نجاد ومرسى وتركة صدّام الرديئة
خسر صدّام حسين حروبه جميعاً، ولو أنّ إيران شاركته الهزيمة فى إحداها. لكنّه مع هذا، كسب حرباً واحدة ربّما كانت أهمّ الحروب التى خاضها، وهى تلويث الفضاء العامّ فى المنطقة. فهو استحضر «الفرس» و»الصفويّين» و»المجوس»، فلاقته من جهات أخرى ثورة دينيّة ومذهبيّة فى إيران، وجهاد دينيّ ومذهبيّ فى أفغانستان. هكذا بدأ يتشكّل منذ أواخر السبعينيات، العالم الذى استدعى من وراء الدول، الأمم ومن قَبلها. ولم يفعل ثلث القرن المنقضى مذّاك سوى تكريس هذه اللغة وتعميمها.
والتلوّث هذا هو ما ساهمت فيه بكثير من النشاط، البيئتان السياسيّتان اللتان خرج منهما الرئيسان الحاليّان لإيران ومصر، محمود أحمدى نجاد ومحمّد مرسى. فإذا ما حاولا اليوم التقارب على ما قدّرت تحليلات وتعليقات على هامش الزيارة النجاديّة للقاهرة بمناسبة قمّة منظّمة التعاون الإسلاميّ، فإنّ صنيع يديهما سيكون العائق الأكبر دون تقارب كهذا. والحال أنّ كثيراً من الكلام الذى سُمع فى القاهرة أثناء الزيارة يوحى أنّ العلاقات الإيرانيّة المصريّة ليست علاقات بين بلدين، بل هى علاقات بين مذهبين دينيّين لا يكتم واحدهما الخوف من الآخر أو التحفّظ عنه. وقد تعزّز هذا الشعور الطاغى بشىء من المشاعر الوطنيّة، وباختلاف فى الاصطفاف الإقليميّ والدوليّ، بحيث بات الاختراق الإيجابيّ أقرب إلى الاستحالة.
لكنْ يبقى أنّ التركة الصدّاميّة التى ازدهرت على نطاق المنطقة كلّها ولم تتعفّف قوى إقليميّة كبرى وأحزاب وتنظيمات عن تبنّيها والمزايدة فيها، أكثر ما يقف بالمرصاد لأيّ تقارب بين القاهرة وطهران. وهذا، للأسف، أفعل وأشدّ تأثيراً من الخلاف حول الثورة السوريّة أو وضع الخليج أو سواهما من القضايا المهمّة التى تعنى الدول.
ولقائل أن يقول إنّ إيران فى حاجة ماسّة إلى مصر كى تكسر عزلتها، وإنّ مصر فى حاجة ماسّة إلى طهران كى توازن بالعلاقة معها علاقات أخرى فى الشرق الأوسط والخليج. غير أنّ ما كان ممكناً بين شاه إيران وأنور السادات فى السبعينات، أى بين إيران ومصر كدولتين ومصلحتين، لم يعد ممكناً اليوم. ذاك أنّ الدولة غدت ملحقة بالدين والمذهب، تخوض غمار الدفاع عنهما بوصفه البرهان الأوّل على سيادتها.
وقد يقال أيضاً، وهذا صحيح، إنّ ضعف الرئيسين ونظاميهما يكفى سبباً للتقارب، أقلّه نظريّاً. فأحمدى نجاد منخرط فى صراع داخل الدائرة السلطويّة نفسها، وقد كان مشهده الأخير فى البرلمان، فى مواجهة رئيس مجلس الشورى على لاريجانى، صورة حيّة عمّا آلت إليه الأمور فى طهران. وهذا ناهيك عن الوضع المزرى للاقتصاد الإيرانيّ وتخبّط القيادة كلّها فى علاجه. أمّا محمّد مرسى فبات يرمز إلى السرعة الاستثنائيّة فى انكشاف قدرة الإخوان المسلمين على أن يحكموا مصر. وهذا كى لا نضيف اغتيال السياسيّ والقياديّ التونسيّ شكرى بلعيد بوصفه حجّة على حكم الإخوان أينما كان.
لكنْ، هنا أيضاً، تلوح التركة الصدّاميّة أقوى، فلا يبقى إلاّ مزحة سمجة كأنْ يعرض أحمدى نجاد قرضاً على المصريّين يعينهم على الخروج من وضعهم الاقتصاديّ الرديء. وهى مزحة لا بدّ أنّ مرسى، ومعه مصريّون كثيرون لا يتّفقون إلاّ على أمور قليلة، اتّفقوا على أن يضحكوا لها.
نقلاً عن الحياة اللندنية
