رئيس التحرير
عصام كامل

"مانديلا" يؤكد أن المستقبل يبدأ بالمصالحة.. فهل تنجح تجربة جنوب أفريقيا فى مصر؟

 نيلسون مانديلا
نيلسون مانديلا

يعد نيلسون مانديلا واحدًا من أكثر الشخصيات التى حظيت بالاحترام والتقدير على مستوى العالم‏؛ لأنه استطاع أن يقود بلاده نحو التحول لدولة ديمقراطية متعددة الأعراق، وفى سبيل إنجاح هذا التحول دفع بكل جهده نحو عملية مصالحة تعد نموذجًا يحتذى به عند الحديث عن تجارب التحول الديمقراطى، الأمر الذى أسهم بعد ذلك فى جعل بلاده تتربع على عرش القارة اقتصاديًّا طبقًا للتقديرات الدولية.


انضم "مانديلا" إلى المؤتمر الوطنى الأفريقى المناهض للفصل العنصرى عام 1944، ليؤسس بعد ذلك رابطة الشباب داخل الحزب، وفى عام 1956 تم اتهامه بالخيانة العظمى، وأسقطت كل التهم بعد أربع سنوات من المحاكمة، وعمل مانديلا سريًّا عام 1960 بعد حظر نشاط الحزب، وشهد نفس العام تزايدًا للاضطرابات بسبب نظام الفصل العنصرى والتى وصلت لذروتها عندما لقى 69 مواطنًا من السود مصرعهم برصاص رجال الشرطة، وقتها اعتبر مانديلا هذا الحادث نهاية للمقاومة السلمية، وقرر لكونه نائبًا لرئيس الحزب بدء حملة عنف لتحقيق أهدافهم، وألقى القبض عليه وحوكم بتهمة التخريب ومحاولة الانقلاب على الحكومة.

واستغل مانديلا مرافعته لتوضيح أفكاره حول الديمقراطية والحرية والمساواة، وتم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، ليظل بمحبسه 18 عامًا، وخلال فترة سجنه استكمل الشباب كفاحهم لمناهضة الفصل العنصرى.

وفى عام 1980 قام "أوليفر تامبو" من منفاه بحملة دولية للإفراج عن مانديلا، استطاع بعدها أن يحصل على دعم دولى نتج عنه تشديد العقوبات على جنوب أفريقيا، حتى أفرج عنه عام 1990، وقد حصل على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع "دى كليرك" عام 1993.

وخلال فترة رئاسته واجه مانديلا أزمة طاحنة عندما تولى الرئاسة عام 1994، واشتد عليه الضغط الشعبى ليحاسب كل من ظلم واستبد وارتكب جرائم ضد المواطنين السود الأبرياء، لكنه استطاع عبور الأزمة وحسم الأمر تمامًا عن طريق تكوين ما سمى بلجنة الحقيقة والمصالحة، وتقوم فكرتها على اعتراف رجال السلطة بجرائمهم مقابل طلب العفو عنهم، ووضع مانديلا مواطنيه أمام خيارين، إما التعلق بالماضى أو النظر للمستقبل.

وقد فضل مانديلا المصارحة والمصالحة على المحاكمات والمصادرات والمصادمات الدامية، وتتكون اللجنة من هيئة لاستعادة العدالة، وبموجبها فإن الشهود الذين كانوا ضحايا لانتهاكات سافرة لحقوق الإنسان تمت دعوتهم للإدلاء بشهادتهم، واختير بعضهم لجلسات عامة، وفى نفس الوقت فإن مرتكبى أعمال العنف كان بإمكانهم طلب العفو من الملاحقة الجنائية والمدنية، وكان أيضا من سلطات اللجنة منح هذا العفو، وكذلك منح التعويضات للضحايا وورثتهم، وبدلا من تقديم مرتكبى هذه الانتهاكات للمحاكم اعتمدت اللجنة جلبهم للاعتراف بأخطائهم وطلب الصفح من الضحايا، حيث حقق عمل اللجنة نجاحًا واسعًا.

كثر الحديث عقب أحداث ثورة 25 يناير حول تبنى نموذج جنوب أفريقيا فى المصالحة، كنموذج يصلح تطبيقه فى مصر لينهى حالة الاحتقان الشديدة التى كانت تسود الشارع فى ذلك الوقت، ولكن لم تكن لدى بعض الذين طرحوا النموذج دراية كافية بما حدث فى المصالحة التى تمت فى جنوب أفريقيا، وما انتهت إليه.

وعادت مرة أخرى تطل الفكرة من جديد عقب أحداث محمد محمود وأحداث مجلس الوزراء بعد سقوط المزيد من القتلى والمصابين، وفى هذه المرة تبنت الصحف هذا النموذج، وأرسلت صحفييها لجنوب أفريقيا لجمع معلومات كافية حول التجربة، لكن باءت الفكرة بالفشل؛ لأنه لا يوجد أحد يتطرق لمناقشة هذا النموذج، وهل يصلح تطبيقه فى مصر أم لا، ما دفع مانديلا إلى توجيه رسالة إلى ثوار مصر وتونس يطالبهم فيها باتباع نهج بلاده فيما يخص المصالحة، قائلا: إنهم لو كانوا تفرغوا للماضى لما كانت قصة جنوب أفريقيا واحدة من أروع قصص النجاح الإنسانى.




الجريدة الرسمية