رئيس التحرير
عصام كامل

انتخابات.. بلاها نادية خد سوسو!

18 حجم الخط

في السياسة، كما في الهندسة، لا يمكن أن تبني مبنى على رمال متحركة، مبنى بلا قواعد. ومهما بلغت براعة المهندس المعماري والإنشائي في الرسم والتصميم، فإن الأساسات الهشة الضعيفة كفيلة بإسقاط أي مشروع مهما بدا الماكيت جميلًا والتصميم مطابقًا للمعايير والنسب الصحيحة. هذا ما جرى ويجري للانتخابات البرلمانية الثالثة على التوالي في مصر حتى وإن اختلفت التفاصيل ومقياس الرسم على اللوحات، تبقى كلها مشاريع مكررة للهندسة البرلمانية.

 

قبل أيام اقترحت أن تنشئ كلية الاقتصاد والعلوم السياسية قسمًا للهندسة البرلمانية وأن تسميها تعيينات وليست انتخابات، الهندسة السياسية مصطلح واسع يعرّفه أساتذة السياسة على أنها مجموعة من الآليات التي تستخدمها النخبة الحاكمة أو القوى المسيطرة لإعادة تصميم المشهد السياسي بما يضمن استقرار النظام أو استمرار سيطرته، عبر أدوات تبدو دستورية أو ديمقراطية في ظاهرها، لكنها في الحقيقة تدار بسيطرة كاملة.

 

تهندس مصر الانتخابات منذ سنوات، لكنها لم تعد تتم بسيناريوهات التزوير المباشر القديمة، أو المجمع الانتخابي أو استفتاءات الـ99%، بل أصبحت تتم عبر هندسة النتائج مسبقًا مثل كارت الكهرباء أو التليفون المدفوع مسبقًا، فأصبح كرسي البرلمان محجوزًا مسبقًا، وحصص الأحزاب موزعة مسبقًا، وتبرعات الأعضاء محصّلة مسبقًا، والدوائر بعضها مكتملة والأخرى متروكة مسبقًا، والأسماء كلها معروفة مسبقًا.. 

حتى الأرقام في الكشوف والرموز الانتخابية مرتبة ومنظمة مسبقًا، والنتيجة في النهاية مضمونة مسبقًا، لدرجة أن أحد المرشحين استعجل وعلّق يافطة على مقره الانتخابي وكتب عليها مقر النائب فلان الفلاني قبل إجراء الانتخابات فنهروه وأمروه بإزالتها!

 

يمنح الدستور رئيس الجمهورية سلطة تعيين 5% من أعضاء مجلس النواب وثلث مجلس الشيوخ، والحياة السياسية الطبيعية لأي نظام حاكم لا تختلف عن تقسيم المعدة: "ثلثٌ لطعامك وثلثٌ لشرابك". لكن أغلب، إن لم تكن كل الأنظمة في العالم الثالث، تخشى دوماً من الثلث الثالث؛ الثلث المخصص للتنفس. لا تعلم أن هذا الثلث هو من يمنح الأنظمة صحة أفضل وحياة أطول، وإلا سيصاب بالتخمة ويمرض.

 

من النوادر التي أعرفها وعشتها خلال السنوات الماضية، أنه طُلب من رئيس إحدى الهيئات المهمة، أن يرشح إحدى بناته لعضوية البرلمان. فرشح الكبرى للجهة المنوط بها الاختيار، فذهبت وأجرت مقابلة شخصية وكأنها مقابلات "توظيف سياسي"، لكنها لسوء الحظ لم تُقبل. فرشح لهم شقيقتها الصغرى -بلاها نادية خد سوسو- فأجروا لها ثلاث انترفيوهات واجتازتها، وهكذا تم اختيارها نائبة في البرلمان.. 

وهي فتاة في سن صغيرة لا تعرف أسماء القرى في دائرتها البرلمانية التي اختاروها لها، لأنها لا تعيش فيها ولم تتربي فيها ولم تتعلم فيها ولا تعرف مشاكل أهلها، ولا تعرف أحدًا غير أفراد أسرة والدها، وربما كانت تسمع عنهم ولا تراهم أصلًا. وليس لديها أي خبرة سياسية أو حتى حياتية تذكر!

فكان من الطبيعي أنه خلال السنوات الخمس لدورتها البرلمانية، أن من يدير مكتب سيادة النائبة هم والدها ووالدتها وأعمامها. هذه زرعة في غير أرضها، لن تصلح أبدًا، ومثال فج لتغييب إرادة الناس وهندسة البرلمان.

