رئيس التحرير
عصام كامل

الأبنودى.. وحب الوطن


برحيل الخال الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى من هنا ينتهى جيل من العظماء والمفكرين والمثقفين المبدعين، جيل العمالقة أمثال الشاعر الراحل صلاح جاهين، والكاتب إحسان عبد القدوس، ومصطفى وعلى أمين، وغيرهم ممن أثروا الحياة الفكرية والثقافية في مصر خلال الستين عاما الماضية، والتي من المستحيل وجود أمثالهم في الوقت الحاضر أو في المستقبل.


الشاعر عبد الرحمن الأبنودى كان محبا للوطن وعاشقا للتراب المصرى، وإذا أردت أن تتعلم الوطنية والانتماء للوطن عليك أن تسمع لأغانى وأشعار "الأبنودى" فقد امتزجت أغانيه وأشعاره بخليط من طين الأرض وماء النيل وسماء مصر الصافية، ولاسيما فقد نشأ الأبنودى في قرية "أبنود" إحدى قرى صعيد مصر، بل والمعادلة الصعبة الذي حققها الأبنودى أن شعر الأبنودى كان الصغير قبل الكبير يفهمه ويعرف معانيه لبساطة الكلمات وتوصيل المعنى الحقيقى للمتلقى المحدودى الثقافة، فذلك الذي جعل الأبنودى يتربع على عرش شعراء العامية من جيله.

فقد وصف الكاتب الصحفى محمد توفيق، الذي تناول السيرة الذاتية للشاعر الأبنودى في كتاب بعنوان "الخال" "هذا الخال كما عرفته مزيج بين الصراحة الشديدة والغموض الجميل، بين الفن والفلسفة، بين غاية التعقيد وقمة البساطة، بين مكر الفلاح وشهامة الصعيدى، بين ثقافة المفكرين وطيبة البسطاء وهو السهل الممتنع، الذي ظن البعض وبعض الظن إثم أن تقليده سهل وتكراره ممكن".

رحل صاحب الكلمة الحلوة، صاحب السيرة الهلالية الذي تبنى الأبنودى جمعها على مدى ثلاثين عاما وهى الملحمة العربية الشعبية التي بحث عنها في مصر وسافر وراءها قى تونس وتشاد ونيجيريا والسودان وقام بإصدارها في كتابين، رحل صاحب المواقف الوطنية الثابتة، رحل صاحب عدى النهار وأحلف بسماها وبترابها وابنك بيقولك يا بطل هات الانتصار.

رحل صوت مصر الذي عبر عنها في كل أفراحها ومواجعها على مر الخمسين عاما الماضية، عندما قامت ثورة يناير كتب قصيدة بعنوان " الميدان "كتب يقول فيها: "أياد مصرية سمرا ليها في التمييز، ممدة وسط الزئير بتكسر البراويز، سطوع لصوت الجموع شوف مصر تحت الشمس، آن الأوان ترحلى يا دولة العواجيز"، وعندما قامت ثورة 30 يونيو كتب قصيدة حمدالله على سلامتك يا مصر وانتقد بلهجة شديدة نظام الإخوان الإرهابى في مصر أيضا لاننسى أن الأبنودى كان يدافع عن القضية الفلسطينية فكتب قصيدة المسيح، التي غناها العندليب عبد الحليم حافظ، وغيرها من الأعمال التي أنبتت للأمة العربية حسها الوطنى والقومى والعروبى.

إن الخال عبد الرحمن الأبنودى، باق وحي مثل سائر العظماء والمثقفين، باقيا بأعماله الفكرية والثقافية، باقيا بمبادئه الوطنية والعربية باقيا ببقاء نيل مصر الخالد وترابها الأسمر وحضارتها وتاريخها الواعد، وعلينا نحن أن ننهل وننهم من كنوز الفكر والمثقفين الوطنيين أمثال الأبنودى وغيرهم، وأن نجعلها لنا أيقونة ونورا قويا في ليالى الظلام الشديدة.
الجريدة الرسمية