رئيس التحرير
عصام كامل

إبليس متنكرًا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

>> تتشابه الحية مع الشيطان في المسيحية حيث لا يتوقع أحد خط سيرها
>> تجسد في صور شيوخ وأطباء.. خدع أبو هريرة.. وخطط لقتل النبى مع أبى جهل

>> إنسان أعطاه الله سبحانه وتعالى المقدرة على التشكل في صورة إنسان
>> شيخ ظهر لـ«قابيل» ابن سيدنا أدم.. وتجسد لقوم «إدريس» في صورة شيخ
>> يوم بدر طرده جبريل «عليه السلام» من أرض المعركة «يوم بدر» فقال للكفار «إنى أرى ما لاترون»
>> الحية يفضل التجسد في هيئة «الحية» لأنها مثله تدخل دون استئذان


هل ظهر الشيطان متجسدًا؟ نعم.. ظهر في عدة مواقف ودخل في مغامرات مع البشر حيث يخبرنا القرآن أنه ظهر لآدم - عليه السلام- وحواء ووسوس لهما فأخرجهما من الجنة، وأصبح عدوا للإنسان، كما تجسد الشيطان للنبى إبراهيم عليه السلام وزوجته هاجر- في صورة شيخ- عندما ذهب إبراهيم لذبح ابنه إسماعيل تنفيذًا لأمر الله، وأصبح رجم الشيطان من أساسيات إقامة شعائر الحج.

الكاتب الصحفى محمد عيسى داود في كتابه « حوار صحفى جنى مسلم» قال: الشيطان يستطيع أن يتجسد في صورة الإنسان أو الحيوان، كذا يستطيع التشكل على أي هيئة أخرى مع العلم أن هذه القدرة للجن المتمرس أي ليس لجميعهم ومدة التشكل على هيئة أخرى قد لا تزيد على 4 دقائق.

وتجسد الشيطان على هيئة الإنس للعديد من الأنبياء والصالحين، وقد ظهر إبليس لحواء في صورة رجل، وظهر إبليس زمن قابيل فتمثل عنده برجلين، كذا تجسد في صورة شيخ لقوم النبى إدريس، وفى زمن قوم عاد ظهر إبليس بصورة امرأة زمن أصحاب الرس، وظهر لزوجة أيوب حيث جاءها إبليس في صورة طبيب، فدعته لمداواة أيوب.

وقد ذكر القرآن الكريم عن تجسد الشيطان للمشركين في غزوة بدر في صورة سراقة بن مالك، ووعد المشركين بالنصر قال تعالى: « وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّى جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّى بَرِىءٌ مِّنْكُمْ إِنِّى أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّى أَخَافُ الله والله شَدِيدُ الْعِقَابِ « سورة الأنفال، الآية:48.

وذكر كتاب تفسير ابن كثير- صفحة 303- أن ابن عباس رضى الله عنه قال: « جاء إبليس يوم بدر في جند الشياطين معه رأيته في صورة رجل من مدلج فقال الشيطان للمشركين لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم، فلما اصطف الناس أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب فرمى بها وجوه المشركين فولوا مدبرين، وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع يده ثم ولى مدبرًا وشيعته فقال الرجل: يا سراقة أتزعم أنك جار لنا فقال: إنى أرى ما لا ترون إنى أخاف الله والله شديد العقاب، وذلك حين رأى الملائكة».

كذلك تشكل الشيطان في صورة شيخ من أهل نجد عندما اجتمع أكابر قريش في دار الندوة يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه وجاء ذلك في الحديث «عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: لما أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا له وكان ذلك يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل عليه بتلة «الكساء الغليظ» فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفًا على بابها قالوا: من الشيخ؟ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أنه لا يعدمكم منه رأيًا ونصحًا قالوا: أجل فادخل فدخل معهم، وكل أدلى برأيه، حتى قال أبو جهل بن هشام: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًا جليدًا نسيبًا وسيطًا فينا ثم نعطى كل فتى منهم سيفًا صارمًا ثم يعمدون إليه فيضربونه بها ضربة رجل واحد فيقتلونه فنستريح منه فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعًا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم قال: فقال الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل، هذا الرأى الذي لا رأى غيره» وجاء ذلك في كتاب السيرة النبوية لابن هشام.

كذلك تشكل الشيطان في صورة إنسان، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد وكل أبا هريرة بحفظ الزكاة- زكاة رمضان- فكان هذا الشيطان يسرق من الطعام، حيث قال أبو هريرة رضى الله عنه:» وكلنى رسول الله بحفظ زكاة رمضان فأتانى آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنى محتاج وعلى عيال ولى حاجة شديدة قال فخليت عنه فأصبحت فقال النبى صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالًا فرحمته فخليت سبيله قال: أما إنه كذبك وسيعود، إلى أن قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلاث يا أبا هريرة؟ قال: لا، قال: ذاك شيطان».

وعن حادثة - خنق النبى محمد صلى الله عليه وسلم للشيطان- فجاء في حديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةً قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِى فَشَدَّ عَلَيَّ لِيَقْطَعَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ فَأَمْكَنَنِى اللَّهُ مِنْهُ فَذَعَتُّهُ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُوثِقَهُ إِلَى سَارِيَةٍ حَتَّى تُصْبِحُوا فَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَام رَبِّ هَبْ لِى مُلْكًا لَا يَنْبَغِى لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، فَرَدَّهُ اللَّهُ خَاسِيًا.» رواه البخاري.

