رئيس التحرير
عصام كامل

خبير ألماني: تفجيرات السعودية تهدف لتقويض شرعية الأسرة الحاكمة

فيتو

هزت ثلاثة تفجيرات انتحارية السعودية يوم أمس، حيث لقي خلالها العديد من القتلى والجرحى مصرعهم، ما رمزية الأماكن التي طالتها التفجيرات وما هي الرسالة الموجهة من خلال هذه التفجيرات وما دلالاتها على استقرار السعودية؟

يوم دامٍ هز السعودية أمس بعد وقوع ثلاثة تفجيرات انتحارية، أحد تلك التفجيرات كان في مكان غير متوقع، إذ وقع قرب المسجد النبوي في المدينة المنورة، فأسفر عن مقتل أربعة من عناصر الأمن السعودي.

كما استهدف تفجير آخر القنصلية الأمريكية في جدة، المركز التجاري على ساحل البحر الأحمر، وذكرت الداخلية السعودية في بيان لها اليوم، الثلاثاء (الخامس من يوليو 2016)، أن الانتحاري فجر نفسه بحزام ناسف داخل مواقف مستشفى الدكتور سليمان فقيه القريب من القنصلية الأميركية، كما أن المنفذ هو عبد الله قلزار خان، باكستاني الجنسية. وضرب هجوم انتحاري ثالث منطقة قريبة من مسجد للشيعة في محافظة القطيف بالمنطقة الشرقية.

وزارة الداخلية السعودية أكدت العثور على أشلاء بشرية لثلاثة أشخاص لم يتضح بعد ما إذا كانت تعود لثلاثة انتحاريين أم أن بينها جثة ضحية أو اثنين، ولم تعلن أية جهة مسئوليتها عن تلك الاعتداءات حتى ساعة إعداد هذه المقابلة.

للتعرف على خلفيات الهجمات ودلالاتها وتداعياتها ومدى تأثير ذلك على استقرار السعودية، حاورت DW عربية الخبير الألماني في الشئون السعودية، سيبستيان زونس:

DW عربية: ما هي قراءتك للتفجيرات في السعودية وما هي الرسائل الموجهة من خلالها؟

سيبستيان زونس: تهدف الهجمات في السعودية، وكما هو الأمر في الغرب أيضًا، إلى إيصال رسالة مضمونها أنه لا أحد في مأمن بعد الآن، فالرسالة تهدف إلى نشر الخوف، واستهداف أماكن ظلت بعيدة عن التفجيرات في الماضي، مثل المدينة المنورة وجدة، سيثير قلق الحكومة السعودية.

إلى أي مدى يمكن الحديث عن الاستقرار في السعودية؟

التفجيرات الإرهابية تطارد السعودية منذ عام 2014، غير أنها اقتصرت حتى الأمس على المناطق الشرقية منها مستهدفةً الشيعة، أما الآن وبوصول التفجيرات إلى المدينة المنورة وجدة فهذا يشكل خطرا جديدا على المملكة، الحكومة تقوم بالكثير للحفاظ على الاستقرار، غير أن تنظيم "الدولة الإسلامية" أعلن الآن العداء للبيت الملكي السعودي، وفي هذه الأثناء أيضًا يقاتل أكثر من 2200 مواطن سعودي في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية". وبناء على ذلك فإن من المحتمل أن يشهد المستقبل القريب هجمات جديدة.

ما هي الخطورة التي يشكلها الإرهاب على السعودية؟

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وقعت السعودية في مرمى نيران القاعدة، وبالتحديد بين الأعوام 2003 و2006، آنذاك انحدر 15 شخصا من منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وكانت ردة فعل الحكومة أنها قامت بتدابير شاملة لمكافحة الإرهاب تجلت في اعتقال المشتبه فيهم كإرهابيين، وحظر المؤسسات الوقفية المثيرة للجدل، وتجميد القنوات المالية لدعم الإرهاب التي تثار حولها الشكوك، وتحاول الحكومة القيام بنفس الشيء حاليا، غير أن التنافس السعودي-الإيراني يأخذ الحيز الأكبر في السياسة السعودية، يضاف إلى ما ذكر المشكلات الاقتصادية مثل ارتفاع معدل البطالة بين الشباب وانخفاض أسعار النفط، مما يؤدي إلى إحباط السعوديين، وقد يؤدي ذلك إلى التطرف، تنظيم "الدولة الإسلامية" يستفيد من ذلك من خلال قيامه بتجنيد المزيد من المقاتلين السعوديين.

