل شوارع القاهرة، يحتاج من أجهزة الدولة وخصوصا شرطة المرور إلى التفكير خارج الصندوق خلال زيارة الرؤساء من ضيوف مصر والبحث عن حلول غير تقليدية للأزمات.

أنا لا أعترض على كل التدابير والإجراءات الحمائية والاحترازية والوقائية في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد، ولكن لماذا لا يتم توفير طائرة خاصة تنقل هؤلاء الرؤساء وتهبط بهم في الأماكن المخصصة بعيدا عن الشوارع، بدلا من تعريض العاصمة لسكتة قلبية مرورية لساعات طويلة ووقف حال الملايين من الموظفين الذاهبين إلى أعمالهم والمرضى أصحاب الحالات الحرجة في طريقهم إلى المستشفيات، والمسافرين في طريقهم إلى المطار، والطلاب إلى امتحاناتهم.

أحد أصدقائى في صحيفة الأهرام روى لى أنه أمضى 4 ساعات كاملة يوم الأربعاء الماضى خلال عودته من عمله في الإسعاف بوسط القاهرة حتى سكنه في كوبرى القبة، وأقسم لى وهو منفعل بأنه سيمتنع عن النزول من بيته في اليوم الذي سيزور فيه أي رئيس دولة مصر، وصديق آخر قضى 8 ساعات في الطريق من منزله إلى المطار في استقبال والدته العائدة من العمرة ووصلت طائرتها وانتظرته هي في الأجواء الترابية الرملية طويلا بدلا من أن ينتظرها هو، وإذا كان هذا هو ما حدث مع اثنين من أصدقائى، فالمؤكد أن هناك آلاف المصريين كانوا في الشوارع والطرق أصابهم الأذى والاكتئاب وتضرعوا بالدعاء السلبى على كل من تسبب في تعطيل مصالحهم.

في مطلع الثمانينات وأنا طالب في كلية الإعلام جامعة القاهرة، تولدت لدى بذور الكراهية الشديدة للرئيس المخلوع مبارك، لأن أحد أجهزة نظامه الفاسد وأقصد بها وزارة الداخلية كانت تعطل القطارات في المحطة التي كانت تسمى آنذاك "كوبرى الليمون" في ميدان رمسيس سبع ساعات متواصلة كلما استقبل المخلوع ضيفا من رؤساء الدول في قصر القبة، وكان قطار المرج - رمسيس هو وسيلة المواصلات الوحيدة التي أستقلها ولا أعرف سواها وأنا طالب، لم يكن يتم إغلاق محطات كوبرى القبة الثلاث أو الأوبرا كما حدث مع بوتين الأسبوع الماضى وإنما إيقاف خط القطار الذي يمر بالقرب من قصر القبة كله.

وكنت في تلك الفترة واحدا من ملايين المصريين الذين يصبون جام غضبهم على المخلوع مبارك ويدعون عليه وعلى جهاز الشرطة الذي تحول مبكرا إلى جهاز لحماية النظام ووقف حال الناس، وكأن الشعب في نظر هؤلاء ليس سوى قطيع من الرعاع والأبقار والأغنام ليس من حقهم الاعتراض أو الشكوى.

كنت أشعر بالإهانة بل كان ينتهى الأمر بالاكتئاب ثم البكاء وكنت أتساءل "ما ذنبي وذنب كل هؤلاء الناس الذين ليس لهم وسيلة انتقال سوى القطار ويتحولون بفعل فاعل إلى مشردين هائمين على وجوههم في الشوارع في انتظار الفرج وعودة القطارات للعمل".

كان حبيب العادلى يتعمد إصابة شوارع مصر بالشلل التام كلما قرر المخلوع أن يقوم بجولة تفقدية لأى شركة أو مصنع أو منشأة، وما حدث منذ أيام هو إعادة استنساخ أساليب "عراب" نظام مبارك الأمنية البالية القديمة، ولا يجوز أن نعيد تكرار خطايا المخلوع الفاسد هو وزبانيته وحاشيته ورموز نظامه مع الشعب، ويجب على الرئيس السيسي أن يحاط علما بكل شفافية بفضيحة الاختناق المرورى ومعاناة الناس في شوارع المحروسة منتصف الأسبوع الماضى، ويأمر مدير الإدارة العامة للمرور بعدم تكرار ما حدث كلما جاء زائر لمصر.
الجريدة الرسمية