رئيس التحرير
عصام كامل

أردوغان وعمر بن الخطاب

أخطأ كل من اندهش لقرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتحويل كنيسة القديسة القبطية آيا صوفيا إلى مسجد، بعد أن كانت قد شهدت عددا من التحولات من كنيسة إلى مسجد، ومن مسجد إلى متحف، ثم القرار الأخير من متحف إلى مسجد.

 

ومصدر تعجبي من هؤلاء السادة المندهشين هو القراءة المتأنية لمنهج الإخوان في التعامل مع مثل هذه الأمور، وكيف يبنون تصوراتهم في التعامل مع الدين كشكل في الأساس، حيث تغذي الجماعة جمهورها وتلعب على وتر العواطف والشكليات، دون الخوض في المنهج العميق للدين.

اقرأ ايضا:

قرار الحرب ومعركة التفاوض
القراءة العميقة تخرج الجماعة من دائرة التأثير، لذا ستلاحظ أن المنضوين تحت لوائها لم يكن من بينهم عبقري أو فذ في مجاله، قد يكون من بينهم ناجحون بالمفهوم العام، شاب يحصل على نتيجة مميزة بالثانوية العامة، أو ملتحق بالهندسة يحصل على المركز الأول، إلا أن كل ذلك لا يعبر إلا عن تمكن داء الحفظ بالسليقة وعدم التركيز على مناطق الإبداع.


الإبداع هو إعمال للعقل وإطلاق لحرية التفكير، أما الشكل فهو على غير ذلك، لذا فإن قرار أردوغان بتحويل كنيسة تاريخية إلى مسجد ليس إلا مداعبة عواطف تيارات محافظة أو متلاقية مع فكر الإخوان داخل المجتمع التركي، الذي يعج بتيارات فكرية كثيرة تقاوم هذا المنحى.


أردوغان لم يجد له رصيدا وسط العديد من التيارات الفكرية التي تعمل على الأرض، ومن هذا المنطلق فإنه يبحث عن أفقر التصورات الإخوانية للعزف على وتر الدين، كما حاولت جماعته في مصر أثناء حكم محمد مرسي، وكيف استقبلوه باعتباره الخليفة القادم لإنقاذ مصر والإسلام!!

اقرأ ايضا:

دولة ضد الاستقرار
رجب طيب أردوغان كسياسي ميكيافيلي يعرف أن الإسلام ليس مسجدا، وأن تحويل كنيسة إلى مسجد هو أمر جلل على المستوى الإنساني، إلا أنه على مستوى الشارع السطحي الذي يلعب معه سيكون له تأثير كبير، ويساهم بشكل كبير في وضعه داخل إطار الصورة التي أراد ترسيخها.

 

متفقا مع فكرة "طظ في مصر" التي أطلقها أحد مرشدي الإخوان في عهد مبارك، وهو يدرك أن القرار يعبر عن حالة تردٍ تشوه صورة الإسلام، ولا تضيف إليه، وهو ليس منشغلا بهذا الأمر إذ إن تلك الجماعة من أجل تحقيق أهدافها تخطط دوما لفكرة تشويه المؤسسات الدينية الرسمية إذا حكمها غيرهم للانفراد بالحديث عن الدين، لا دين إلا دينهم وهذا الدين لا مانع لديه من تحويل كنيسة تاريخية قديمة إلى مسجد، واعتبار هذا الأمر من بطولات الخليفة الجديد.


قد يقول قائل إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما دخل القدس منتصرا أصر على أن تبقى الكنيسة كنيسة، ولم يصل بها خشية أن يعتبرها التابعون سنة استنها أميرهم، إلا أن هذا القول لا يجد صداه لدى الرؤية المتطرفة لجماعة لا تدين بصحيح الدين وإنما تمتطيه لتحقيق أغراضها وأهدافها.

اقرأ ايضا:

لماذا جاءت تركيا إلى طرابلس؟
القرار المثير للدهشة لدى الكثيرين يكتسب أهمية كلما أثار الدهشة لأنه يصور الخليفة الجديد، باعتباره منتصرا لإسلامهم الذي هو ليس إسلامنا لذا كانت الجماعة وطوال تاريخها تسعى للنيل من المؤسسات الدينية الرسمية، حتى تصبح هي وحدها المتحدث باسم الله وما دونهم كفرة والعياذ بالله.


القرار التركي المتسق وأفكار الجماعة يحقق جملة من الأهداف ليس على مستوى العاطفة السطحية فقط، وإنما يتعدى ذلك لتصوير الأمير باعتباره الشجاع الذي يحول الكنائس إلى مساجد، ويسعى من أجل تكوين إمبراطورية إسلامية تمتد من شمالي سوريا والعراق إلى قلب ليبيا وما خفي كان أعظم.


السذج وحدهم من أتباع الجماعة الإرهابية التي تحرض على وطنها مصر من خلال قنوات تبث سمومها من قلب اسطنبول سيعزفون على نفس الوتر، وتر المؤامرة وانتصار الإسلام الإخواني لتحويل الكنائس إلى مساجد، وهذا يتسق وقول أحدهم في العام الأسود الذي حكموا فيه مصر بأن على المسيحيين أن يدفعوا الجزية!!

الجريدة الرسمية