رئيس التحرير
عصام كامل

الصدمات


نعيش الحياة ما بين الأمل والرجاء .. الأمل فى تحقيق ما نصبوا إليه، والرجاء من الله فى التوفيق وتكليل الجهود بالنجاح .. فإذا صادف هذا الأمل حاجزًا كانت النتيجة صدمة، وهذه الصدمة ليست فى كل الأحوال من مسببات الفشل، بل فى كثير من الأحيان من مسببات النجاح، حيث لا يفيق الإنسان إلا عند مواجهة صدمة، وبعيدًا عن سلبياتها التى تؤثر على نفسيه الأفراد من حزن وألم وحيرة وندم، إلا أن إيجابياتها تكمن فى زيادة التعلم وتوسيع دائرة الخبرة بما يبدأ به مرحلة جديدة من مراحل الحياة، تختلف عن سابقتها بأنها أكثر دراية وعلمًا عن ذى قبل، فالغفلة السابقة لم تعد موجودة الآن، ودائرة الحياة التى كان يدور فى فلكها الإنسان لم تعد تناسبه الآن.

وهذا يسر الكثير من الندم على تصرفاتنا فى الماضى، فكثيرًا ما نندم على بعض التصرفات التى صدرت منا فى عمر قد مضى ولم تعد لها قيمة الآن، وندمنا عليها الآن، فلو كان فى الماضى الخير لاستمر معنا إلى اليوم ولكن تغير الزمن وتغيرنا نحن.
كلما زادت الحكمة كلما زادت تعاسة الإنسان، لأنه سيتعامل بهذه الحكمة وبحصيلة خبراته الواسعة التى تشبه العدسة المكبرة التى تقترب من الأشياء أكثر من اللازم، وتكتشف وتهتم بأدق التفاصيل وتريد أن تجعل لكل شىء معيارًا، وتخضع الأفعال والأقوال لموازين العقل، وهذا غير منطقى فى جميع الأحوال.
للصدمات فوائد جمة، ليس كما يعتقدها البعض بداية الانهيار، بل يجب تفسيرها على أنها بداية الازدهار وتحقيق قدر أعلى من الوعى والإدراك والاستعداد للمرحلة اللاحقة، والتى سيسخر فيها الفرد طاقاته السلبية وشعوره بالانهيار وانهزامه أمام الصدمة، إلى طاقة إيجابية يحقق بها نجاحات متوالية بعزيمة قوية، وليس الاستجابة لمشاعر اليأس والإحباط ودوامات الانهيار، وتناول أدوية الاكتئاب الذى يعانى منه الكثير من الناس.
عليا أن نتوقع الصدمات حتى لا نتفاجأ بها، وعلينا أن نوجد دائمًا سيناريوهات بديلة للطرق التى نسير فيها، لا أن ننطلق فى طريق واحد ليس له بديل، فإذا انقطع علينا فشلنا فى الوصول إلى أهدافنا، واختيار الطرق البديلة يتيح للإنسان قدرًا أكبر من الاطمئنان واحتمالاً أكبر للنجاح، ومع أن ذلك قد يستهلك قدرًا أكبر من الإمكانيات إلا أنه يوفر فرصًا أكبر للوصول بسلام إلى ما نصبوا إليه.
فلنبدأ جميعًا من حيث انتهى الآخرون فى خبراتهم، ولا نبدأ من حيث بدأوا حتى لا ننتهى إلى ما انتهوا إليه وضاعت علينا الحياهة.. علينا بالقراءة والعلم والإنصات الفعال لذوى الخبرة وكبار السن وأصحاب التجارب، وكيف تغلبوا على مشكلاتهم وكيف كانت المعوقات وما أسبابها وما هى النتائج التى وصلوا إليها آنذاك .. وكيف كانت نظرتهم التى ما حققوا فى زمانهم ومقارنتها بتقييمهم لها الآن .. فكل ما يدلى به الآخرون من معلومات ومعارف وخبرات، حصيلة سنين من الدموع والألم لا يقدر بمال، ولهذا يمكنك أن تستقى خبرة ستين عامًا من الإنجاز والعمل فى سنوات من استخلاص نتائج عمر إنسان مضى وترك عملاً يجنى منه الثمرة التى سينقطع كل ما قدم من عمل بعد موته، إلا من ثلاث كانت واحدة منها علم ينتفع به.
الجريدة الرسمية
عاجل