رئيس التحرير
عصام كامل

وطن غرقان في النطاعة


رغم الاعتقاد الظاهرى بنجاح الحركة الثورية التحررية في مصر في إسقاط نظامين اعتقد الجميع أنهما الأقوى على الساحة السياسية في الشرق الأوسط منذ عقود طويلة خلت؛ إلا أن المحصلة النهائية لثورتين كانت صفرا.


فما بين رحيل المخلوع "مبارك" والمعزول "مرسي" والصراع المحتدم والمتزايد كان جليا وواضحا في محاولات نظامين لتجميع أوراقهما التي سقطت بفعل الثورة وإعادة إنتاج نفسيهما معتمدين في ذلك على سطوة رأس المال المسيطر على مقدرات وأقوات العباد من ناحية؛ وبين التيار الدينى بنفوذه المتغلغل في جذور الأرض المصرية من ناحية أخرى؛ والذي سخر كل طاقته وأمواله وعلاقاته المشبوهة برجال أمن الدولة منذ عقود للوصول لرأس السلطة مهما كانت الوسيلة وأيا كانت التضحيات؛ وما بين هذا وذاك كان الجنرالات داخل المؤسسة العسكرية يدركون جيدا خطورة نجاح أي حركة ثورية في تهديد مصالحهم الاقتصادية والمالية والتي يرون من خلالها ضرورة حمايتها بأى طريقة كانت.

ومع سرعة الأحداث واشتعالها؛ وبقليل من التدقيق والتحليل لمرحلة عاصفة في تاريخ مصر؛ نرى أن هناك حالة من فقدان الاتجاه الصحيح؛ وسيطرة دجالى السياسة؛ والعمل على تحويل مسار الثورة من كونها مبدأ مشروعا لتكون قضية عاطفية؛ رغم قمع نظام مبارك وفساده؛ وإرهاب جماعة الإخوان وانضمامها لمعسكر الثورة المضادة قبيل اشتعالها في يناير قبل الماضى؛ والعسكر ومحاولاتهم المستميتة لمنع امتداد نيران الثورة لأبعد من ذلك؛ وإعادة بناء ما تم هدمه من بيت الرأسمالية؛ من خلال خطابات ورسائل الجنرالات الرنانة ووعودهم الحالمة في استقرار الوطن وانتعاش خزائنه.

فالقرارات المرتعشة لحكومة ما بعد الإطاحة بالإخوان تؤكد أن هناك من يتعمد إطالة الفترة الرمادية لوقت أطول بكثير وفرضها كأمر واقع على الساحة؛ لترتيب الأوضاع وتهيئة المسرح للمنقذ المنتظر من ناحية؛ ولإصابة الجماهير بالخمول واليأس من التغيير الثورى الحقيقى من ناحية أخرى؛ مع تعظيم الخوف المستمر لديها واستمالتها للدخول في الصراع ما بين الدولة والإرهاب؛ وهذا من شأنه فرض صمتا جماهيريا؛ وعودة مرة أخرى للدولة البوليسية القمعية.

المرحلة الحالية تؤكد أن هناك انشقاقا بدأ ينمو بين الدولة وبين الحركات العمالية والطبقة المتوسطة والكادحة؛ حتى وإن كان هذا الانشقاق غير واضح المعالم بسبب رمادية الأوضاع الحالية وعدم وضوح الرؤية المستقبلية؛ وهو ما يضفى محدودية على الصدام الوشيك الآتى وانفجار اللغم بين الدولة وبين تلك الحركات.

أغلب الظن أن فترة ما قبل المعترك الرئاسى لن تشهد ظهورا قويا للجنرال ولن يرضخ سريعا للمطالب الشعبية التي تطالبه بالترشح للمنصب الرفيع لقيادة سفينة البلاد لبر الأمان كما تبتغى الجماهير؛ ولكن الدفع سيكون بأحد المحسوبين على التيار الإصلاحى؛ لفرض نوع من السيطرة بيد حديدية لكبح جماح الاحتجاجات أو المناداة بأى إصلاحات؛ ومعها تزيد الفجوة؛ وهذا من شأنه ازدياد في فرص الجنرال المجردة من أي سعى للسلطة؛ وبعدها سيكون الانتقال من مرحلة الحكم من وراء ستار إلى مرحلة الحكم المطلق بفرمان شعبى؛ وهذا كله مرهون بالاستمرار في المرحلة الرمادية مع الغياب التام للقيادة الثورية؛ وانعدام فرص البديل الثورى الحقيقى وجعلها قضية غير محسومة وشبه مستحيلة.

بأى حال فالقيادة السياسية ما زالت على سابق عهدها؛ وغير مدركة حتى الآن أن الشعب هو صانع الثورات؛ ومهما كانت محاولات إطفاء النيران الثورية؛ أو جذب الجماهير بالخداع وإصابتها بالخمول؛ فجميعها فاشلة ولن تجدى حتى وإن أبدت تلك الجماهير قابلية وقتية لتقبل الأمر الواقع.

الجريدة الرسمية