مافيا قتل الأبناء!.. آباء وأمهات يعدمون أولادهم مثنى وثلاث ورباع..وأطباء نفسيون: ظاهرة كارثية تتطلب تدخلا مجتمعيا كيف تحولت الملاذات الآمنة إلى ساحات للإعدام؟!
كانوا ينامون مطمئنين… على بعد خطوات من حضن أبيهم. لم يتخيلوا أن اليد التى أمسكت بأصابعهم يوما لتعلمهم المشي، ستكون ذاتها التى تمتد لتنهى حياتهم.
فى مشهد يصعب تصديقه، تحول البيت – ذلك الركن الذى نلوذ إليه من قسوة العالم – إلى ساحة دم، والقاتل: الآباء.. ما الذى يدفع إنسانا لقتل جزء من روحه؟ كيف تحول الآباء من مصدر أمان إلى سبب فناء؟ فهى ليست لحظة جنون عابرة، بل رحلة طويلة من التراكمات النفسية، والانكسارات الصامتة، والخوف والخذلان، وسقوط القيم من ذاكرة المجتمع، وفق ما كشف عنه خبراء علم النفس والاجتماع والإرشاد الأسري.ليست مواقف عابرة، بل تكاد تتكرر على فترات متقاربة. أحدث هذه الجرائم قتل أب لابنه ثم قتل آخر لأبنائه الثلاثة فى محافظة المنيا، وسبقهما بأيام قتل أم لأبنائها الثلاثة أيضًا بمدينة الشروق القاهرية، وسبقت هذه وتلك جرائم أخرى متشابهة/ البطل فيها أب أو أم أو كلاهما أحيانا. ما الذى حدث؟ كيف تحول الحضن الآمن إلى غرفة إعدام متوحشة؟ فيتو تلقى الضوء على هذه المنطقة المظلمة، بحثًا عن فك الغموض وطرح الحلول وكبح جماح هذه الظاهرة؛ لكيلا تستشرى وتزداد توحشَا.
أبعاد نفسية واجتماعية وراء الجرائم الأسرية
الدكتور كريم عماد الدين استشارى الصحة النفسية أكد أن الجريمة ليست فعلا لحظيا، بل نتاج تراكم نفسى معقد، فالأب عندما يصل لمرحلة يقتل أولاده، فهذا ليس قرارا لحظيا أبدا، بل يمر بمراحل نفسية داخله، متراكمة من ضغوط، واضطرابات فكرية، ومشاعر مختلطة من الخوف، الفشل، وانعدام القيمة.
وأوضح عماد الدين أن للجريمة أبعادا نفسية، أولى بعد “اضطرابات نفسية خفية أو معلنة”، وفى كثير من الحالات، يكون الأب أو الأم بيعانى من اضطرابات نفسية حادة مثل الاكتئاب الحاد، الذهان، اضطرابات الشخصية، أو حتى نوبات ضلالات واضطرابات عقلية مؤقتة، وأحيانا لم يتم تشخيصه رسميا كمريض نفسي، لكن لديه تراكمات من الضغوط النفسية، من الممكن أن تنفجر فجأة فى صورة جريمة عنيفة.
البعد الثانى هو نزعة السيطرة والامتلاك المرضى، فبعض الشخصيات خاصة الذين يعانون من خلل فى الهوية أو ضعف شديد فى تقدير الذات، يتحول الأبناء من كونهم أفرادا مستقلين، إلى “امتداد نفسي” للأب، وبالتالي، لو شعر الأب أن حياته خرجت عن السيطرة أو فقد مكانته أو تعرض لضغوط، قد يرى أن قتل الأبناء نوع من “إثبات السيطرة المطلقة”، بشكل مرضى ومنحرف تماما.
البعد الثالث هو العنف كاستجابة لضغط الإخفاقات، موضحا فى مجتمعاتنا، الرجولة مرتبطة بالنجاح، السيطرة، والقدرة على إعالة الأسرة، فعندما يتعرض الأب لإخفاقات متراكمة سواء مادية، اجتماعية، أو شخصية، من ممكن أن يصاب بانهيار نفسى داخلي، يؤدى لتصرفات عدوانية تصل للقتل، كنوع من الانفجار أو الانتقام من الذات عن طريق تدمير أغلى ما يملك: أولاده.
كما أن الجريمة لها أبعاد اجتماعية، وفق ما أكده دكتور علم النفس، وهى تآكل الدعم الأسرى والمجتمع، ففى أغلب الحالات تظهر فى بيئات معزولة، فيها ضعف روابط اجتماعية، أو غياب الحوار داخل الأسرة، وغياب الأمان الاجتماعي، وتفكك الروابط الأسرية بما يساهم فى غليان نفسى غير مرئي، ممكن ينفجر فجأة فى جرائم مفجعة.
البعد الاجتماعى الثانى هو الضغوط الاقتصادية وتأثيرها، موضحا معدلات الجريمة من هذا النوع تتزايد غالبا فى ظل الأزمات الاقتصادية الشديدة، وبالتالى تتحول الضغوط اليومية لحالة من فقدان الأمل التام، خاصة إذا رأى الأب نفسه غير قادر على توفير الحد الأدنى لأسرته.
البعد الاجتماعى الثالث هو ضعف الوعى النفسى والعلاج المبكر، ففى كثير من الحالات، تظهر مؤشرات خطر واضحة، مثل تهديدات متكررة من الأب بقتل النفس أو الآخرين، نوبات عنف غير مبرر، انفعالات غير متزنة، ولكن مع غياب الوعى المجتمعى بأهمية الصحة النفسية، يتم تجاهل تلك التحذيرات، حتى تقع الكارثة.
حذر الدكتور شحاتة زيان، أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث ورئيس قسم الجريمة بالمركز، من التحولات الاجتماعية والنفسية العميقة التى يشهدها المجتمع المصري، مؤكدا أن “المجتمع بدأ يتحول تدريجيا من الاعتماد الكامل على الحكومة إلى الاعتماد على النفس، لكنه لم يعد نفسه نفسيا واجتماعيا لهذا التحول، مما خلق حالة من الارتباك والضغط النفسى لدى كثيرين”.
وأضاف زيان أن التغيرات المناخية باتت تمثل أحد العناصر المساعدة فى ارتكاب الجرائم، خاصة لدى الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو ضغوط حياتية قاسية، وقال: “التغيرات المناخية لا تؤدى بالضرورة إلى ارتكاب الجريمة، لكنها تشكل عاملا مساعدا ومحفزا، خاصة إذا توافرت لدى الشخص دوافع نفسية داخلية، وظروف بيئية تدفعه لذلك”.
وتابع: “فى كثير من الحالات، نجد أن الجانى نشأ فى بيئة قاسية نفسيا، افتقرت إلى الحنان والأمان فى الطفولة، وهو ما يولد داخله شعورا بالاغتراب والرغبة فى التمرد على المجتمع، وقد يتحول لاحقا إلى ميول إجرامية”.
وشدد الدكتور شحاتة على أن التفكك القيمى داخل الأسرة يعد من أبرز العوامل المؤدية لانحراف الأبناء، قائلا: “الانفتاح التكنولوجى دون ضوابط، ساهم فى تآكل القيم داخل كثير من الأسر، ما أدى إلى خروج أجيال كاملة إلى المجتمع دون أن تتشبع بالهوية الوطنية أو التقاليد الراسخة، الأمر الذى جعلهم أكثر عرضة للانجراف خلف سلوكيات سلبية وخطيرة”.
واختم زيان تصريحه بتأكيده على أن “الوطن يمر بمرحلة فارقة وغاية فى الخطورة، وهو ما يتطلب وضع استراتيجيات شاملة للحفاظ على تماسك الأسرة، ومواجهة التخثر القيمى داخل المجتمع، عبر برامج تقوم على الفهم العميق لواقع الأسرة، وتعمل على التقريب والتوعية، لا القمع والتوبيخ”.
خلل عميق
قال الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسي، إن تصاعد جرائم قتل الآباء لأبنائهم فى المجتمع المصرى يعكس خللا عميقا فى البنية النفسية والاجتماعية، يعود إلى مجموعة من العوامل المركبة والمتراكمة على مدار عقود.
