رئيس التحرير
عصام كامل

كل الطرق تؤدي إلى "غم " الشهر العقاري

أثارت تلك التعديلات التي أدخلت على قانون الشهر العقاري، وكيفية إثبات الملكية، الكثير من اللغط، فبينما يراها البعض صائبة وتثبت الملكية بطرق أكثر إيجابية، يراها البعض أنها ربما تكون مشكلة كبيرة، بل زعم بعضهم أنها قد تؤدي إلى انتزاع الدولة لملكية بعض العقارات التي لم تسجل في الشهر العقاري بعد التعديلات..


وبداية يجب أن نفهم تلك التعديلات في صورتها القانونية، وسأحاول في هذا المقال أن أشرح تلك التعديلات –كما فهمتها– رغم أني لست قانونيا، وبالتالي فقد يكون في تقديمي وشرح بعض الهنات ولكن أجد من واجبي أن أقدمها للقارئ البسيط، ففي سبتمبر الماضي أصدر رئيس الجمهورية، القانون رقم 186 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري، والذي حمل تعديلات مهمة سيبدأ تنفيذها من يوم السادس من مارس المقبل.
  
وتتلخص هذه التعديلات – وفق فهمي لها - في بعض من الأمور كلها يجمعها جامع واحد فقط وهو ضرورة الذهاب للشهر العقاري لإثبات أي ملكية وإلا لن تعترف الدولة بها بمعنى أن اي عقار لم يسجل في الشهر العقاري فلن يكون تحت مظلة الدولة ولن تقدم لها المرافق المختلفة مثل الكهرباء والصرف الصحي والغاز والمياه الخ..

كفاية جباية حرام (4)

ولو علمنا أن نسبة 10% فقط من عقارات مصر هي المسجلة بالشهر العقاري لتخيلنا حجم كارثة 90% من العقارات غير المسجلة والتي تصبح بعد السادس من مارس دون مظلة الدولة في اي شيء. ونجد أن طريق الشهر العقاري الإجباري، والذي كان اختياريا سابقا، يبدأ من سند الملكية، ولإثبات الملكية طريقان: أولهما أن يتم تحرير عقد ابتدائي بين البائع والمشتري ومن ثم ينبغي عليهما الذهاب للشهر العقاري لتسجيل ذلك العقد، وإلا لن يعتد به بعد السادس من مارس المقبل..

والطريقة الثانية لإثبات الملكية هي حكم نهائي من المحكمة بإثبات الملكية، وبعد ذلك ينبغي على من حصل على ذلك الحكم التوجه للشهر العقاري لإثبات الحكم وتسجيل الملكية وإلا لن يكون لذلك الحكم قيمة رغم أنه حكم نهائي من محكمة !

وعلى ذلك فمن إشترى عقارا أو أرضا أو أي شيء بعقد، وأخذ صحة توقيع على عقده فلا يعتد بصحة التوقيع وإنما ينبغي أن يحصل على حكم نهائي بالبيع، ثم تسجيل ذلك بالشهر العقاري، كما أن من ورث شيئا ومعه إعلام وراثة فلن يعتد بذلك الإعلام أو ملكية الشيء ما لم يسجل بالشهر العقاري بعد استصدار حكم نهائي بما ورثه الخ، وكل هذه الأمور بهدف واحد أساسي هو زيادة حصيلة الشهر العقاري بالطبع..

وهدف آخر هو حصر ممتلكات الشعب وتدوينها بما يفيد الضرائب ومنعا للتهرب الضريبي أو عدم معرفة حالة المواطن المالية؛ مما يسهل من عملية حذفه من الدعم الخ؛ لأن الشهر العقاري جهة حكومية ستتعاون مع باقي الجهات بالطبع.

وبصورة عامة لا أعترض على كل ذلك، فهذا من حق الدولة أن تمنع التهرب الضريبي، وأن تحذف غير المستحقين من الدعم، وأن تزيد من حصيلة الشهر العقاري، لكن ما يؤرقني بالفعل هو الصعوبات البالغة والتعنت والروتين الذي سيلاقيه المواطن البسيط عند محاولة التسجيل بالشهر العقاري، خاصة وأن هناك فئات كثيرة قد ورثت أملاكا دون أي سند، وفئات قد آلت إليها الملكية بوضع اليد، وفئات يتعنت البائع في الإقرار بالبيع، وفئات فقدت سند الملكية الخ، وهؤلاء بالملايين مما سيعرضهم حتما لمصاعب جمة جراء عدم تسجيل أملاكهم.

أسعار الفائدة وجريمة توظيف الأموال

وعن طريقة التسجيل بالشهر العقاري، فما فهمته أن يتقدم من يريد أن يسجل ملكيته بحكم نهائي يثبت الملكية ووقتها يجب على أمين المكتب إعطاء الطلب رقماً وقتياً لمدة شهر، فإذا لم يعترض أحد على ذلك التسجيل في مدة الشهر يتحول الرقم الوقتي إلى رقم نهائي، ويتم بذلك التسجيل، ويكون الاعتراض على صدور الرقم الوقتي أمام قاضي الأمور الوقتية خلال شهر من تاريخ نشره بإحدى الصحف اليومية واسعة الانتشار على نفقة صاحب الشأن، ويصدر القاضي قراره مسبباً بقبول الاعتراض وإلغاء الرقم أو برفض الاعتراض، وذلك خلال سبعة أيام من تاريخ رفع الاعتراض إليه مقرونا بالمستندات المؤيدة له، ويكون القرار الصادر في هذا الشأن نهائيا.

وطبعا هذا الأمر، أقصد النشر، في أحد الصحف اليومية واسعة الانتشار سيكلف المسجل أعباء مالية ضخمة، ويتبجح المسئولون بأن التسجيل لن يكون مكلفا؟ وبعد إصدار الرقم للعقار أو الشيء المسجل يتم التعامل مع كل المرافق من خلال هذا الرقم، وعلى شركات الكهرباء والمياه والغاز وغيرها من الشركات والجهات والوزارات والمصالح الحكومية عدم نقل المرافق والخدمات، أو اتخاذ أي إجراء من صاحب الشأن يتعلق بالعقار إلا بعد تقديم السند الذي يحمل رقم الشهر أو القيد.

وبموجب هذا التعديل التشريعي الجديد، سيتم منع توصيل ونقل المرافق العامة لأي عقار، كما أنه لن يسمح بنقل المرافق العامة من مياه وكهرباء وتليفونات وغاز وصرف صحي وتراخيص البناء والهدم سوى لـ10% فقط من عقارات مصر، وهي النسبة المسجلة رسميا في الشهر عقاري حتى الآن. وإذا لم يتم تسجيل الوحدة السكنية في الشهر العقاري يكون المواطن قد تنازل عن حقه القانوني، ولن يتم الاعتراف بالعقود التي حصلت على صحة توقيع ولكن الاعتراف بالعقود المسجلة في الشهر العقاري، وكل من لديه صحة توقيع لعقد الملكية بأن يتوجه للمحكمة لإثبات صحة العقود الابتدائية.
الجريدة الرسمية