رئيس التحرير
عصام كامل

فوضناك

18 حجم الخط

هبت نسمات 25 يناير وحملت في ذرات رياحها ذكريات النضال الثورى التحررى في مواجهة طاغية مخلوع أحكم قبضته ثلاثة عقود على البلاد؛ وكيف وقف مناضلون مغامرون مغمورن منتصبو القامة مرفوعو الهامة في وجه العواصف ومحاولات القمع والتعذيب والقهر والمراقبة وغياهب السجون؛ حاملين فوق أعناقهم مشروعهم الثورى مضحين بأرواحهم؛ ساعين نحو زعزعة المعتقدات العفنة القديمة التي دستها السلطة في النفوس؛ واجتثاث الخوف من الأذهان؛ وكيف ساروا باتجاه إنكار الذات حتى نهاية تحقيق هدفهم نحو مستقبل مضىء؛ وأحلامهم التي من أجلها فردوا أجسادهم جسرا لمرور الفقراء والكادحين لعوالم الحرية.


هلت نسائم 25 ومعها ذكريات شعب نهض من غفوته ليحرر نفسه من قيود العبودية والتبعية وسيطرة وأحكام الدولة البوليسية؛ ليرى رياح الحرية التي نثروها في يناير تتحول لزوابع وأدخنة وديمقراطية مزعومة كاذبة؛ بعدما تحولت الأجواء لأرض خصبة تنمو فيها جرثومة الديكتاتورية من جديد.

تأتى الذكرى ومعها مرارة الخيانة والغدر على مذبح جنى المغانم والسعى نحو السلطة من جانب تنظيم إرهابى خدع رفقاء الميدان وتحالف مع رجال المخلوع في تهميش الحراك الثورى والعمل على ضرب وتشويه الثورة ومحاولات وأدها في عامها الأول؛ إلى أن جىء برجل منهم رئيسا؛ كرم المفسدين؛ وأخرج القتلة من السجون؛ وخاض في الأعراض؛ وقتل وجماعته أنقى شباب الوطن؛ وجعل أهل مصر شيعا؛ إلى أن فاض الكيل وبلغ السيل الزبى؛ فخرجت الجماهير مرة أخرى مولين وجوهم شطر الميادين؛ يبتغون الحرية والحق في الحياة.

تأتى الذكرى ومعها حكومة هشة ضعيفة فاشلة؛ وجهاز شرطة عاد لسابق إجرامه وبطشه؛ وأبواق إعلامية تنعق ليلا ونهارا؛ وكل مهمتها إما النفاق والموالة؛ وإما سكب الزيت على النار وإشعال نيران الشحن والتشويه ضد ثورة يناير والتربص بشبابها؛ وترويج ونقل الأكاذيب عن استقرار المنظومة؛ ودق أوتاد صمام أمن وأمان لنظام سياسي قادم؛ والواقع أنه محاولات لترويج دعائم استقرار كاذب قائم على شق الصف؛ يقوده نفس الوجوه التي شاهت وثارت ثورة الملايين لإزاحتهم.

تأتى الذكرى ومعها ابن الصدفة؛ ليتوج بطلا جديد؛ كل تاريخه النضالى أنه جاء لمنصبه بقرار؛ إلى أن شهد شعب ثائر خرج في أنهارا بشرية لم يعرف التاريخ لها مثيلا للمطالبة بالإطاحة بحكم التنظيم الإرهابى؛ والتحم البطل الجديد بالجماهير الثائرة؛ ونزل عند إرادتهم بحكم منصبه وواجبه؛ وزاد عليها بأن المؤسسة العسكرية لن تخوض في السياسة ولن تستغل الحراك الجماهيرى للقفز على السلطة؛ لكنه يرغب في تفويضه لمحاربة الإرهاب؛ وفوضناه؛ وانطلقت الجيوش المطالبة به رئيسا؛ لكنه يتعفف رغم استناده إلى أركان النظام المخلوع الذي ينفق المليارات المنهوبة من خزائن البلاد؛ إلا أنه يطلب تفويضا آخر لترشحه للمنصب الرفيع؛ ليتسنى له تحقيق الإصلاحات المرجوة.

المؤكد أن البطل الجديد يعلم جيدا أن الوعود الإصلاحية التي أطلقها المخلوعان المسجونان اللذان أطاحت بهما ثورتان؛ كانت نفسها هي الشرارة التي أشعلت نيران الثورتين؛ وبسببها دخلت الجماهير في معارك ضارية مع النظامين المخلوعين.

عليه أن يعلم جيدا رغم اليقين بعلمه بذلك؛ بأنه رغم حملات التشويه والإرهاب الإ أن الساحات والميادين ليست ببعيدة؛ وأن الرايات الخافقات الآن سيأتى لها يوما وسترفع؛ وأن غمار النضال سيكون معاركة طويلة حتى الظفر بالحرية غير المشروطة؛ وأن الجماهير الآن رغم التحامها به الإ أنها أشد حزما وعزما على نيل كامل حقوقها.
الجريدة الرسمية