رئيس التحرير
عصام كامل

هل تُحِب رسول الله ﷺ؟ (2)

ما زِلنا نحتفل بذكرى مولد الرسول الكريم، وما زلنا نُنَادي بتحويل ذلك الحب إلى سُلُوكٍ عملي يُرضي الله ورسوله، ويُحقق المعاني السامية التي نزل بها الوحي على قلب رسولنا الكريم، ونُكمل ما بدأناه من لفت الأنظار لضرورة بسط رقابة الدولة على الأعمال الخيرية لتحقق الأهداف النبيلة التي يَتَطَلّع إليها المُتبرعون لتكون لهم رصيدًا يسبقهم إلى الجنة، ولينال الفقراء وذوي الحاجات الرعاية بقدرٍ من المساواة.


لقد بات تدخل الدولة بالرقابة الجادة اليوم ضروريًا وعاجلًا لوضع الأمور في نصابها، عليها أن تستشرف دور سيدنا يوسف عليه السلام فيما يُسمى اليوم بمفهوم «الدولة الحارسة» التي تضمن الحفاظ على الموارد وحسن توزيعها، ليتحقق السلام والتكافل الاجتماعي، وتسود روح المحبة بين أبناء الوطن. 

هل تُحِب رسول الله ﷺ؟ (1)
ولن يتحقق ذلك إلا بوضع أسسٍ ومعاييرٍ واضحة للعمل الخيري من حيث أسلوب الإدارة، وجودة الخدمات المُقدمة، وعدد العاملين بكل جمعية في ضوء ما تؤديه من خدمات، ووضع حد أقصى لرواتبهم، وحد أقصى للدعاية وفق ضوابط أخلاقية تسمو على المنافسة التجارية، فيما يمكن أن نُسميه «ميثاق شرف العمل الخيري» مع التاكد من القيمة الفعلية للإنشاءات الجديدة، والأجهزة وأعمال الصيانة وغيرها من مجالات الصرف.

ومن الملائم عند تدخل الدولة بالرقابة على أعمال الجمعيات الخيرية أن تضع معيارًا للمستحقين، ومبلغًا شهريًا مُوحدًا لكل مستحق، مع ربط كافة الجمعيات والمؤسسات ببرنامج ونظام موحد بشبكة الإنترنت مع الاستعانة بالرقم القومي، لمنع إزدواج الصرف للمستحقين، ولكفالة أكبر عدد ممكن منهم، حتى يمكن بسط رقابة الدولة. 

ويكون الترخيص لجمعيات أو مستشفيات جديدة في ضوء الاحتياج الفعلي الذي لمسته أجهزة الدولة والدراسات والأبحاث العلمية من حيث ـ تخصص المستشفى ـ دعم قطاع معين من المرضى ـ زيادة دور الأيتام ـ إنشاء مراكز تدريب للشباب ـ دعم تعليم الطلاب ـ محو الأمية ـ العمالة اليومية.

اللامركزية الكاذبة.. وإفساد التعليم
إن تَدَخل الدولة بالرقابة، وليس السيطرة على الجمعيات والمؤسسات الخيرية من شأنه إعادة الثقة، وتشجيع العمل التطوعي الذي كان أحد أسباب نشأة وقوة هذه الجمعيات، والقضاء على ظاهرة التسول، فقد أصبح الطريق ممهدًا لكل محتاج سواء للمأوى أو العلاج أو الطعام والشراب، ويمكن للدولة في ذلك الوقت تفعيل قانون تجريم التسول، ولا يتعاطف المواطن مع محترفي التسول والادعاءات الكاذبة.

كما تكفل تلك الرقابة سرعة مواجهة الأزمات والكوارث في ضوء وجود قاعدة بيانات بها حصر بالفقراء وكذلك المتطوعين بالعمل الخيري وقُدرات كل جمعية أو مؤسسة، مع حظر التبرع النقدي، وتوحيد التبرع بالحسابات البنكية.

ويضمن تدخل الدولة بالرقابة ألا تتحول الجمعيات والمؤسسات الخيرية لستار لشركة هادفة للربح، بغرض التهرب الضريبي، كما تضمن انتهاء ظاهرة الإعلانات المُبالغ فيها، والمتاجرة بأسماء شخصيات هامة لاستقطاب المتبرعين.

هل أساء المذيعان حق الشكوى.. وتجاوزا حدودها؟
وعلى الجانب الأمني فإن هذه الرقابة تضمن عدم توجيه جزء من الأموال لمصارف غير مشروعة، أو لأيدي الجماعات الإرهابية، ولعل قطع كافة الشكوك وتحقيق قدر عالٍ من الثقة يزيد تدفق الأموال، ويرفع عن كاهل الدولة المزيد من الأعباء، وهو ما يفوق ما ستبذله لبسط رقابتها.

وإذا أعرضت الدولة عن التدخل بالرقابة على النحو المطروح فستزيد الشكوك وتتقلص مفاهيم العطاء والتضحية وتنشأ الأجيال الجديدة على الأنانية وحب الذات، وهو نذيرُ شرٍ يُهدِد المجتمع بأسره، ويحول دون وصول الزكاة والصدقات لمستحقيها، وهو نرفضه حتي لا نصل في يوم إلي أن تصبح إعلانات الأندية والمدن السكنية والأجهزة المنزلية أكثر مصداقية من إعلانات الأعمال الخيرية، وحتى لا تغيب الرحمة عن مجتمعنا، وحتى يتحقق قول الله عز وجل ـ "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ".. وللحديث بقية.

الجريدة الرسمية