هل تستهدف الحرب الأمريكية "داعش" بنيجيريا أم أدوار متكاملة تمهد لتدخلات أوسع ؟، تحذيرات من استغلال واشنطن فزاعة التنظيم لمواصلة عملياتها في غرب أفريقيا، وتقويض استقلال وسيادة الدول في القارة
في يوليو 2025، أظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استهانة كبيرة برؤساء دول أفريقية، حيث طالب رئيس موريتانيا محمد ولد الغزواني بإنهاء كلمته، وطلب من رئيس غينيا بيساو الذي أطيح به من منصبه في نوفمبر 2025 عمر إمبالو ذكر اسمه وبلده، وكأنه يتصرف مع تابعين له وليس زعماء وقادة دول.
وفي 26 ديسمبر الجاري، أصدر ترامب أوامره بشن ضربات عسكرية ضد تنظيم "داعش" في نيجيريا، في خطوة أثارت قلق دول أفريقية من أن يكون ذلك مدخلا لتدخلات أمريكية أوسع.
فبينما تعيش قرى نيجيريا على وقع هجمات مسلحي تنظيم (داعش)، تترقب الدول المجاورة تحركات التنظيم بعين القلق، دون أن تتخلى عن طرح السؤال الصعب: هل هذه الهجمات –داعش من جهة والغرب من جهة أخرى- مجرد تعامل مع أزمة محلية، أم أنها جزء من مخطط أوسع ترى فيه القوى الغربية فرصة لإعادة تشكيل المشهد السياسي في غرب أفريقيا؟
وفي السياق، نشر موقع "موردن غانا" مقالا للكاتب والناشط الأفريقي في مجال الدفاع عن الوحدة الأفريقية والمتخصص في شئون الحركات الإرهابية في غرب أفريقيا مافا كوانيساي مافا، حذر فيه من أن تهديدات الإرهاب قد تستغل لتبرير التدخلات الأجنبية في شئون الدول الأفريقية الداخلية، مؤكدا أن استمرار نشاط "داعش" على الرغم من تعرضه لمراقبة استخباراتية مكثفة يثير مزيدا من الغموض حول الأسباب الحقيقية وراء استمراره.
التدخلات الخارجية المفرطة لمواجهة "داعش" تزيد الفوضى
ويرى مافا أن الدول التي تتخذ سياسات مستقلة في إدارة الأمن والاستقرار، وتقاوم التدخلات الأجنبية، تظهر تحسنا ملموسا على الرغم من الضغوط التي تواجهها في رحلة البحث عن الخلاص من تنظيمات "داعش" وأخواتها، مؤكدا أن التدخلات و"الحلول الأجنبية ليست بالضرورة الأكثر فعالية، وأن الإفراط في التدخلات الخارجية قد يزيد الفوضى بدلا من تحقيق الاستقرار".
وتعليقا على الضربات العسكرية التي وجهتها الولايات المتحدة لمسلحي "داعش" في شمال غرب نيجيريا في 26 ديسمبر 2025، قال مافا: إن تهديدات "داعش" في نيجيريا لا يمكن اعتبارها مجرد قضية محلية، بل قد تكون جزءا من استراتيجية جيوسياسية أكبر تستهدف إعادة تشكيل منطقة غرب أفريقيا.
المصالح الغربية تتجاوز محاربة الإرهاب
ويضيف: تتكرر نماذج التدخل الأجنبي بعد ظهور أي علميات تشنها الجماعات الإرهابية. ففي ليبيا والصومال ومالي، يظهر هذا النمط بوضوح؛ فبعد نشوء تهديد أمني، تتدخل القوى الأجنبية بذريعة تقديم الحلول، لكن مصالحها غالبا ما تتجاوز محاربة الإرهاب؛ ولا يجب تجاهل أهمية نيجيريا كأكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان والاقتصاد؛ حيث إن أي اضطراب أمني تشهده نيجيريا يمثل نقطة محورية يمكن أن تستغله القوى الخارجية لتعزيز وجودها العسكري والسياسي في المنطقة.

ويطرح الكاتب سؤالا هو: هل الإرهاب نتيجة طبيعية للضعف الداخلي، أم أنه أداة في يد قوى خارجية؟ ويجيب: تصارع نيجيريا منذ سنوات جماعة "بوكو حرام" وفرعها المتحالف مع داعش؛ وعلى الرغم من الميزانيات العسكرية الضخمة وتعاون الاستخبارات الأجنبية وقوات المهام الإقليمية، لم تختف مشكلة تلك الجماعة تماما؛ ففي بعض الأحيان تعاني من الضعف، ثم تعاود الظهور فجأة بأسلحة جديدة وتنسيق أفضل وظهور إعلامي أقوى. وهذا يثير القلق حول استمراريتها وتجدد نشاطها في منطقة تخضع لمراقبة بعض من أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم!
الإتجار في السلاح وتجنيد عناصر عبر الحدود يولد الشكوك
يقول مافا: إن أفريقيا هي القارة الأكثر مراقبة في العالم، حيث تحاصرها الأقمار الصناعية، والطائرات بدون طيار، والقواعد العسكرية، والمنظمات غير الحكومية، و"الشركاء" الأجانب موجودون في كل مكان. لذلك، من الصعب تصديق أن التحركات الإرهابية تنتشر وتسافر وتتاجر بالأسلحة، وتجند عناصر عبر الحدود دون أن يلاحظها أحد؛ وعندما تحافظ هذه الجماعات على بقائها على الرغم من خضوعها لمراقبة مستمرة، يتولد الشك تلقائيا.
