رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

التقويم القبطي.. بوصلة الفلاح

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

>> "توت" شهر الفيضان.. و"هاتور" لزراعة القمح.. و"برمودة" للحصاد

"أصالة الفلاح" ليست مجرد كلمة تطلق على سبيل المجاملة، ولكنها عنوان لحقيقة رسخت في وجدان المصريين منذ قرون بعيدة، لأن الفلاح المصرى يأبى الاعتماد إلا على التقويم القبطى حتى هذه اللحظة رغم أن السائد هو التعامل بالتقويم الميلادى ومن بعده الهجرى.. فتجده مع ظهور برد الشتاء يعلن بدء شهر "بابه"، ومع اشتداده يقول "دخلنا في شهر طوبة"، وحينما تهب الرياح يقول "أمشير جه بزعابيبه".. فهذه هي الشهور التي يتحدث بها الفلاح عن أحوال الطقس، والأهم أنه يربط مواعيد زراعته بتقويم السنة القبطية الذي ارتبط بالزراعة والفيضان، ويتم الاحتفال به فيما يسمي بـ "عيد النيروز".

عيد النيروز هو أول يوم في السنة الزراعية الجديدة، ولفظة نيروز من الكلمة القبطية (ني - يارؤو) أي الأنهار، لأن ذلك الوقت من العام هو ميعاد اكتمال موسم فيضان النيل، وتعنى بالفارسية "اليوم الجديد"، وهو عيد الربيع عند الفرس، ومنه جاء الخلط من العرب، ويقول الأنبا لوكاس مطران منفلوط المتنيح " النيروز اختصار لـ (نيارو أزمو رؤو)، وهو ابتهال للخالق لمباركة الأنهار"، لتتطور إلى "نياروس" ومعناها عيد مباركة الأنهار.

والتقويم القطبى بدأ منذ عام الاستشهاد في عصر الإمبراطور الرومانى (دقلديانوس)، الذي أودى فيه بحياة مليون شهيد قبطى، واقترن التاريخ اليومى للتقويم القبطى بكلمة "شهداء"، وهو امتداد للتقويم الفرعونى بأسماء شهوره، إذ حرص الفلاح المصرى القديم على العمل به في زراعته اعتبارًا من عام 4241 قبل الميلاد وحتى الآن، وظهرت عبقرية المصرى القديم في ترتيب الشهور وإعطاء كل شهر صفة ومثلا، وشهوره هي: توت، وبابة، وهاتور، وكيهك، وطوبة، وأمشير، وبرمهات، وبرمودة، وبشنس، وبؤونة، وأبيب، ومسرى، وأخيرا النسئ.

"توت" هو شهر الفيضان وأول شهور السنة القبطية، ويأتى في الفترة (من 6 سبتمبر إلى 10 أكتوبر)، ويرمز له بطائر أبو منجل المقدس الذي يشير إلى بداية السنة الزراعية، واشتق اسمه من "تحوت" إله الحكمة والكتابة عند الفراعنة، والذي اختار بداية السنة المصرية مع موسم الفيضان لأنه وجد نجمة الشعري اليمينية تبرق في السماء بوضوح في هذا الوقت من العام، وهو ما يعني أن السنة القبطية نجمية وليست شمسية، وعرف هذا الشهر بأمثال عديدة أشهرها (توت رى ولا تفوت) لأنه ينبه الفلاح إلى ضرورة رى أرضه خلال هذا الشهر.

ويأتى شهر "بابه" في الفترة (من11 أكتوبر إلى 9 نوفمبر)، وأصل اسمه "حابى" - إله النيل - ومن أمثال هذا الشهر (أن صح زرع بابه يغلب النهاية، وإن خاب ما يجيش ولا لبابة)، وهو يشير إلى وفرة زرع هذا الشهر.

أما "هاتور" فهو شهر "بذر القمح"، ويبدأ من (10 نوفمبر إلى 9 ديسمبر)، واشتق اسمه من البقرة المقدسة "حاتحور" التي تمثل العطاء والنماء، وأشهر أمثاله (هاتور أبو الدهب المنثور) في إشارة إلى القمح كونه غذاء المصريين.

بينما يبدأ "كيهك" من (10 ديسمبر إلى 8 يناير)، وهو مشتق من التعبير " كا - حر - كا " ويعنى عيد اجتماع الأرواح مع الفراعنة، ومن أمثاله (البهايم اللى متشبعش في كيهك إدعى عليها بالهلاك)، لأنه يشهد وفرة من ( البرسيم ).

ويمتد شهر "طوبة" من ( 9 يناير إلى 7 فبراير)، وهو مشتق من الكلمة الفرعونية "تاعبت"، وهو عيد مشابه لعيد الفصح، ويأتي في 11 طوبة، وفيه يتم إعداد الأرض للزراعة، ويشتهر بالمثل (طوبة تزيد الشمس طوبة)، وأيضا (طوبة تخلى الشابة كركوبة)، كناية عن اشتداد البرد في هذا الشهر.

ويتراوح شهر أمشير بين ( 8 فبراير إلى 10 مارس )، وهو شهر إله الريح والزوابع، لذلك قيل عنه المثل (أمشير أبوالزعابيب الكتير يأخذ العجوزة ويطير).