هل تدعم السعودية الجهاديين بشكل غير مباشر؟

من المستبعد جدًا أن تقوم السعودية بدعم المجموعات الجهادية بشكل مباشر، بيد أنه ليس من المستبعد أن يكون هناك فاعلون جهاديون يتلقون الدعم المستمر من مؤسسات وقفية دينية سعودية ومن رجال أعمال أثرياء من الكويت، في هذه النقطة، يتعين على البيت الملكي السعودي تشديد الرقابة بشكل أفضل، ولكن لا بد هنا من عدم إنكار تأثير الوهابية في ذلك، أي الشرح السعودي للإسلام، حيث إنها تحرض على الكراهية للشيعة، في هذه النقطة لا خلاف هناك بين الوهابية وتنظيم "الدولة الإسلامية".

كيف يتعين على الغرب التصرف؟

يتعين على الغرب أن يحث السعودية وإيران على نزع فتيل نزاعهما الإقليمي والعمل على إيجاد حل دبلوماسي لهذا النزاع، تنظيم "الدولة الإسلامية" يستفيد من هذه المنافسة بين السعودية وإيران، والتي احتدمت في الشهور الأخيرة. ويتعين على السعودية الالتزام بمحاربة الإرهاب بشكل أكبر، لا يمكن أن تنجح مكافحة الإرهاب إلا بعد اتخاذ تدابير لا تقتصر فقط على السياسة الأمنية، بل تشمل أيضًا محاربة التفكير المتطرف غير المتسامح، يجب على الغرب مرارًا وتكرارًا التنبيه إلى هذه المسألة ودعم التعاون الملموس، ولكن يجب على الغرب التوقف عن بيع السلاح للسعودية.

ما هي رمزية الأماكن الثلاثة التي ضربتها التفجيرات:

-القنصلية الأمريكية في جدة؟

استهداف تفجير مؤسسة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية لم يكن بالصدفة، فالولايات المتحدة الأمريكية أهم حليف غربي للسعوديين، ويعتبر العديد من الجهاديين أن هذا التحالف يرمز لانحطاط وفساد نمط حياة العائلة الملكية في السعودية، حيث يُنظر إليها بعداء على اعتبار أنها عميلة للغرب، وينظر إلى الولايات المتحدة كدولة قائدة "للغرب الكافر"، حيث يلزم العمل على محاربتها.

-المناطق الشيعية في القطيف شرق السعودية؟

من جديد كان الشيعة في شرق المملكة، ضحايا للهجمات الإرهابية، الجهاديون السنة يرفضون الشيعة ويعتبرونهم كفارا، كما ترفض الوهابية السعودية الشيعة بشكل صارم، وبنفس الوقت يتهم البيت الملكي السعودي –مخطئًا- الشيعة بالوقوف إلى جانب إيران وبأنهم يريدون نشر الفوضى في السعودية.

-الأماكن المقدسة في المدينة المنورة؟

يريد الجهاديون البرهنة على أنهم لن يَتَوَرّعوا في القيام بأي فعل ما، البيت الملكي السعودي يصف نفسه "بخادم الحرمين الشريفين" في مكة والمدينة المنورة ويرى نفسه كقوة قائدة للعالم الإسلامي، الهجمات تهدف إلى إظهار العائلة المالكة بأنها لا تستحق لقب "حامي الحرمين الشريفين" كما ليس بمقدورها حماية زوار الأماكن المقدسة. ومن ناحية الهيبة، يعتبر الهجوم على المدينة المنورة في نهاية شهر رمضان نجاحًا كبيرًا للجهاديين، غير أن الهجوم لن يجلب للجهاديين تعاطف الأغلبية الساحقة من المسلمين.

وكيف تفسر كل ما سبق وتربطه مع بعضه البعض؟

وصلت التفجيرات إلى مرحلة جديدة، إذا لم تعد تقتصر على المناطق الشرقية من المملكة، ولكن أيضا ضربت المركز التجاري جدة، والأماكن المقدسة، وهدف الجهاديين من وراء ذلك واضح وهو: ليس بوسع البيت الملكي السعودي حماية الحجاج المسلمين وسكان المملكة أيضا، مما يؤدي إلى تقويض شريعة البيت الملكي السعودي.


سيبستيان زونس: باحث ألماني في "الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية" في برلين، تتركز أبحاثه على وجه الخصوص، على السعودية، ومنها التطور الاجتماعي والسياسة الخارجية للمملكة، وكذلك يتناول قضايا العمالة المهاجرة من جنوب شرق آسيا إلى الدول الخليجية والجهادية الإسلاموية، درس زونس العلوم الإسلامية والتاريخ الحديث والعلوم السياسية في ألمانيا، وتعلم اللغة العربية في دمشق.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية