رئيس التحرير
عصام كامل

البلد الظالم حكامها

18 حجم الخط

لم يخطر ببال أحد أن النبتة الثورية الصالحة التي أطاحت بمبارك رغم تشبثه بالحكم لثلاثة عقود، ستأتى عليها رياح خبيثة لتضع مصر وأهلها بين إرهاب وإرهاب، فزوابع وأدخنة متصاعدة هنا، واغتيالات ورصاصات غادرة ودولارات منثورة هناك، وما بين هذا وذاك، انقسمت مصر إلى شيع، فريق يغلب عليه الجنون، وآخر يملؤه التفاؤل، وثالث دموعه لم تجف، وأطراف معلومة وخفية لم تقنع بنصيبها من ثورتين لم يزرعوا فيهما إلا الأشواك والخراب، والحزن فوق كل ذلك ظهير.


ما يحدث في مصر ربما حدث كثيرا، من ثلاثين عاما، ثلاثمائة عام، ثلاثة آلاف عام، طبقة حاكمة لن تسعى إلا لمصلحتها وضمان بقائها بالقمع والإرهاب وتكبيل الحريات والهيمنة والسيطرة على كل مفاصل الدولة وسحق الآخر.

ما يحدث في مصر حدث كثيرا، حرب بين كهنة المعبد وسلاحهم الدين، وتجار السلاح والمال وسلاحهم السلطة، الأول يشن حربه المقدسة لنصرة شرع الله للحفاظ على شرعية من استخلفه على الأرض حاكما، مستغلا في ذلك رجالات ختم الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فهم لا يفقهون، معتقدين أن طريقهم إلى الجنة لن يكون إلا بالتقرب إلى الله زلفى بسفك الدماء الطاهرة والنفوس الآمنة، وعبادة العباد من بنى جماعتهم، والثانى يشن حربه للحفاظ على الاستقرار وأمن وأمان البلاد والعباد، مستغلين في ذلك رجالات طمس الله على عقولهم وسمعهم وأبصارهم فأصبحوا كارهين للصالحين، معتقدين أن هناك مؤامرات كونية للقضاء على تماسك عقدهم المنفرط.

ما يحدث في مصر حدث كثيرا، ضدان اختلفا طويلا واتفقا قليلا، واختلفا حول أحقية كلاهما في السلطة، والسيطرة على مقدرات البلاد، واستغلال وقهر العباد، واتفقا على وأد أي أصوات تنادى بالكرامة والحرية، اختلفا لمن تكون الغلبة، واتفقا على استغلال الشرطة لأقصى درجات القمع والإرهاب، وتبرير القتل والتنكيل والسحل والتعذيب والمتاجرة بدماء الشهداء.

ما يحدث في مصر حدث كثيرا، رجال جعل منهم أنصارهم تابوهات مقدسة يحظر انتقادها، وصراع للوصول للقصر محفوف بالدماء، وأخلاق وصلت بفضل منابر إعلامية للحضيض، وحناجر لا تعرف إلا الهتاف، وشباب يزفون إلى قبورهم فرحين.

بالأمس القريب استشهد "الحسينى أبو ضيف" وقبله وبعده كانت القائمة مفتوحة حتى احتلت "ميادة أشرف" ذيلها، ومعها ذاع صيتها كما ذيع صيت من قبلها، رغم أن أحلامهم في الحياة لم تعدو أكثر من عيش كريم، ولكن أي عيش وأى كرامة كتلك التي تنعمون بها الآن، فهنيئًا لكم.

ربما كنت أنا في يوم قريب أحد أعضاء تلك القائمة، "فكل آت هو قريب" ولا أدرى أحزن الآن أم أفرح، أحزن على موت غادر أعلم أن القصاص فيه غائب ربما لآخر الدهر، أم أفرح لأنى سأجد مئات الشباب "المدعى المضلل الكذاب" يصفوننى بأشجع الرجال، وأحسنهم خلقا، وأنظفهم يدا، وبأنهم على دربى يسيرون، وبحكمتى يهتدون، وبأننى الأوحد الذي لم يغره ذهب المعز، ولم يخش يوما بطش سيفه، وأنى في ثوريتى ونضالى قد خرقت الأرض، وربما لو مد الله في عمرى يومين لبلغت الجبال طولا.

الجريدة الرسمية