 

الأمثلة لدي كثيرة؛ فأعرف منذ أشهر أن القائم على اختيارات النواب في أحد الأحزاب أقسم بأن اثنين من النواب "مش هيشوفوها تاني"، وقد كان! ومؤخرًا انتشر مفهوم توريث الكرسي، فمن يتوفاه الله خلال دور الانعقاد من النواب أو يكبر في السن، يحل مكانه ابنه أو ابنته أو شقيقه.. 

وبات المرشحون المحتملون كقطع الشطرنج، يحركونهم كيفما شاءوا، منهم من غُيّر له محل إقامته، ومن غُيّرت له دائرته، ومن غُيرت له محافظته، ثم مؤخرًا من غُيّر له حزبه. فموسم الانتقالات الحزبية الأخير بعد استحداث حزب الجبهة كان أكثر سخونة من موسم انتقالات لاعبي الكرة!

 

الصورة في مجملها نسخة محدثة من الحزب الوطني. استبدلنا فيها أحمد عز بأحمد عبد الجواد، ولكل حزب أحمده وعِزه! ولا أحد يحدثني عن انتماء حزبي أو قناعات سياسية أو أفكار أيديولوجية، والاستقالات الأخيرة خير دليل، فلا أحد يملك من أمره شيئًا والكل ينتظر قوائم البركة والتعليمات والأوامر. وعندما جاء موسم الحصاد، منهم فاز بالرضا والقبول ولقي حظه ومنهم من اُستبعد أو اختفى أو انسحب ومنهم من ينتظر!

 

تتزامن الهندسة البرلمانية مع ما جرى مؤخرًا. استبشرنا خيرًا بإفراجات محدودة، وخروج بعض المحبوسين الذين كان باب خروجهم مقفولًا بالضبة والمفتاح، واستبشرنا خيرًا بإعادة قانون الاجراءات الجنائية للبرلمان، واستبشرنا خيرًا بعودة باسم يوسف وبعض الوجوه الإعلامية، وشهدنا حالة شعبية كانت غائبة منذ زمن، كلها فرحة وإشادة بجهود مصر في وقف الحرب في غزة وإدارة المفاوضات مع العدو الصهيوني.

كان على الطاولة يجلس رئيس المخابرات المصري والقطري والتركي، كل هؤلاء كانوا فرقاء منذ سنوات. (ترامب يعايرنا بذلك الآن وهو في طريقه إلى شرم الشيخ وأنه هو من جمّعنا!).

 

مصر التي تفاوض ببراعة وقوة وخبرة عدوًا يحاول العبث بأمنها، مصر التي وقفت في ظهر المقاومة الفلسطينية، وترعى المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، تحتاج بشكل عاجل أن تبدأ مصالحة مع مجتمعها السياسي والإعلامي. فالرئيس السيسي يتحدث عن تطوير الإعلام، والجميع من أهل المهنة وفي دوائر السلطة يعلمون دون مواربة أن الإعلام لن يتطور إلا بالحرية. الحرية هي ثلث التنفس الأول والثاني والثالث للصحافة والإعلام. ولا نريد أن يكون مصير لجنة تطوير الإعلام كمصير الحوار الوطني!

 

إن الفرصة مواتية للنظام هذه المرة. فالدعم الشعبي قائم، والناس عطشى لإصلاح حقيقي. لكن لا نهضة بلا قواعد، ولا قواعد شعبية في ظل غياب انتخابات المحليات منذ سبعة عشر عامًا، ولا حياة جامعية في ظل اتحادات طلابية بالتعيين، ولا حياة سياسية بأحزاب تديرها أجهزة الدولة، وأخرى مغلقة في مقارها المكيفة تنتظر إشارات التنسيق وتوزيع الحصص.

 

آن الأوان لإصلاح حقيقي وشامل يعيد الروح إلى الجسد السياسي، لا لتجميل وجهه، فالماشطة -مهما بلغت مهارتها- هتعمل إيه في الوش العكر؟ لماذا يُكتب علينا خمس سنوات أخرى من عمليات النفخ والشد والتجميل!

 

مشاريع الهندسة البرلمانية آيلة للسقوط، والأنظمة لا تُصلحها الاجتماعات التنسيقية ولا الإدارة الموازية ولا عمليات التجميل، بل يعيد بناءها الشعب حين يُستعاد إليه حقه الكامل في الاختيار والمشاركة. 

افتحوا المجال العام وارفعوا أيديكم عن الإعلام والنقابات والأحزاب، واتركوا الإدارة لأهل الإدارة والاقتصاد لأهل الاقتصاد والسياسة لأهل السياسة والإعلام لأهل الإعلام والبرلمان للشعب. أعطوا العيش لخبازه وربنا إنتم الكسبانين!

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية