رئيس التحرير
عصام كامل

الإعدام للكلاب المسعورة!


كانت ليلة مصرية من ألف ليلة وليلة، بل كان يوما من أيام مصر العظيمة، لكن للأسف، كما يصف بعض الإعلاميين، الفرحة لم تكتمل بسبب واقعة التحرش البشعة التي وقعت في ميدان الحرية ( التحرير ميدان الثورة ) وكأن القضية هي إفساد فرحتنا بتنصيب السيسي، وكأن هذه الجريمة البشعة لو حدثت في وقت آخر غير ليلة التنصيب والاحتفال لكان الأمر أهون علينا، وكانت مرت مرور الكرام.. تحرش ويفوت ولا واحدة يفتضح أمرها وتجرس وتموت وهو حية ترزق تأكل وتشرب وتمشي في السوق!! 

القضية أخطر وأعمق من ذلك وتبريرها من البعض كارثة والاكتفاء بالتنديد والشجب والاستنكار حتى تبتلعها الذاكرة ويطويها النسيان هي أم الكوارث لأننا نمكن لقواعد التحلل والانهيار ونؤسس لزمن جديد من الانحطاط الأخلاقي والقيمي لن تقوم في ظله دولة ولا تنهض في سياقه أمة!

تصوير البعض أن حادثة التحرش البشعة القذرة كانت تستهدف إفساد فرحة المصريين هو تصوير مخل وسطحي، وتصوير أن هناك من دفع للبعض أموالا لتنفيذ هذه الجريمة في هذا التوقيت سواء كان من الجماعة الإرهابية أو من غيرها هو تصور غير مقبول عقلا، فالحادث يتكرر يوميا في أماكن مختلفة ولا نعلم عن مثل هذه الحوادث شيئا خوفا من الفضيحة ( وبهدلة أقسام الشرطة في س وج ) لكن الفعل في ميدان التحرير له طعم آخر ووقع آخر فهو ميدان الثورة.. ميدان الحرية الذي هتف به الجميع بوعي ودون وعي.. الحرية التي تحولت بفعل الثورة إلى فوضي قبيحة ومقيتة وفاضحة!! 

يا سادة عندما تحول الميدان إلى أيقونة لمواجهة الفساد والاستبداد أملا في حرية للرأي والتعبير تصلح حال البلاد والعباد، وأملا في عيش كريم نحصل عليه بالعمل والجد، ورغبة في عدالة اجتماعية تجعل الجميع أمام القانون سواء بسواء لا فرق بين قوي وضعيف أو بين غني وفقير أو بين مصري مسلم ومصري مسيحي.. الجميع متساوون في الحقوق والواجبات.. عندما تحول الميدان وكل ميادين التحرير في مصر لتحقيق ذلك، فإذا بنا أمام حرية مشوهة قبيحة شرسة بكل معاني الشراسة والقبح!! 

حرية طمست أجمل ما فينا وأبرزت أسوأ ما فينا، وكأن كل خبث الأرض خرج منها وانتشر فيها كما تنتشر النار في الهشيم.. وكل ذلك يحدث أمام أعيننا ولا نحرك له ساكنا لأن ( بعبع الثورة ) جاسم على أنفاسنا، وسيخرج علينا من لهم ألسنة فيها سم زعاف يخوفونا ويرهبوننا ويقولون لنا: أنتم ضد الثورة.. وأنتم الثورة المضادة.. وأنتم تكرهون الثورة والثوار.. وكل هذا الكلام التافه الصفيق الذي يسوق بضاعتهم الفاسدة التي يبيعوها في أسواق لا يرتادها غير الجهلاء والعميان!! 

يا سادة الحرية الفاسدة غير المسئولة هي من أتاحت لمثل هذه الأفاعي وهؤلاء الكلاب أن تلدغ وتعقر من يقابلها لأنها تعلم أن العقاب غائب وأن الردع لا يكفي ونحن نعرف أن من أمن العقاب أساء الأدب وتجاوز فهتك الأعراض واغتصب وفر ونجا بفعلته ثم عاد وكررها من جديد، وعندما قررنا تعديل القانون لمواجهة التحرش ربما لم يخطر على بال المشرع أن الكلاب صارت مسعورة وأن عضتها توصل إلى الموت المعنوي في أغلب الأحيان فلم يقر عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة كما هو قائم في دول أخرى كثيرة.

وربما لم يتصور المشرع أن حال بعض المصريين قد تحول بفعل الحرية الفوضوية التي جاءت بها الثورة التي تحولت من ثورة على الفساد إلى ثورة لإفساد الأخلاق، وحتى لا يزايد المزايدون ويقولون الثورة ليس لها ذنب في ذلك أقول لهم إذا لم تصلح الثورة حال العباد، فلا أقل من أن تحافظ على أخلاقهم من التدهور والانحطاط، ولا يفوتني أيضا أن أشير إلى دور الفن الهابط الذي انتشر خلال سنوات الثورة في أفلام البلطجة والعلاقات المحرمة وانتهاك الشخصية المصرية في أخلاقها وسمتها الذي نعرفه، ومن زاد الطين بلة بعض هؤلاء الذين يتاجرون بالقيم والمبادئ ويلوون أعناق الحقائق فيحولون الجاني إلى ضحية والمجني عليه إلى جان ومتهم أصحاب دكاكين حقوق الإنسان الذين يتشدقون بالدفاع عن الحرية والحقوق ويصيبهم الخرس في جرائم مثل جرائم التحرش البشعة التي تحدث كل يوم! 

القضية متشابكة ولها جذور ترتبط بمفهوم الحرية والثورة على كل شيء ولو كانت أمي وأمك وأختي وأختك وابنتي وابنتك وكل أرحامنا من النساء، ليس هناك من سبيل غير الردع والزجر والحكم بالإعدام وإنفاذ القانون، وإلا فعلينا وعلى الوطن السلام.
الجريدة الرسمية