وأوضح فرويز أن المجتمع المصرى يمر حاليا بمرحلة “انهيار ثقافي”، بدأت جذورها منذ سبعينيات القرن الماضي، مع دخول ثقافات وافدة كالثقافة الوهابية، التى اندمجت بشكل سلبى مع الثقافة النهرية المصرية المعروفة تاريخيا بالاحتواء والتسامح والسلام الاجتماعي، وأكد أن هذا التداخل الثقافى أفرز نماذج مشوهة سلوكيا، ساهمت فى انهيار القيم الأخلاقية، وتآكل العلاقات الاجتماعية والأسرية.
وأضاف أن هذا الانهيار المجتمعى انعكس بشكل مباشر على تماسك الأسرة، ما أدى إلى تصاعد التوترات داخل البيت الواحد، وبالتالى تفاقم حالات العنف الأسري، وصولا إلى ارتكاب جرائم بشعة، من بينها قتل الآباء لأبنائهم.
وأكد فى ختام تصريحاته، أن معالجة هذه الظواهر لا يجب أن تقتصر على البعد الأمنى أو القانوني، بل تحتاج إلى مراجعة جذرية للبنية الثقافية والتعليمية والدينية والإعلامية، إلى جانب دعم خدمات الصحة النفسية، وتوعية الأسر بكيفية التعامل مع الضغوط وتربية الأبناء فى بيئة صحية متوازنة.
الأسر تحتاج لمستشار نفسى واجتماعي
أكدت الدكتورة نادية جمال، استشارى العلاقات الأسرية والإرشاد النفسى، أن الحوادث الصادمة التى شهدها المجتمع مؤخرا، وعلى رأسها جرائم قتل الأبناء داخل الأسر، لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة تراكمات نفسية واجتماعية طويلة تم تجاهلها، حتى انفجرت فى لحظات عنف لا رجعة فيها.
وفى تصريحات خاصة، أوضحت استشارى العلاقات الأسرية أن “الزمن تغير، والتمسك بالقيم والعادات الأسرية بدأ يتراجع تدريجيا تحت ضغط الحياة اليومية، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التى سلطت الضوء على الجرائم وأحيانا روجت لطريقة تنفيذها دون وعي، فبدأت مفاهيم مثل الأسرة والحب والاحتواء تفقد معانيها لدى البعض”.
وأضافت: “من الجانب النفسي، لحظة ارتكاب الجريمة فى حق أقرب الناس – كالأبناء – لا تحدث فجأة، بل هى آخر محطة فى مسار طويل من الانهيارات النفسية، تبدأ بالضغوط الاقتصادية والنفسية، يمر الشخص بمشاعر فشل وإحباط، ويعجز عن الوفاء باحتياجات أسرته، فيبدأ يفقد السيطرة تدريجيا.”
وأشارت إلى أن بعض الأشخاص قد يعانون من اضطرابات فى الشخصية تجعلهم غير قادرين على التحكم فى الغضب أو إدارة انفعالاتهم، وهو ما يؤدى بهم إلى ارتكاب أفعال عنيفة يندمون عليها لاحقا – ولكن بعد فوات الأوان.
من الناحية الاجتماعية، شددت نادية على أن “البيئة عامل رئيسى فى تكوين سلوك الإنسان، موضحة الطفل الذى ينشأ فى بيت تسوده المشاحنات، أو فى منطقة تنتشر فيها الخناقات واستخدام السلاح، يكتسب سلوكا عدوانيا تلقائيا، ويتعامل مع فكرة العنف كوسيلة طبيعية لحل النزاعات، سواء داخل أسرته أو فى المجتمع.”
وتابعت: “فى مجتمعات وأسر كثيرة، يتم تلقين الأطفال أن من لا يرفع صوته، أو لا يمد يده، فهو ضعيف، فيكبر الأبناء وهم مؤمنون بأن العنف هو السبيل الوحيد لاستعادة الحقوق أو فرض السيطرة، ويترسخ هذا السلوك فى وعيهم”.
وفى ملف شديد الخطورة، تحدثت” نادية” عن الإدمان بوصفه أحد أخطر المحركات الخفية وراء جرائم العنف داخل الأسرة، قائلة: “أحيانا، بعض الآباء يهربون من مشكلاتهم الشخصية والعائلية بالمخدرات، خاصة الأنواع الحديثة زهيدة الثمن، التى باتت فى متناول الجميع، فتسيطر على وعيهم وتدفعهم إلى ارتكاب تصرفات كارثية وهم غائبون عن الإدراك تماما.”
