رئيس التحرير
عصام كامل

العميد محمد عبد القادر: «أبو غزالة» أعطى أوامر بضرب دبابات العدو بعد استفزاز الجيش المصري

فيتو

44 عامًا مضت على ملحمة حرب أكتوبر المجيدة التي سطر فيها جنود وضباط الجيش المصري أروع البطولات، وروت دماؤهم الزكية أرض الوطن، ورغم مرور كل هذه السنوات إلا أن هذا النصر المؤزر على الكيان الإسرائيلي الذي اغتصب أرض سيناء لا يزال يكتنفه العديد من الأسرار والتفاصيل المثيرة التي تتكشف يوما بعد آخر.


على جبهة القتال أرضا وبحرا وجوا كان هناك آلاف من القادة والضباط والجنود الذين يحملون أسرارا وذكريات عديدة في ملفاتهم الخاصة عن وقائع أيام الحرب، محاربون كبار أدوا واجبهم على الوجه الأمثل، ولقنوا إسرائيل درسا لن تنساه مهما حاولت أن تقلل من هذا النصر الكبير، ولم لا وقد احتفظ كل من هؤلاء الأبطال العظام بتفاصيل خاصة جدا عن الساعات الأولى للحرب وما تلاها.

وبهذه المناسبة قال العميد محمد عبد القادر أحد أبطال أكتوبر، وقائد استطلاع كتيبة بسلاح المدفعية: إن انتصار أكتوبر كشف المعدن الأصيل للشعب المصري الذي يرفض الاستسلام للهزيمة، مشيرا إلى أن أبطال القوات المسلحة كانوا على أهبة الاستعداد للتضحية بأنفسهم دفاعا عن تراب الوطن، ولتحرير الأرض من العدو المغتصب.. وإلى نص الحوار:

حدثنا عن انضمامك للكلية الحربية؟
يوم 5 يونيو كان أول يوم في امتحان الثانوية العامة لي، وعندما حدثت الحرب أجلت الامتحانات لمدة شهر، بسبب الهجوم الإسرائيلي الغادر على المطارات واحتلال سيناء، في هذه الفترة أصبح هدفي ومختلف الشباب في سني الانتهاء من الامتحان والالتحاق بالكلية الحربية وقتها، ونظرا لمجموعي الكبير قدمت أوراقي للكلية الحربية وإحدى كليات القمة بالإسكندرية، وانتظرت إجراءات القبول بالكلية الحربية، وهذه تعتبر أكبر دفعة من الشباب تقدمت للكلية الحربية على مدار تاريخها، وبلغ عدد الطلاب المتقدمين 19 ألف طالب، كانت لدينا كلنا الرغبة نفسها في التضحية والفداء.

*وماذا عن دورك في حرب الاستنزاف بعد تخرجك من الكلية؟
تخرجت في الكلية الحربية في يوليو 1969 سلاح مدفعية ميدان، وعملت فور تخرجى ضابط استطلاع الكتيبة 803 مدفعية عيار 155 مم، وهذه الكتيبة لها وضع خاص وتدريبات خاصة؛ لأنها تابعة لرئاسة الجيش الثاني مباشرة، ولا تتبع أي تشكيل للوحدات بالجيش، وكان تمركزنا في منطقة الإسماعيلية والفردان، في قطاع الفرقة الثانية مشاة ميكانيكي بالجيش الثانى الميدانى، وشاركت مع كتيبتي في حرب الاستنزاف من خلال قصفات المدفعية التي كنا نمطر بها العدو في خط بارليف، على طول الجبهة كل يوم طوال حرب الاستنزاف، من خلال خطط العمليات التي كانت موضوعة وقتها وتسمي "الخطة 200"، ثم عينت عام 1971 ضابط استطلاع الكتبية، وكنت أدون الملاحظات التي أراها أمامي من تحركات العدو وأنقلها للقيادة، ومن ضمن ما شاهدته أثناء استطلاعي خروج 3 دبابات للعدو كل يوم الساعة الخامسة والنصف صباحا، والاختفاء عن أنظارنا لمدة ساعة ثم العودة من نفس مكان السير، وأبلغت بها القيادة.