وفى كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري: « خرج رجل من الإنس فلقيه رجل من الجن، فقال له: هل لك أن تصارعني؟.. فصارعه فصرعه الإنسي.. فقيل لعبد الله: أهو عمر؟ قال: ومن عسى أن يكون إلا عمر!» وفى محاضرات الأدباء للأصفهاني: «روى أن عمرا صرع جنيًا» وقيل إنه الشيطان.

إبليس في المسيحية والأدب الشعبى
لم تتوقف الحكايات على ما هو مرئى ومعلوم بل ذهب الرواة الشعبيون بخيالهم إلى أبعد من ذلك، فابتدعوا الروايات والحكايات عن الجن والأشباح، وتطرقوا أيضا إلى عالم إبليس أو «الشيطان»، فاعتقدوا أن الكلب الأسود والقطة السوداء والحيات ما هي إلا شياطين متنكرة في صور تلك الحيوانات، وبدءوا يروون القصص التي تؤكد ذلك، حتى سادت تلك الفكرة ورسخت في الأذهان دون أن نبحث عن أصلها، فرغم أنها تعد من الخرافات إلا أن لكل خرافة أصلا.

ولعل من أهم الحيوانات التي ارتبطت صورتها بالشيطان على أساس دينى «الكلب الأسود»، ولهذا مرجعية في الدين الإسلامى حين سُئل النبى كما في حديث صحيح لأبى ذر «ما بال الأسود من الأحمر والأصفر والأبيض ؟ قال: الكلب الأسود شيطان»، ومن الشائع والمعروف أن الله سبحانه وتعالى أعطى الجن قدرة على التشكل بأشكال مختلفة والتشكل في صورة إنسان.

أما عن الحية فيرجع الربط بينها وبين الشيطان إلى الديانة المسيحية، ففى مطلع سفر التكوين -أول كتب العهد القديم- يظهر الشيطان متخفيا بهيئة حيَّة في فردوس عدن، وانفردت تلك الحية بحواء، وبأسلوب ماكر دفعتها لتناول ثمر الشجرة التي نهاهما الرب من أكلها، هكذا استعمل الشيطان صورة الحية في إغواء حواء بالخطيئة التي كانت سببا في طردهم جميعا إلى الأرض، حيث قال لها الشيطان المتمثل في الحية بأنها إن أكلت تلك الثمرة هي وآدم فسيصيران كـ «الله» عارفين الخير والشر.

وتربط المسيحية ومن بعدها الحكايات الشعبية بين الحية والشيطان في عدة صفات منها أن الحية جذابة والشيطان يحب أن يختفى خلف كل ما هو جميل وجذاب لدى الناس ليؤثر فيهم، حيث يستخدم الفن والفلسفة والعلم والدين لمحاربة الله، ويقول الكتاب المقدس «الشيطان نفسه يغيِّر شكله إلى شبه ملاك نور»، ويتشابها أيضا في المكر فقد اختارها الشيطان في الجنة لتنفيذ أغراضه وإغواء حواء وهذا هو معنى ما قالته حواء «الحية غرتني»، والحية منظرها لا يوحى بالخطر فهى ناعمة الملمس وتبدو عليها البراءة، فهى ليست كالأسد أو النمر، ولا حتى الكلب، والطفل بالغريزة قد يخاف من الكلب، لكنه على الأرجح، لا يخاف من الحية، فشكلها لا يُخيف، وحجمها لا يُرهب، وفحيحها لا يُنذر بالخطر، وهكذا الشيطان يعرف كيف يأتينا دون أن يشعرنا بالخطر.

وتتشابه الحية مع الشيطان أيضا في المسيحية في أنها تتواجد حيث لا نتوقع فلا أحد يعرف خط سيرها، وهى لا تستأذن قبل الدخول إلى مكان، والأدهى أنه لا توجد حواجز تعيقها، فتتسلق أعلى الجدران المرتفعة وتزحف من تحت الأبواب المُغلقة، ولهذا فأنت تجدها حيث لا تتوقع، تماما كما الشيطان، وأخيرا الحية قاتلة مُهلكة فنتيجة السم الذي تنفثه، مات الملايين من البشر، وأما الشيطان فقد قيل عنه في العهد القديم «ذاك كان قتالًا للناس من البدء» بل إن أحد أسماء الشيطان الواردة في سفر الرؤيا هو «أبدون» و»أبوليون» وكلاهما يعنى المُهلك.

أما عن القطة السوداء فعلى الرغم أنها الأكثر شيوعا في الحكايات الشعبية وبين العامة، والأكثر تشبيها بالشيطان، إلا أنه ليس لها أي مرجعية دينية، وربما جاء تشبيهها بالشيطان في الأدب الشعبى لكثرة تواجدها في الطرقات وتقارب الشكل بينها وبين الكلب الأسود، إلا أنه ليس هناك أي أحاديث صحيحة أو ضعيفة بأن القط الأسود شيطان.


>> المصادر:
بحر العلوم للسمرقندى - أخبار الزمان للمسعودي - فتح القدير للشوكاني
فتح البارى شرح صحيح البخارى لابن حجر- ص:613 رقم الحديث:2311.
الجريدة الرسمية