رئيس التحرير
عصام كامل

وزيرة الصحة تحارب طواحين الهواء

قبل قرابة أسبوع انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات تدعي وفاة عدد من مصابي كورونا في مستشفي الحسينية بالشرقية ومستشفى زفتي بالغربية نتيجة نقص الأكسجين.. لاقى فيديو مستشفى الحسينية بالأخص انتشارًا واسعًا مع رصده لمشاهد الوفيات بالإضافة للقطة أظهرت ممرضة شابة أعياها الإرهاق والخوف لتنزوي في أحد أركان  العناية المركزة مصدومة..


بعد انتشار الفيديو بساعات تلقت المواقع الاجتماعية خبر إحالة مدير مستشفى الحامول في كفر الشيخ للتحقيق على خلفية نشره استغاثة على حسابه بموقع فيسبوك طالب خلاله الأهالي بالمساعدة في توفير أسطوانات الأكسجين لإنقاذ المرضى في المستشفى.. وكأن هذه الأحداث المتتالية قد أخبرت الجميع بأن هناك أمرا لا يمكن الاكتفاء أمامه بقراءة البيانات الرسمية التي تؤكد بأن الأمور على ما يرام حاملة معها كلمات النفي والشجب والإدانة والمطالبة بتحري الدقة وغيرها من الصيغ المعتادة.

هؤلاء يُضحكون "كورونا"

بعدها فاجأت وزارة الصحة الجميع بأنها بدلًا من تركيز اهتمامها على كشف الحقائق لدحض أي شائعات أو أخبار كاذبة فقد قررت الوزيرة منع التصوير داخل المستشفيات وعدم السماح بوجود هواتف نهائيًا داخل العناية المركزة مع السماح لبقية المرضى بحيازة هواتف بدون كاميرات..

وهو القرار الذي يمكن تفسيره ببساطة بوجود النية لمنع تصوير ورصد أي أخطاء مستقبلية قد يكتشفها المرضى والزوار ويرغبون في الإعلان عنها عبر المواقع الاجتماعية.

قرار وزارة الصحة بمنع التصوير أعادني أكثر من عقد كامل للوراء حينما انتشرت أنباء تعذيب المواطنين في أقسام الشرطة بعهد الرئيس الأسبق حسني مبارك مع نشر مقاطع مصورة ترصد هذه الجرائم عبر المدونات والمنتديات، قبل عصر المواقع الاجتماعية، فما كان من وزارة الداخلية وقتها إلا اتخاذ قرار بمنع التصوير داخل الأقسام مع إبقاء التعذيب مستمرًا!

لم تعد مواقع لدردشة الأصدقاء

مواجهة السلبيات بالمنع والتعتيم يكشف عقلية بعض المسؤولين في التعامل مع المواقع الاجتماعية حيث لا يدركون كونها فرصة للتواصل وتدفق المعلومات وبناء الصورة الذهنية للمؤسسات وتوضيح حجم الجهود العظيمة التي تبذلها الدولة في ملفات صعبة منها الملف الصحي إنما كشف قرار وزارة الصحة عن نظرات الشك والريبة تجاه هذه المواقع حيث بات بعض المسؤولين يتمنون إغلاقها بدلًا من استخدام البعض لها في الضغط والمطالبة بإستجلاء الحقائق وكأنها مجلس نواب موازي يحاسب ويراقب.

عند غياب المعلومات تزدهر الشائعات عبر المواقع الاجتماعية وتصبح الفرص سانحة لأعدائنا لبث المزيد من الأكاذيب واختلاق الوقائع والمتاجرة بأوجاع المصريين، لذا يصب قرار منع التصوير في زيادة وتيرة الشائعات وليس مواجهتها.

هذا القرار الهزلي من جانب وزارة الصحة -الذي بدأ بمنع التصوير وانتهي بالتهديد بالمساءلة القانونية للعاملين والزائرين إذا خالفوه- يجب إلغائه لأن المواقع الاجتماعية بمثابة أداة تمكين للمواطن تسمح له بالتعبير عن رأيه ونشر الأخطاء التي رصدها بالصورة والفيديو بغرض المساهمة في الإصلاح.

إذا نشر أحدهم تدوينة أو صورة أو فيديو تحدث خلالها عما يراه أمرًا سلبيًا في المنظومة الصحية فإن التعامل الأمثل هو التحقيق مع هذا المحتوى الذي قد يثبت صحته فتصبح المواقع الاجتماعية عندها قد ساهمت في الرقابة بغرض إصلاح الأخطاء وضمان عدم تكرارها أو قد تكشف التحقيقات عن كذب ما نُشر وعندها يصبح من واجب الجهات المسؤولة محاسبة ناشر هذا المحتوى، وفق القوانين التي تواجه نشر الأخبار الكاذبة، ولكن قرار منع التصوير داخل المستشفيات يشير إلى أن وزارة الصحة تعاند المنطق فبدلًا من المزيد من الشفافية والمعلومات لمواجهة الشائعات نجدها تصر على محاربة طواحين الهواء ظنًا منها إنها قادرة على منع أكثر من أربعين مليون مصري يمكنهم استخدام المواقع الاجتماعية كوسيلة لنقل الأحداث التي يشعرون بأنها تنتقص من كرامتهم أو حقوقهم أو تسئ إليهم.

الجريدة الرسمية