التاريخ يقدم دروسا مفيدة
وخلال الحرب الباردة، كانت الجماعات المسلحة تنشأ أو تُمول أو تُستغل لإضعاف الحكومات التي ترفض الانحياز لمصالح القوى الغربية؛ ومثال ذلك حركة "المجاهدين" في أفغانستان، والتي تحولت لاحقا إلى كابوس أمني عالمي؛ فيما صارت ليبيا، بعد سقوط نظام القذافي في 2011، سوقا للأسلحة للجماعات الإرهابية في الساحل؛ وعانت مالي والنيجر وبوركينا فاسو من التدخل. ولم يكن ذلك من قبيل الصدفة، بحسب مافا.
ويضيف: اليوم، تمثل بوركينا فاسو تحت قيادة إبراهيم تراوري مثالا خطرا للقوى الإمبريالية؛ حيث يعلن تراوري معارضته لـ"الليبرالية الجديدة"، ورفضه للهيمنة العسكرية الأجنبية، وتأييده لسيادة أفريقيا على مواردها وأمنها واتجاهها السياسي. وبالنسبة للقوى الغربية التي تعتمد على النفوذ والوصول والسيطرة، يشكل هذا النوع من القيادة تهديدا لأنه يعزز نزعة الاستقلال.
تغيير الأنظمة يجري بشكل غير مباشر
وبحسب الكاتب، لم تعد الهجمات العسكرية المباشرة الطريقة المفضلة؛ وإنما يجري تغيير الأنظمة بشكل غير مباشر من خلال العقوبات، وشيطنة الإعلام، والضغط الاقتصادي، والأهم من ذلك خلق حالة من عدم الاستقرار؛ إذ إن الدولة أو المنطقة الغارقة في الخوف لا يمكنها التفكير بوضوح؛ والمواطنون الأكثر عرضة للخوف يصبحون أكثر قابلية للتأثر والتلاعب. وتكتسب نيجيريا أهمية استراتيجية في هذا السياق؛ فهي أكبر اقتصاد أفريقي وأكبر دولة من حيث السكان، وتشكل محورا إقليميا؛ وإذا ظلت نيجيريا غير مستقرة، ستبقى منطقة غرب إفريقيا هشة.
وفي تلك الظروف، يظهر الإرهاب ليفتح الباب أمام الوجود العسكري الأجنبي، والعمليات الاستخباراتية الأجنبية، والشراكات الأمنية التي تمتد إلى النيجر وتشاد ومنطقة الساحل، مما يخلق ممرا أمنيا يمكن تفعيله أو توجيهه حسب الحاجة، بحسب الكاتب.
تهديدات "داعش" وسيلة للسيطرة على السرد الإعلامي
يقول مافا: تخدم التهديدات المرتبطة بـ"داعش" في نيجيريا وظيفة أخرى، وهي السيطرة على السرد الإعلامي؛ حيث يصدر الإعلام الغربي عدم الاستقرار في أفريقيا كدليل على أن الأفارقة لا يستطيعون إدارة شئونهم بأنفسهم. وعندما يرفض قادة مثل تراوري المساعدة العسكرية الغربية، يتم تصويرهم بهدوء كـ"متهورين" أو "خطرين"؛ وتكون الرسالة الخفية –الواضحة في الوقت ذاته- هي: انظر إلى نيجيريا؛ وهذا هو ما يحدث من دوننا.
ويضيف: لكن الحقائق تتحدى هذا السرد. لقد فشلت الأساليب المدعومة غربيا في تحقيق الأمن لعقود. وأنفقت مليارات الدولارات، ومع ذلك ينتشر الإرهاب. وفي المقابل، فإن الدول التي طردت القوات الأجنبية وتبنت استراتيجيات أمنية مستقلة تظهر بوادر تحسن على الرغم من الضغوط ومحاولات التخريب المستمرة؛ وهو ما يمثل إزعاجا عميقا للمصالح الاستعمارية الغربية.
الفوضى تجارة مربحة لصانعي وتجار السلاح
ويرى الكاتب أنه من المعقول أن يشك الأفارقة في أن الإرهاب يدار –أحيانا- أكثر من كونه يقضى عليه؛ وأن الفوضى مربحة لصانعي السلاح، والمقاولين العسكريين الذين يستفيدون من إشعال الفوضى، والقوى الأجنبية التي تكتسب نفوذا من خلال إجبار الحكومات الأفريقية على استجداء المساعدة، واستهداف أي زعيم أفريقي يرفض مثل هذه الصفقات.
وهذا لا يعني أن المقاتلين في نيجيريا هم وكلاء لوكالة المخابرات الأمريكية أو أن كل عمل إرهابي مخطط له في واشنطن، فذلك تبسيط مخل. فالتهم المحلية والفقر والفساد والظلم التاريخي كلها عوامل حقيقية. لكنها توضح أن هذه المشكلات غالبا ما يجري استغلالها وتأجيجها لخدمة أهداف جيوسياسية أكبر، وفق مافا.
يجب على أفريقيا قراءة ما وراء السطور
ويشدد الكاتب على ضرورة أن تتعلم أفريقيا قراءة ما وراء السطور؛ مضيفا: عندما يتصاعد الإرهاب فجأة في لحظات سياسية مناسبة، وعندما تشمل الحلول دائما استحضارا لأقدام وجيوش أجنبية وقواعد عسكرية، وعندما يحيط عدم الاستقرار بزعماء مناهضين للإمبريالية، يجب على الأفارقة أن يسألوا أنفسهم: من المستفيد؟
ويختتم مافا مقاله قائلا: الخلاص الحقيقي يكمن في مواجهة الإرهاب بجدية دون أن تتورط القارة الأفريقية في حرب بالوكالة لصالح الآخرين. وإلا فقد يتحول عدم الاستقرار في نيجيريا إلى ذريعة لسحق الأصوات الشجاعة في أفريقيا التي تسعى نحو الاستقلال والسيادة.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
