رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا نزلت قصة سيدنا يوسف كاملة على الرسول؟

سورة يوسف
سورة يوسف
سورة يوسف مكيّة، وعدد آياتها مئة وإحدى عشرة آيةً، وفيها عرضٌ للوقائع والعجائب التي مرّ بها سيّدنا يوسف، مثل: تعبير الرّؤيا، وحسَد الأخوة، ومحاولتهم التّفريق بين سيّدنا يوسف وأبيه، وفيها أيضاً، تفصيلٌ لصبر يعقوب عليهِ السّلام، وعرضُ رغبةِ زوجةِ العزيز زليخة بسيّدنا يوسف، وحيرة النّساء بحُسن جمال يوسف عليهِ السّلام، كما ذكرت تسلُّمَ يوسفَ لخزائن مصرَ، وقدوم إخوته إليهِ، ورجوعهم بالبشارة إلى أبيهم يعقوب عليهِ السلّام بلقاء أخيهم يوسف عليهِ السلام.


سبب نزول قصة يوسف كاملة
كان نزول سورة يوسف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عوامل التثبيت، والمواساة، وتخفيف الآلام والأحزان في مرحلة الشِدَّة والوحشة، وفقد النصير بوفاة عمه أبو طالب وزوجته خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- في مكة، وفي السورة الكريمة إشارةٌ إلى أن الفرج آتٍ لا محالة مهما اشتدّت المصاعب، وتكالب أهل الباطل، وذلك من خلال استعراض ما مرَّ به يوسف -عليه السلام- من شدائد وفتنٍ ومصائب ابتداءً من قصته مع إخوته، وإلقائه في البئر، ثم انتقاله إلى بيت العزيز، وتعلّق امرأة العزيز به ومراودته عن نفسه، مروراً بدخوله السجن، وصبره على كل ما أصابه في سبيل الله، وتَحمُّل أعباء الدعوة إلى الله تعالى، وبعدها انقلاب الحال وخروجه من السجن عزيزاً كريماً، وتولّيه مُلكَ مصر.

وفي السورة الكريمة رسالةٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضي الله عنهم- مفادها أن الصبر طريق التمكين، وأن الله -تعالى- ينصر أولياءه وعباده الصالحين، مصداقاً لقوله تعالى: (وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيوسُفَ فِي الأَرضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأويلِ الأَحاديثِ وَاللَّـهُ غالِبٌ عَلى أَمرِهِ وَلـكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ).

مناسبة السورة بالسورة التي قبلها
تجدر الإشارة إلى المناسبة بين سورة يوسف وما نزل قبلها؛ وهي سورة هود، حيث نزلت مكمّلةً لما جاء في سورة هودٍ من أخبار الأنبياء عليهم السلام، للبرهان على صدق نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن الكريم وحيٌ من الله تعالى، مع وجود خلافٍ بسيطٍ بين السورتين؛ فقد تحدّثت سورة هودٍ عن قصص الأنبياء -عليهم السلام- من حيث دعوتهم لأقوامهم، وتكذيب الكفار لهم، وعاقبة المؤمنين والمكذّبين؛ لتكون عبرةً لقريشٍ ومن كذّب من العرب، أما سورة يوسف -عليه السلام- فقد ذكرت قصة يوسف -عليه السلام- بأدقّ التفاصيل، وكيف أنّه أُخرِج من بيت أبيه، وتربّى بعيدًا عن أهله في صغره، وكيف بلغ أشدّه، وأصبح نبياً يدعو إلى دين الله، ثم تولّى المُلك، وأحسن الإدارة والسياسة، وكان خير قدوةٍ للناس، فكانت أطول قصةٍ في القرآن الكريم.

مناسبة السورة بالسورة التي بعدها
ترتبط سورة يوسف بما جاء بعدها؛ وهي سورة الرعد، ارتباطًا جليّاً، حيث إن الهدف من ذكر قصص الأنبياء -عليهم السلام- ودعوتهم لأقوامهم في القرآن الكريم هو التأثير في الناس وهدايتهم، وكذلك ذِكر آيات الله -تعالى- في الكون والحثّ على التفكّر والتدبّر في خلق الله تعالى، كما ورد في سورة الرعد، فهي تهدف إلى التأثير في الناس وهدايتهم أيضاً، وقد كان من أوائل الآيات في سورة الرعد، قوله تعالى: (اللَّـهُ الَّذي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَونَها ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ وَسَخَّرَ الشَّمسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ يَجري لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُم بِلِقاءِ رَبِّكُم توقِنونَ).

سبب نزول سورة يوسف
ورد في بيان سبب نزول سورة يوسف عددٌ من الأقوال: القول الأول: يرى بعض أهل العلم أن سورة يوسف -عليه السلام- نزلت ابتدائيةً من غير سبب، لا سيّما أن أغلب الروايات التي استدلّ بها المفسِّرون في بيان أسباب النزول لا تصح، والذي دفعهم للاعتقاد بأن للسورة سبب نزولٍ مُعيَّن ما ورد في سياقها من الإشارة إلى أن هناك سائلين تُجيبهم هذه السورة، كما جاء في قوله تعالى: (لَقَد كانَ في يوسُفَ وَإِخوَتِهِ آياتٌ لِلسّائِلينَ)، على الرغم من أن ورود هذه الآية الكريمة لا يُفيد أن السورة نزلت لسببٍ معيَّن، وقد يُحمل على أنه قد جاء فيها عبرةً للسائلين عن أحوال الأمم السابقة، والمتدبّرين في الكون.

القول الثاني: إن جماعةً من اليهود أرسلوا إلى كفار قريشٍ يطلبون منهم اختبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يسألوه عن نبيٍ خرج من بلاد الشام إلى أرض مصر وعن تفاصيل قصّته، فلما سأله مشركوا مكة أنزل الله -تعالى- سورة يوسف، وجاء فيها قصة يوسف -عليه السلام- كاملةً وبالتفصيل، على الرغم من ورود العديد من قصص الأنبياء -عليهم السلام- مجزّأة في سورٍ مختلفة، وقد بيّن الإمام القرطبي -رحمه الله- أن في ذلك حُجّةً ودليلاً على أن الله -تعالى- تحدّاهم بأن يأتوا بمثل هذا القرآن مفرّقاً أو مجتمعاً، فعجزوا عن الإتيان بمثله في الحالتين.

القول الثالث: ذكر بعض المُفسِّرين أن اليهود سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن رجلٍ كان في الشام فارقه ولده فبكى عليه حتى عُمي، وسألوه عن خبره ومن يكون؛ فنزلت السورة، وفي روايةٍ أخرى أن اليهود سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أسماء الكواكب التي وردت في سورة يوسف.

القول الرابع: إن سبب نزول السورة الكريمة أن الصحابة -رضي الله عنهم- سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقُصّ عليهم القَصص بعدما نزل عليهم الكثير من القرآن الكريم، فأنزل الله -تعالى- قوله: (نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ بِما أَوحَينا إِلَيكَ هـذَا القُرآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبلِهِ لَمِنَ الغافِلين)، مصداقاً لما رُوي عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه قال: (أُنزل القرآنُ على رسولِ اللهِ، فتلا عليهم زماناً، فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو قصصتَ علينا؛ فأنزل اللهُ تبارك وتعالى: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إلى قولِه: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ؛ فتلا عليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم زماناً، فقالوا: يا رسولَ اللهِ! لو حدَّثْتَنا؛ فأنزل اللهُ: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً... الآية، كلُّ ذلك يُؤمَرُونَ بالقرآن).
الجريدة الرسمية