رئيس التحرير
عصام كامل

ميدان الحصري بأكتوبر.. التحرش بما يرضي الله


حينما تتحول مدينة جديدة مثل السادس من أكتوبر إلى مرتع لقوى التطرف والتحرش العلنى على السواء، فأنت بالتأكيد أمام مجتمع يضم توليفة من أقذر وأقبح ألوان السلوك، يحتمى أصحابه بسمعة دور العبادة وصيت مشايخ زمن العجائب، الذي تحولت الصلوات فيه عند كثيرين إلى مجموعة حركات استعراضية، تخفى فشلها في تقويم السلوك علاماتُ سوداءُ على الجبين.

أكتب كلماتى هذه وبحرقة بعد أن تلقيت رسالة الصديقة شيماء عبد الغفور، مرشدة سياحية، وطالعت كسور ذراعها وخدوش جسدها التي أصابتها في واقعة تحرش علنية بميدان الحصرى "وسط البلد بمدينة 6 أكتوبر"، بينما أشباه الرجال، وأكثرهم ممن تبدو عليهم مظاهر التدين، يبتسمون ويتحنطون في أماكنهم يرصدون بأعينهم الشاهدة على غياب نخوتهم وانهيار رجولتهم وشهامتهم، محاولات "شيماء" للإمساك بمجرم والسقوط به على الأرض أثناء مقاومته وهروبه أمامهم، بينما بعضهم يتظاهر بملاحقته، ويختتمون المشهد العار عليهم بالطبطبة والقول "الحمد لله إنك بخير".

الحادث وقع في التاسعة من مساء السبت الماضى وقبل استقبال رمضان بساعات، أثناء عودة "شيماء" من عملها حيث كانت تعبر الشارع في إشارة يقف بها رجال شرطة ومرور، لم يحركوا ساكنًا تجاه سلوك حيوانى لشاب يعبر الطريق في الاتجاه المقابل، قام بالتحرش بها من الخلف، قبل أن يستقر على الرصيف ويشير إليها بإشارات بذيئة مستفزة، دفعتها إلى الإصرار على ملاحقته، وسط ثقته التامة بمواجهتها والتعدى عليها دون أدنى تدخل من قبل أصحاب "الشوارب واللحى العيرة" والمتنطعين.

تقول شيماء "هرب المجرم وسط تكاسل الجميع في الإمساك به، بعد أن أصابنى بكسر في ذراعى أثبته التقرير الطبى رقم 2901 الصادر عن مستشفى الزهور ويؤكد احتياجى إلى شهر من العلاج والراحة، وبعد هروبه عبر الشارع أحد رجال المرور يسألنى بغباء واستخفاف إن كنت أعلم اسم وعنوان المتحرش الهارب أم لا..!!".

وتابعت شيماء "ذهبت إلى المستشفى بمساعدة شاب شهم يدعى محمد، عمره 19 عاما، تبتعد أخلاقه تمامًا عمن ارتضوا لى البهدلة، وتم احتجازى لإجراء عملية جراحية في اليوم التالى، وخرجت منه إلى قسم شرطة أكتوبر أول وحررت المحضر رقم 7323 جنح، بعد معاناة وتعالٍ من رجال أمن هناك ليسوا في خدمة الشعب تمامًا كما يدعون، فما جرى من إثبات حالة بالمستشفى لم يعترف به أحد في قسم الشرطة ولم يتحرك أحد رغم سوء حالتى الصحية ليحصل على التقرير الطبى، كما لم يعترفوا به بزعم أنه صادر عن مستشفى خاص، لاضطر إلى الخروج مجددًا بجرحى إلى الشارع في نهار اليوم الرابع من رمضان، لأذهب بخطاب تحويل إلى المستشفى المركزي الذي أصر طبيبه على فك الجبس من ذراعى وإعادة الأشعة عليه من جديد، وبعد معاناة كتب تقريرًا طبيًا يثبت حالتى واحتياجى إلى مدة علاج تزيد على 21 يوما، وتسلمت التقرير وسط تعليقات متخلفين تحملنى المسئولية عن التحرش بى".

وأنهت شيماء وصفها للمشهد داخل قسم الشرطة "هناك قابلت المأمور الذي عاد إلى التعامل الروتينى معى، حتى أننى وبعد أن سلمته التقرير الطبى حصلت على رقم المحضر بالكاد، وحينما سألته عن الإجراءات التالية التي سيتخذونها للتحرى عن المتحرش والبحث عنه واستدعاء شاهد الواقعة، قال لى.. ابقى تابعى في النيابة انتى بقى..!!".

هكذا حال الفتاة المصرية الحرة في مجتمع غير حر تحكمه قواعد صارمة من التخلف والغباء والانحطاط، بين مسئول أخلاقيًا عن حمايتها، ومسئول دستوريًا وقانونيًا عن أمنها وحماية سلامتها وحياتها، مجتمع لن تغير ثقافته "نور عين الرئيس" ولا توجيهات حكومته المتكررة لوزير داخليتها باصطياد المتحرشين في مواسم الإتجار السياسي بالضحايا.

وهكذا الحال في مدن تنهار فيها أبسط مقومات الحياة، الأمن، ويسودها أسوأ أشكال الجريمة، التطرف والإرهاب المسلح وفشل الأمن في مواجهته أو الحد منه، والتحرش كجريمة هناك اتفاق مجتمعى فج على الصمت تجاهها، وهاهي عينة بعض سكانها الذين لم يفلح نسقها المعمارى في الإسهام بتقويم سلوكهم وتغيير أنماط أفكارهم، حتى في وجود دور عبادة يعتلى منابرها مشاهير المشايخ وتخرس مكبراتها عن إدانة جريمة لا ترضى الخالق...، وهاهي مواقف رجال شرطة يعملون في بيئة مختلفة يمكنهم فيها مواجهة جريمة "فردية" الفعل "جماعية" النية، والقبض على مرتكبها وجعله عبرة لغيره، تحولوا إلى شركاء في إضافة أسباب جديدة لزيادة شعور الناس بانعدام وجودهم وجدوى عملهم، وابتعاد المواطنين عن الخروج من العاصمة بعشوائياتها وزحامها وخنقتها وأزماتها، للعيش في مجتمعات جديدة.

لا أنتظر تحقيقًا أو توجيهات أصحاب المعالى لاستعادة حق "شيماء".. بقدر ما أتوقع جرائم أكبر في حق أمثالها من المصريات، جرائم يؤيدها المرضى النفسيون ويدعمها أصحاب الفتاوى الغبية، ولن تمنعها قوانين يقوم على تنفيذها بعضُ ممن لا يعترفون بدولة القانون ولا يريدون لها العودة... لله الأمر من قبل ومن بعد.
الجريدة الرسمية