وثاني يوم وقبل توقيت سير الدبابات بدقائق، بلغوني أن هناك عميدا يريد أن يصعد معي البرج ليرى الدبابات التي أبلغت عنها ورآها بنفسه، ولم ينطق بكلمة واحدة وقدم لي التحية وذهب، وفي اليوم الثاني عاد وتابعها مرة أخرى وذهب، وفي المرة الثالثة فوجئت به عندما رأى الدبابات تتحرك أمر مدفعية الميدان بقصفها وفق إحداثيات صحيحة لم تخطئ أبدا أهدافها، وكان هذا الشخص هو العميد أبو غزالة رئيس أركان الجيش الثاني "أبو المدفعية"، وكنت فخورا جدا بأنني تعلمت منه كيفية إدارة معركة، بعد اتخاذ قرار حاسم وقصفها بدقة دون خطأ، كما شاركنا مع تشكيلات الجيش الثاني في كل خطط إزعاج العدو بقصفات مدفعية مركزة على مخازن الذخيرة، والنقاط القوية، ومراكز القيادة والسيطرة في عمق سيناء، حيث كنا نمتلك وقتها مدافع متقدمة مدى المدفع أكثر من 15 كيلومترا.

ومتى عبرت القناة؟
عندما علمت بساعة العبور دمعت عيناي من الفرحة، ولم أتخيل وقتها أن اللحظة التي كنا ننتظرها اقتربت وأننا أخيرا سوف نتمكن من الثأر واستعادة أرضنا المغتصبة، والحمد الله كان لي الشرف بعبور القناة مع أول موجة للعبور، وعبرت مع مراكز الملاحظة التابعة لى في قاربين من الكاوتش في الساعة الثانية وخمس دقائق من يوم السبت 6 أكتوبر 73، ونحن نهتف: "الله أكبر" وكنت أخذت عهدا على نفسي بأن أكون أول مقاتل تطأ قدمه أرض سيناء والضفة الشرقية وسبقني للعبور أحد القوارب، ما دفعني للنزول في المياه قبل توقف قاربي، وأكملت تسلق الساتر الترابي وسجدت شكرا لله على أول حبة رمل في الضفة الشرقية، ثم انطلقنا في طريقنا والطائرات المصرية تمر فوقنا بكل فخر، تدك حصون ومراكز العدو بشراسة ودقة، وتقدمنا كالسيل الذي لا يوقفه شيء إلى أرض سيناء بحماس النار التي تأكل أمامها كل شيء تراه من العدو الذي احتل أرضنا، وكان يرتع فيها بغطرسته، وكأنه ورثها عن أجداده.

* وما أهم الأهداف التي كلفت بها كتيبتك؟
كنت مكلفا أنا وكتيبتي بمهمة القضاء على القوات التي تقترب من قوات المشاة التي تعبر القناة في القوارب المطاطية بالأسلحة الخفيفة، والآر بي جي، حيث لم تكن الدبابات والأسلحة الثقيلة قد عبرت بعد، ومنعنا العدو من الاقتراب ودارت وقتها أشرس معارك بيننا وبين قوات العدو المتمركزة على شرق القناة، ونجحنا في تأمين قوات الموجة الأولى للعبور من قصف المدفعية الإسرائيلية.

أما التكليف الثاني فكان معاونة أعمال قوات المشاة التي عبرت ضمن الموجة الأولى، ومساعدتها في التغلغل في عمق دفاعات العدو، من خلال ضرب بطاريات الصواريخ المتركزة شرق القناة، والقضاء على دبابات العدو المقتربة من العمق وكذلك المجنزرات وعربات إطلاق الصواريخ لمدة 6 أيام، وفي اليوم السابع أثناء تمركزي أنا وجنودي في الحفر البرميلية ليلا تأهبا لاقتناص أي دبابة سمعنا صوت تحرك أشخاص، وانتظرنا نستطلع من هم وأطلقت طلقة استرشادية في المكان تضيء نحو 500 متر حولنا، فوجدناهم أفراد استطلاع إسرائيليين وتمكنت أنا وجنودى من مطاردتهم، وكان من نصيبي قتل ضابط إسرائيلى برتبة نقيب، بسونكي البندقية، كنت أريد أسره حيا حتى أعرف منه بعض المعلومات، ولكن الخسة في طباعهم حاول إخراج خنجر من جنبه فبادرته بطعنه من سونكي بندقيتي ولفظ أنفاسه، وقمت بتفتيشه ووجدت معه دفتر شيكات، واحتفظت به حتى هذه اللحظة كتذكار من الحرب.

واستمرت أعمال القتال والتوغل في عمق سيناء حتى نهاية الحرب، وانضمت كتيبتي ضمن عدد من الوحدات والتشكيلات من سيناء (شرق القناة) إلى غرب القناة في منطقة أبو سلطان، لحصار قوات العدو الموجودة في الثغرة، ومنعها من التقدم، ونفذت جميع المهام الموكلة إلى، وحصلت على نوط الواجب العسكري من الطبقة الأولى، ثم رقيت إلى رتبة العميد في 1992 وأحلت إلى التقاعد بنفس التاريخ.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية