رئيس التحرير
عصام كامل

الخطاب السرى


لم يعد خفى لأحد أن السبب وراء الهجوم الضارى على ثورة يناير، أن أركان النظام المخلوع استفاق مؤخرا من سباته العميق على جماهير غفيرة تملاء الميادين، وتحاصر المؤسسات الفاسدة، ورآها الجميع "ثورة" لكسر النظام وأجهزته القائمة على الاستبداد والاستغلال والطغيان واحتكار السلطة ومعها ثروات البلاد، في حين رأى النظام نفسه أنها "كارثة مدوية لا مفر منها" ولابد من تدارك الأمور سريعا، ولابد لتلك الموجة الثورية العنيفة أن تنكسر، وأن تدفن ذكراها تحت جبال الأكاذيب والأوهام.


وكانت البداية هي وهم الحيادية والحفاظ على أمن الوطن، وكان المقدمة في "الخطاب السرى"، وصدقناه، ربما لأننا كنا وقتها نريد أن نصدق، صدقنا أن المخلوع "مبارك" ترك منصبه بلا رجعة، رغم أنه سلم الراية لرجال نظامه، وخدعنا وفرحنا واحتفلنا، وصدقنا أن الجنرالات قد وقفوا في مقدمة صفوف الثورة، وكذبنا أعيوننا ونحن نرى الأرواح تزهق أسفل تروس الدبابات أمام ماسبيرو، توهمنا أنها أضغاث أحلام ونحن نرى الجثث تسحل من رءوسها وتلقى في سلال القمامة أمام مجلس الوزراء، وغضضنا الطرف عن "الباشا الجدع" الذي استطاع بمهارة عالية ودقة محكمة أن يخطف نور عين أحد الشباب في أزقة "محمد محمود"، واعتبرنا أن المسامح كريم عندما تبجح الخونة والقتلة مطالبين بتأبين من قتلوهم.

توهمنا أن المخلوع داخل قفص الاتهام أمام قضاء طبيعى، عادل وناجز، سيسعى جاهدا مستندا على شموخه ونزاهته لجمع الأدلة والبراهين التي تدين مجرمى النظام المخلوع الذي نهب وقتل وجوع وأمرض وأفقر، لكنها جميعا ليست أدلة دامغة كافية للإدانة، فاستند "لرجال الشرطة" رأس حربة النظام وشوكته، وذراعه الباطشة المذلة المحترفة في تلفيق التهم، لجمع تلك الأدلة التي تدينهم.

صدقنا وتوهمنا أن الصناديق ستأتى برئيس تعلم من أخطاء سابقه، لكنها لم تأت سوى بجماعة اعتمدت على الإقصاء والتخوين والقتل والإرهاب، إلى أن كان الانفجار الثانى الذي أطاح بتلك الجماعة من أعلى سدة الحكم وإعادتها مرة أخرى إلى غياهب السجون.

توهمنا وصدقنا أن وراء خلع رئيس ثان، بطلا حمل رأسه على كفه، ومعها هموم الوطن ومطالب الجماهير الساعية للحرية والكرامة، إلى أن رأينا البطل يسير ببراعة نحو كسر موجه يناير الثورية، ويعيد مصر إلى سابق عهدها، شرطة تبطش وتتجبر باسم الحرب على الإرهاب، وقضاء حيادى أحكامه تنزل بردا وسلاما على المخلوع ومجرمى نظامه، وحركات ثورية محظورة، وخطابات متناقضة تتحدث عن ثورتين ولا يتحقق من مطالبهما شىء، واتهامات بالتخوين بلا أدلة، ونخب سياسية وإعلامية تربت في بلاط أمن الدولة، وجماهير أصابها الإحباط، وشباب مغمورون مغامرون رغم الحصار إلا أنهم مستمرون في النضال.

الجريدة الرسمية