رئيس التحرير
عصام كامل

المحكمة الجنائية الدولية هل تنصف الفلسطينيين؟


أخيرًا وقع رئيس السلطة الفلسطينية مرسوم انضمام دولة فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، ضمن عشرين منظمة دولية أخرى، بالإضافة إلى التوقيع على ميثاق روما، وذلك في خطوة بديلة عن رفض مجلس الأمن الدولي القرار العربي المقترح بالاعتراف بدولة فلسطين المحتلة، ضمن حدود الرابع من يونيو لعام 1967، وفرض الانسحاب الإسرائيلي منها خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات.


إلا أن القرار سقط دون أن تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية -كما كان متوقعًا- إلى استخدام حق النقض الفيتو ضد القرار في حال لو أنه حصل على أصوات تسعة أعضاء أو أكثر، إلا أن دولة نيجيريا فاجأت الجميع وهي الدولة الأفريقية المسلمة، الموالية تاريخيًا لفلسطين ومختلف القضايا العربية، وكفت بامتناعها عن التصويت واشنطن الحرج الدولي، الذي ما كان ليعنيها أبدًا لو أنها اضطرت لاستخدامه.

قد يستخف البعض بهذا المرسوم وقد ينتقده ويعترض عليه، ويرى أنه عديم الجدوى ولا يخدم القضية الفلسطينية ولا ينفع أهلها، وأنه ليس إلا مضيعةً للوقت، وضحكًا على لحى الشعب الفلسطيني، الذي لا يتوقع من المنظمات الدولية نفعًا، ولا يرجو منها خيرًا، وهي التي أضرته وألحقت به الأذى، واعترفت بالكيان الصهيوني وشرعت وجوده، وغطت جرائمه وحمت قيادته، وحصنته طويلًا من الملاحقات القانونية والقضائية، وجعلته بمنأى ومأمن من سلطة القانون الدولي، الذي يطال الصغار ويستثني الكبار، ويحاسب الضعفاء ويجبن عن مواجهة الأقوياء، ويحمي الظالم ويقتص من المظلوم، فكيف لهذه المنظمات التي صاغتها القوة، وشكلها المنتصرون، وصاغت أنظمتها الدول الكبرى على حساب الدول المهزومة والمستسلمة.

الفلسطينيون في حاجة ماسة إلى كل أداة ووسيلة لمواجهة المحتل الصهيوني، الذي لا يتأخر عن استخدام كل وسائله، واستغلال كل طاقاته، واستنفاذ أقصى جهوده، وتوظيف كل قدراته وإمكانياته، وتجنيد سكانه ومستوطنيه، وأعوانهم وأنصارهم، بالتعاون مع كل القوى، والتنسيق مع مختلف الدول والمنظمات، التي لا تألو جهدًا في مساعدته، ولا تتأخر عن نصرته، ولا تمتنع عن مساندته والوقوف معه، بل تتبنى مواقفه، وتدافع عن سياسته، وتدين وتهاجم من يقاومه ويصد عدوانه، ويرفض احتلاله، ويثور على ممارساته، ويعترض على سياساته، في مخالفة للأخلاق والقيم، وتعارض مع المفاهيم الإنسانية والقوانين الدولية.

العدو الصهيوني يستخدم القوة والعنف، والسلاح والشدة في تعامله مع الفلسطينيين، ليفرض ما يشاء، ويقرر ما يريد، ولكنه يلجأ أيضًا إلى الإعلام ولوبيات الضغط، ويستخدم مجلس الأمن ويشكو إلى الأمم المتحدة، ويعرض الصور ويلفق القصص، ويزور الحقائق ويشوه الوقائع، ويستخدم وسائل التواصل الاجتماعي وصفحات الشبكة العنكبوتية، ويسبق الفلسطينيين إلى العالم شاكيًا منزعجًا، يستأذنهم في الرد، ويطلعهم على الظلم الذي وقع عليه، والاعتداء الذي تعرض له، ويعرض صور النساء الباكيات والأطفال وهم يصرخون مذعورين، وآثار قطع الصواريخ المتساقطة عليهم، أو التي تنزل في الشوارع والطرقات، وفي البساتين والساحات، ليبرر لنفسه لدى الغرب قصف الفلسطينيين والاعتداء عليهم.

في حين يفتقر الفلسطينيون إلى الأدوات والآليات التي يتمتع بها العدو الصهيوني، لعدم توفرها أو لتعذر استخدامها وضعف تأثيرها؛ نظرًا لامتناع الدول الكبرى عن التعاطف معهم، والوقوف إلى جانبهم، أو تصديق روايتهم، ومساندتهم في نضالهم ومقاومتهم، مخافة أن يغضب منهم الإسرائيليون، أو يتضايقوا من مواقفهم وتغيير خطابهم السياسي، الذي كان تاريخيًا مؤيدًا لهم ومتفقًا معهم، ويصغى إليهم ولا يعير غيرهم انتباهًا أو تقديرًا.

لهذا يستخف الفلسطينيون بالأدوات والآليات المتاحة، ويرون أنها غير ذات جدوى، رغم أن الأجدى أن يمضوا بها قدمًا ولا يخضعوا لأي تهديد دولي، أو ابتزاز غربي، أو عقوبات أمريكية، أو اعتداءات إسرائيلية، وألا يحكموا عليها بالعدمية قبل أن يجربوها.

لا يحوز أن يتخلوا عنها ولا يقدموا عليها، يأسًا أو إحباطًا، وعدم قناعةً أو إيمانًا، فيحكمون على النتائج قبل تقديم الأسباب، ولا يلزمون أنفسهم القيام بالمقدمات، التي من الممكن أن تكون نتائجها مغايرة أو مفاجئة، وإن كانت التجارب السابقة لا تشجع، والسياسات الغربية والأمريكية ذاتها لا تتغير ولا تتبدل، ولكن هذا لا يعني التراجع أو الاستسلام.

كما لا يليق بالفلسطينيين أن يكيلوا التهم جزافًا لمن يحاول التجربة، أو يستخدم الوسيلة المتاحة، ويتهكموا بمن يؤمن بها أو يحاول من خلالها، ويطعنوا في وطنيته، ويشككوا في نيته، فيعقرون بذلك أنفسهم، ويخلفون صفهم، ويمزقون جمعهم، ليفرح باختلافهم العدو ومن حالفه.

ندرك جميعًا أنه لا شيء يوجع الإسرائيليين غير الدم المراق، والحياة المفقودة، والخوف الدائم، والقلق المستمر، والذعر المسكون، وهذا لا يكون بغير المقاومة المسلحة بكل أشكالها، وبمختلف صورها، فالمقاومة هي أسمى الوسائل، وأفضل السبل، وأقصر الطرق، وهي الأجدى نفعًا، والأسرع نتيجةً، والأكثر تأثيرًا، فلا نتخلى عنها أبدًا لصالح أي خيارات أخرى، ولا نستبدلها بأي وسيلة.

ربما يحلم الإسرائيليون أن تتحول معركتهم مع العرب والفلسطينيين إلى سجال في المؤتمرات، وصراخ على المنابر، وتصويت في المؤسسات، وجدال في المنظمات، ومفاوضات في الخفاء، وحوارات تدوم وتستمر، وتطول ولا تنتهي، إذ لا يريدون أن يكون حوارهم في الميدان قتالًا، ولا صراعهم مع الفلسطينيين على الأرض مقاومة، لأنهم يدركون أنهم بالموت يخسرون، ويفقدون بالقتل كل أمل، ولا يستطيعون في ظل التهديد أن يستمروا، ولكنهم بغيره قد يكسبون ولا يخسرون، وقد يحققون من خلاله ما يرجون ويأملون.

المقاومة هي الأساس، وغيرها ممكن ويجب أن يكون، وعليه فإنه ينبغي على الفلسطينيين ألا يستخفوا بأي بوسيلة، وألا يدخروا أي جهد، وألا يعطلوا طريقًا، وألا يمتنعوا عن التجربة والمحاولة، ولو كانت تشويهًا لسمعة الإسرائيليين، وتلطيخًا لحياتهم، وفضحًا لممارساتهم، وكشفًا لجرائمهم، وبيانًا لعدوانيتهم، وعلى الجميع، عربًا وفلسطينيين، ومسلمين وأحرارًا، أن يمارسوا دورهم النضالي، كلهم بطريقته ووسيلته، بالقلم والريشة، وبالكلمة والصورة، وبالفن والخطابة، وفي المؤتمرات وعلى المنابر، وفي الميدان وعلى الجبهات، بالطلقة والصاروخ، والقنبلة والعبوة، وبالمدية والسكين، وبالفأس والساطور، وبالسيارة والجرافة، وبكل وسيلة ممكنة، من شأنها إذكاء المقاومة، والحفاظ على الأرض، وحماية الوطن، وصيانة المقدسات.
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
moustafa.leddawi@gmail.com
الجريدة الرسمية