جارة القمر.. رحيل وحنين الأحبة لا يداويه النسيان!
في مشهد مؤلم ودّعت جارة القمر السيدة فيروز ابنها البكر زياد الرحباني، عاد الحزن يعشش في أروقة الذاكرة، يعيد فتح جراحٍ قديمة لم تندمل بعد. عاد اسم ليال الرحباني، ابنتها التي رحلت باكرًا، إلى الواجهة، وكأن الأحزان تأبى أن تُطوى صفحاتها في بيتٍ اعتاد أن يصنع الفرح بصوت فيروز، ويخفي الوجع خلف الستائر.
ليال، ابنة فيروز وعاصي، كانت الأقرب إلى أمها، تشبهها في الملامح وفي نقاء الروح، فتاة في عزّ شبابها، لم تكن نجمة في السماء الرحبانية كالآخرين، لكنها كانت النور الداخلي، القلب الذي يربط الجميع.
كانت تتحمل مسؤولية رعاية شقيقها هالي بكل حب، رغم أن الدور لم يكن عليها، وكانت في كل تفاصيلها تمتد من ظلال فيروز إلى دفء الأمومة المبكر. في أحد أيام شتاء عام 1988، اجتمعت العائلة تشاهد سهرة تلفزيونية لفيروز، يضحكون ويعلقون ويتبادلون الذكريات، وكأن الحياة قررت أن تمنحهم ليلة وداع دون أن يدركوا.
في صباح اليوم التالي، استيقظت ريما الرحباني متأخرة. مرّت من أمام غرفة ليال، فاستغربت أن شقيقتها لم تذهب إلى عملها كعادتها. نادت عليها فلم تجب. اقتربت منها، ولمست يدها، فوجدتها باردة كأنها خرجت للتو من حضن الثلج. هرعت تبكي وتصرخ، واتصلت بالطبيب، الذي حضر على الفور، لينقل ليال إلى المستشفى حيث دخلت العناية المركزة. ي
يومان فقط، وانطفأ الضوء. انفجار في الدماغ، تمامًا كما حصل مع والدها قبل عامين، طوى حياة ليال في عمر التاسعة والعشرين.
لكن الموت لم يكن هو الألم الوحيد. في لحظات الوداع القاسية، حين كانت ريما تحاول التشبث بالأمل، تقول إن أفراد العائلة، قبيلة الرحابنة كما سمتهم، تجمعوا في المستشفى لا للسؤال عن ليال، بل عن أنفسهم، يسألون الأطباء إن كان المرض وراثيًا. لم تكن ليال حاضرة في قلقهم، كأنها مجرد تفصيلة صغيرة وسط خوفهم الكبير.
وذات صباح سمعت ريما خبر وفاة أختها عبر إذاعة لبنان الحر، بينما كانت ليال لا تزال على قيد الحياة، معلّقة بين السماء والأرض. غضبت، اتصلت بالإذاعة لتجد أن مصدر الخبر هو عمها منصور. كتمت غضبها، كما فعلت كثيرًا، وبلعت وجعها كما ابتلع قلبها صدمة الفقد.
وبعد يوم، رحلت ليال فعلًا. وماتت الصدمة لتبدأ الحقيقة. في ذكرى رحيلها، كتبت ريما رثاءً يقطر وجعًا على صفحتها الخاصة، تقول فيه إن الشجر والطرقات وحتى البحر بكوا مع رحيلها. وإنها، رغم مرور الوقت، لا تزال وحدها تفتش عنها، كأن الحنين لا يقبل النسيان، وكأن الغياب لا ينتهي بالموت.
في موت ليال، كما في موت كل عزيز، عبرة واضحة لا تخطئها العين ولا القلب: أن الحياة ظلّ مؤقت، وأننا نعيش في فسحة ضيقة من الزمن، كل يوم فيها هدية، وكل لحظة قرب من الأحبّة نعمة لا تُقدّر. الموت لا يستأذن، ولا يفرّق، ولا ينتظر منّا أن نقول كلمة الوداع. لذلك، فلنحب أكثر، ولنصمت أقل، ولنعش كما لو أن اللحظة القادمة لن تأتي.. لأننا في النهاية، كلنا راحلون.
وبين رحيل ليال بالأمس ورحيل زياد اليوم، تبدو فيروز كأنها واقفة في وجه الزمن، تفقد أحباءها واحدًا تلو الآخر، وتبقى وحدها تحرس الذاكرة، وتغني للعالم فيما القلب يئن بصمت. بيتٌ اعتاد أن يودّع كثيرًا، وأن يكتب كثيرًا عن الوداع، لكنه حين دخلت الفاجعة إلى أروقته، لم يجد من يواسيه.
قصة ليال ليست فقط عن موتٍ مبكر، بل عن هشاشة الحياة، وعن البرودة التي يمكن أن تملأ الأمكنة فجأة، وتسرق معها من نحب. عن الصمت الذي يخفي وراءه ألف صرخة، والخذلان الذي يمكن أن يتسلل حتى في لحظات الوداع. لكنها أيضًا تذكّرنا بأن لا أحد يعلم متى تنتهي الحكاية، وأن في لحظة ما، قد يتحوّل الضحك الجماعي على سهرة تلفزيونية إلى صمت أبدي..
وكم كانت مؤلمة كلماتك فيروز في رثاء ابنها زياد أمام جثمانه في لحظات الوداع الحزين حيث قالت بحرقة شديدة:
حبيبي حبيبي يا ولداه خاطبني
كيف أراك عريان ولا أبكيك يا ابني
أوجاعك حرقت أكبادي
آلامك حرقت فؤادي
أحياة لوالدتك يا ولداه بعد موتك؟!
هكذا هو الموت كأس كل الناس شاربها.. لم ينج منه إنس ولا جان!
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