وينسب شهر "برمهات" الذي يبدأ من (10 مارس إلى 8 أبريل) إلى الفرعون "امنحات"، وفيه تهب رياح الحسوم ويكون الناس بسببها كأعجاز نخل خاوية، ويطلق عليه كذلك برد العجوز، ومن أمثاله (برمهات روح الغيط وهات قمحات وعدسات وبصلات).

أما شهر الحصاد "برمودة" الممتد من 9 إبريل إلى 10 مايو، فقد اشتق من "رنوده" إله الحصاد، ومثل هذا الشهر (برمودة دق العامود) في إشارة إلى دق سنابل القمح بعد نضجها.

وينسب شهر "بشنس" الذي يبدأ من 10 مايو إلى 7 يونيو إلى الإله خنسو إله القمر عند الفراعنة، ويمثل دور الابن في ثالوث طيبة وفيه تدرس المحاصيل، وقد قيل عنه (بشنس يكنس الغيط كنس).

ويبدأ "بؤونة" من (8 يونيو إلى 7 يوليو)، وقد اشتق اسمه من وادى الحجارة، وهو وادى الملوك بالقرنة في الأقصر،
ومن أمثال هذا الشهر (بؤونة نقل وتخزين المونة)، أي المؤن التي يحتفظ بها الفلاحون خوفًا من الفيضان الجارف أو انقطاع الفيض.

ويمتد شهر "أبيب" من (8 يوليو إلى 9 أغسطس)، وهو ينسب إلى الإله حابى إله النيل، وقد قيل عنه (أبيب فيه العنب يطيب).

أما شهر "مسرى" الذي يبدأ من 10 أغسطس إلى 5 سبتمبر، فينسب إلى "نسو- رع"، أي ولادة رع إله الشمس، ومن أمثال هذا الشهر(عنب مسرى إن فاتك متلقاش ولا كسرة)، ليحث على الإسراع في زراعة الذرة.

ويختتم العام القبطى بشهر "النسئ" أو الشهر الصغير، لأن مدته خمسة أيام فقط، ويحتفل في أول هذه الأيام بأوزوريس، ويبلغ في السنة الكبيسة ستة أيام، مثل السنة الكبيسة في التقويم الشمسى.

ووفقا لكتاب "التقويم وحساب الأبقطى" للدكتور رشدى بهمان، تحدث هيرودت - المؤرخ الإغريقى قبل الميلاد بنحو ثلاثة قرون - عن التقويم القبطى قائلا: "قدماء المصريين هم أول من ابتدع حساب السنة، وقد قسموها إلى 12 قسمًا بحسب ما كان لهم من معلومات عن النجوم، ويتضح لى أنهم أحذق من الأغارقة (اليونانيين)، فقد كان المصريون يحسبون الشهر ثلاثين يومًا ويضيفون خمسة أيام إلى السنة لكى يدور الفصل ويرجع إلى نقطة البداية".

قسم المصريون - منذ أربعة آلاف ومائتى سنة قبل الميلاد - السنة إلى 12 برجا في ثلاثة فصول هي (الفيضان – الزراعة - الحصاد)، وطول كل فصل أربعة شهور، وقسموا الشهر إلى أسابيع وأيام، وقسموا اليوم إلى 24 ساعة والساعة إلى 60 دقيقة والدقيقة إلى 60 ثانية، وقسموا الثانية أيضا إلى 60 قسمًا.

والسنة في التقويم القبطي هي سنة نجمية شعرية أي مرتبطة بدورة نجم الشعرى اليمانية، وهو ألمع نجم في مجموعة نجوم كلب الجبار الذي كانوا يراقبون ظهوره الاحتراقى قبل شروق الشمس قبالة أنف أبو الهول، والتي كانت تحدد موقع ظهور هذا النجم في يوم عيد الإله العظيم عندهم، وهو يوم وصول ماء الفيضان إلى منف (ممفيس) قرب الجيزة.

وقد تم احتساب عدد أيام السنة (حسب دورة هذا النجم) 365 يومًا، ولكنهم لاحظوا أن الأعياد الثابتة المهمة عندهم لا تأتى في موقعها الفلكى إلا مرة كل 1460 يوما، وعندما قسموا السنة على الـ 1460 وجدوا أن الحاصل هو 4/1 يوم، فأضافوه إلى طول السنة ليصبح 365 يومًا وربع، أي أضافوا يومًا كاملا لكل رابع سنة ( الكبيسة)، وهكذا بدأت الأعياد تقع في موقعها الفلكى من حيث طول النهار والليل، وحدث هذا التعديل عندما اجتمع علماء الفلك من الكهنة المصريين - قبل الميلاد بنحو ثلاثة قرون- في كانوبس (أبو قير) بجوار الإسكندرية، وتم إدراجه في المرسوم الشهير الذي أصدره بطليموس الثالث المسمى مرسوم كانوبس.

>> المراجع:
الأغنسطس نبيل فاروق مراجعة وتقديم الأنبا متاؤس
Advertisements
الجريدة الرسمية