رئيس التحرير
عصام كامل

هل يُنقذ رئيس الوزراء هيئة الأوقاف المصرية

عمل يتغلب فيه الهزل على الجد، ذلك هو تعريف المهزلة، واليوم تتدافع لواقعنا كلمات منسوبة للأديب العالمي وليم شكسبير "شكرًا لوجهي المبتسم رغم مهزلة الحياة"، ولكن مهزلة اليوم عابرةٌ للقارات، مُضادةٌ للمنطق والقانون، من شأنها أن تجعل الحليمَ حيرانًا، وتضع منظومة العمل الحكومي موضِع السخرية، وتهتف برئيس الوزراء أن يتحرك فورًا لإنهاء ذلك العبث، فنحن نعيش في أرجاء دولة محترمة، كانت دولة حين كان العالم مجموعة من القبائل.

 
نتعجب حينما نشاهد القائم بعمل مدير عام هيئة الأوقاف المصرية وهو يصدر لنفسه القرار رقم (٨) لسنة 2021، بتكليف شخصه بالقيام بأعمال رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية حال كونه هو فى الأصل قائم بعمل مدير عام هيئة الأوقاف المصرية. 

والحقيقة أن المدير العام المذكور معين على درجة مدير عام، وذلك بعد خلو المنصب بإحالة القائم بعمل رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية سيد سعد محروس للمعاش، وتعيينه مستشارًا اقتصاديًا لوزير الأوقاف وتواجده داخل مقر هيئة الأوقاف المصرية بصفة دائمة ليديرها من الباطن، وكأنه لم يُحَّل إلى التقاعد، في التفاف مقصود على القانون، ومخالفة صريحة لتوجيهات السيد رئيس الحمهورية بشان ترشيد النفقات، والحزم الاداري

الجمع بين عملين

ولكن الغريب في الأمر هو أن المنوط به التعيين أو التكليف للمنصب طبقًا لأحكام قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية هى السلطة المختصة ممثلة فى وزير الأوقاف بصفته، نظرا لخلو منصب رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية، وكان يتعين أن يصدر قرار التكليف بالقيام بأعمال رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية للمهندس علاء عبد العزيز بموجب قرار يصدر من وزير الأوقاف بإعتباره السلطة المختصة، مع تكليف قائم بعمل أخر كمدير عام للهيئة.

إذ أنه لا يجوز أن يجمع موظف بين عملين فى وقت واحد طبقا لاحكام القانون، أم أنه فريدٌ من نوعه، وما يكشف عن عُمق المهزلة هو عدم قيام وزير الأوقاف بتصحيح الوضع حتى الآن، وإغفال إصدار قرارات بتكليف من يقوم بمهام رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية، وأخر يقوم بمهام مدير عام هيئة الأوقاف المصرية.

وعلى ذكر المهزلة، فمن نافلة القول الاستشهاد بالفنان الراحل سعيد صالح في مشهده المسرحي المشهور الذي ذهب فيه الى المدرسة يوم الاجازة ووقف منفردًا في الطابور، ثم عاقب نفسه بوصفه مدرس أو ناظر المدرسة، وأصدر قرارًا بفصل نفسه من العمل، وكنا نضحك ملء أفواهنا، ظنًا منا أن هذه هي قمة الهزلية.
 
ولِمن لا يعرف، فإن «هيئة الأوقاف المصرية» أُنشِئت لإدارة أموال وعقارات وأراضى الوقف الخيري، وتدير الهيئة أصولا في صورة أسهم في بعض البنوك، ويُقدر حجم ما تديره بالمليارات، والتي صارت رهن اشارة مدير عام، ولم يتسع وقت وزير الأوقاف لاتخاذ الاجراءات القانونية لتعيين وكيل أول وزارة كُفء، بدلًا من الالتفات الذي ينم عن تَعمُد هذا الوضع المرفوض.

خلل إداري
ويبقى المدير العام الحالي مسئؤلًا عن ادارة هيئة تختص بإدارة واستثمار أموال الأوقاف لتنميتها وتتولى نيابة عن وزير الأوقاف بصفته ناظرًا على الأوقاف الخيرية إدارة هذه الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها على أسس اقتصادية بقصد تنمية أموال الأوقاف باعتبارها أموالاً خاصة، وحين يُخطيء المدير العام أو يُخِل بواجباته فإن معه دليل براءته، وهو أنه غير مؤهل لتلك الوظيفة، لأن الترشيح لشغلها يتطلب خبرات ومواصفات خاصة لا تتحقق الا بالإعلان عن الوظيفة بشفافية تسمح باختيار أفضل العناصر وفقًا للقانون. 

ومن مهزلة وضع هيئة تُدير مليارات أوقاف المصريين بوصفها أموالًا خاصة تحت يد مدير عام التي لم تتوقف المهزلة عند هذا الحد، بل وصلت إلى أن أصدر علاء عبد العزيز مبروك «الموظف بالمستوى الوظيفي كبير مهندسين»  قراره الحكيم  بتكليف نفسه بتسيير أعمال رئيس مجلس ادارة هيئة الاوقاف المصرية، بجانب عمله المكلف به كوكيل وزارة، وكأن الوظيفتين المسندتين إليه هما كاتب سجلات ومسئول دفتر حضور وانصراف، وذلك لحين إنهاء إجراءات شغل الوظيفة أو لمدة عام. 
 
وفي غيبة من وزير الأوقاف، ولأن المدير العام الذي كلف نفسه بنفسه مشغول بأعباء الوظيفة الجسِام فقد أصدر القرار في ٨ فبراير 2021، على أن يُعمل به اعتبارًا من 6 فبراير 2021، أي أنه لم يجد وقتًا لإصدار القرار قبل تاريخ بدء العمل به! 

وحدثنا التاريخ كيف تفككت أمم، وزالت حضارات بسبب تولي غير الأكفاء للمناصب القيادية، وأن ذلك كان الأسلوب الخفي لتحطيم الأوطان دون حرب، وهو ما يستحضر مفهوم حروب الجيل الرابع، والتي نواجهها بلا شك مع أعداء متربصين بالخارج، وخونة مندسين بالداخل، فكيف نسمح بمثل هذا الخلل الإداري الفج؟  

يبقى لنا أن نسأل عن جدوى قرار وزير الأوقاف رقم ١٣٢ لسنة ٢٠٢٠ بشأن عدم إبرام أو تجديد أي عقود تخص هيئة الأوقاف المصرية أو وزارة الأوقاف وجميع الجهات التابعة لها إلا بالقيمة التجارية الفعلية الحالية العادلة سواء كان العقد بيعا أو تأجيرًا أو حق انتفاع، ويخضع كل من يخالف ذلك للمساءلة القانونية بعد أن أُسند الأمر إلى غير أهله، فهل نتتظر تدخل رئيس الوزراء، أم ننتظر الساعة.. وللحديث بقية
الجريدة الرسمية