وحذرت من أن “المخدرات الجديدة تدمر خلايا المخ وتغير طريقة التفكير بالكامل، وقد يتصرف الشخص تحت تأثيرها بشكل عدوانى أو مميت دون أن يدرك ماذا يفعل.”
وعن الأمراض النفسية المرتبطة بجرائم العنف الأسري، أوضحت استشارى العلاقات الأسرية أن أبرزها: الاكتئاب الحاد المصحوب بأفكار عدوانية، اضطراب الشخصية النرجسية، والمشاعر الدونية التى تجعل بعض الآباء يشعرون بالغيرة أو الإهانة من أبنائهم إذا تفوقوا عليهم بأى شكل، سواء دراسيا أو اجتماعيا.
كما لفتت إلى أن الطفولة المؤلمة التى يتعرض فيها الشخص إلى العنف والتحقير والإهمال قد تخلق داخله شخصية غير متزنة، تكبر مع عقد متراكمة، وتنفجر لاحقا فى لحظات فقدان للسيطرة، مؤكدة أن فقدان الأبوين للسيطرة على الأبناء، خاصة عند دخول الأبناء فى مرحلة الاستقلال بالرأى والقرار، قد يدفع بعض الشخصيات الضعيفة نفسيا إلى العنف كرد فعل على شعورهم بالعجز داخل الأسرة.
استشارى العلاقات الأسرية اختتمت كلامها بالتأكيد على أن الحل يكمن فى الدعم النفسى والتأهيل السلوكي، وأن الأزواج بحاجة إلى كورسات تأهيل نفسي، قائلة “لازم كل شخص يتعلم إزاى يدير مشاكله ويتعامل مع أولاده وشريكه، التراكمات النفسية بدون علاج تحول لقنابل موقوتة داخل البيت، لو معندكش حد قريب حكيم تستشيره، لازم تلجأ لمتخصص، سواء من خلال استشارات أسرية أو نفسية، احنا فى زمن محتاج دعم نفسى بشكل دائم.”
لابد من تدخل عاجل للدولة ورجال الأعمال
قال الخبير الاقتصادى خالد الشافعى إن ما نشهده مؤخرا من تكرار لجرائم قتل الآباء لأبنائهم لا يمكن اختزاله فقط فى الضغوط الاقتصادية أو موجات الغلاء، رغم شدتها وتأثيرها، بل هو انعكاس مباشر لتغيرات عميقة فى مفاهيم المجتمع، وتراجع واضح فى منظومة القيم، وتغييب لدور التعليم الدينى المستنير.
وأضاف الشافعى أن الأزمة لا تتعلق فقط بتضخم الأسعار أو العجز عن تلبية احتياجات الأبناء، بل هناك خلل أكبر وأخطر داخل الأسرة المصرية، يتمثل فى غياب فكر دينى يربى على الصبر والاحتساب، ويعلّم كيف نواجه الابتلاءات لا أن ننهار أمامها. مستشهدا بقول الله تعالى: لا تقتلوا أولادكم فى إملاق نحن نرزقكم وإياهم، مؤكدا أن هذا التوجيه الإلهى يغفل تماما فى ظل طغيان المادة وضعف التوعية الدينية.
وشدد الشافعى على أن الدولة مطالبة بتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية وتخفيف الأعباء عن المواطن البسيط، لا سيما فى القرى والمناطق المهمشة، إلى جانب دعوة رجال الأعمال للقيام بدورهم المجتمعى وتحمل جزء من المسؤولية الوطنية، خاصة فى أوقات الأزمات.
كما طالب الشافعى بعودة قوية لرجال الدين إلى المشهد، ليس فقط من خلال المنابر، بل عبر خطاب عصرى مستنير يلامس واقع الناس، ويعالج التحديات اليومية التى يواجهونها داخل بيوتهم، مؤكدا أن “الأب لا يقتل ابنه إلا حين يفقد الإيمان والأمل والعقل، وهذه ثلاثية لا يجب أن نسمح بانهيارها داخل الأسرة المصرية”.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
