رئيس التحرير
عصام كامل

مع الزاهدين.. أبو الحسن الشاذلي، عالم الشريعة وقطب الحقيقة

مسجد الشاذلي في وادي
مسجد الشاذلي في وادي حميثرا بمرسى علم، فيتو
18 حجم الخط

كان صاحب مدرسة فريدة في الزهد، فقد كان يطبق الزهد كما كان رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، يحث عليه، وهو الزهد مع القدرة وامتلاك الأموال، والزهد مع توافر الإمكانيات المادية، وليس الزهد بسبب الفقر.
هو تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار، ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما.
أسس الطريقة الشاذلية، أشهر الطرق الصوفية، وينتمي إليها الملايين في كافة أنحاء العالم، وله ألقاب كثيرة منها: الشيخ الإمام، حجة الصوفية، وعلم المهتدين، زين العارفين، أستاذ الأكابر، والعالم بالله والدال عليه، القطب الغوث الجامع.
كان مولده سنة 571 هـ، بالمغرب الأقصى،  ببلدة على القرب من تونس تسمى “شاذلة”، له السياحات الكثيرة والمنازلات الجليلة والعلوم الكثيرة، لم يدخل في طريق الله حتى كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة.

الزهد الصحيح

كان الشاذلي آدم اللون، نحيف الجسم، خفيف العارضين. 
وكان فصيح اللسان عذب الكلام، يلبس الفاخر من الثياب، ويتخذ الخيل الجياد، وكان لا يعجبه الزي الذي اصطلح عليه الفقراء، ولا يتخذ المرقَّعات التي يتخذها الصوفية.

وكان يقول في ذلك: "إن اللباس ينادي على صاحبه؛ فيقول: أنا الفقير فأعطوني. وينادي على سر الفقير بالإفشاء؛ فمن لبس الزي واتخذ المرقعة فقد ادعى".

نشأته وتعليمه

رحل إلى "زرويلة" قرب تونس عام 602 هـ وعمره عشر سنوات، وأخذ عن شيوخها ثم نزل "شاذلة"؛ من قرى تونس، وتزود من علمائها، وصار يتردد على مشيخة تلك الديار ويأخذ عنهم علوم الشريعة على مذهب الإمام مالك، والنحو، والصرف، والتفسير، والحديث، وعلم الكلام، وأخذ عنهم آداب الطريقة، ومبادئ السلوك.

وكان الشاذلي كثير السياحات في بلاد إفريقية، فدخل "القيروان" وغيرها من المدن الحافلة بالعلماء والفضلاء، فتفتحت له أبواب الحقائق، واتسعت أمامه ميادين المعرفة.

ثم تابع رحلاته إلى المشرق، فدخل العراق عام 618 هـ، وعمره خمس وعشرون عامًا، واجتمع بطائفة من الصالحين منهم أبو الفتح الواسطي الذي دله على القطب وأنه ببلاده.

ومن المعروف أن الشيخ أبا الفتح الواسطي هو أحد أقطاب الطريقة الرفاعية وجاء يدعو لها بعد ذلك بمصر وهو والد السيدة فاطمة أم الشيخ إبراهيم الدسوقي رضى الله عنهما.

ثم عاد إلى المغرب (فاس) ثم صحب الشيخ عبد السلام بن مشيش وأخذ عنه أصول السلوك.
وقال رضى الله عنه: رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في المنام، فقال لي: يا علي، قلت: لبيك يا رسول الله، قال لي: انتقل إلى الديار المصرية تربي فيها أربعين صديقًا.
وكان ذلك في زمن الصيف وشدة الحر، فقلت: يا سيدي يا رسول الله، الحر شديد، فقال لي: الغمام يظلكم، فقلت: يا حبيبي، أخاف العطش، فقال لي: إن السماء تمطركم كل يوم أمامكم، قال: ووعدني في طريقي بسبعين كرامة، قال: فأمر أصحابه بالحركة وصار متوجهًا إلى المشرق، وكان ممن صحبه في سفره الشيخ الصالح الولي أبو عبد الله يونس بن السماط.

ضريح أبي الحسن الشاذلي، فيتو
ضريح أبي الحسن الشاذلي، فيتو

عاد أبو الحسن الشاذلي إلى مصر في سنة 642 هـ -1244 م في عهد الملك الصالح أيوب.

وجاء معه خاصة أتباعه، وعلى رأسهم أبو العباس المرسي وأخوه جمال الدين، وأبو العزائم ماضي بن سلطان، تلميذ الشيخ وخادمه، والحاج محمد القرطبي، وغيرهم.

وقد استقر بهم المقام في الإسكندرية، واتخذ الشيخ دارًا بإزاء قلعة الديماس "كوم الدكة"، وأقام بها هو وأصحابه.

وقال رضى الله عنه: لما وصلت إلى الديار المصرية قلت: يا رب، أسكنتني ببلاد القبط أدفن بينهم؟! فقيل لي: يا علي، تدفن في أرض ما عُصيت عليها قط.

أما مسكنه الذي انتقل إليه بعد ذلك في الإسكندرية، فكان في برج من أبراج السور، خصصه له الملك الصالح نجم الدين أيوب. وتزوج هناك وولد له أولاد، وبنات.

في مسجد العطارين

وكان يلقي دروسه بجامع العطارين بالإسكندرية. وكان يحضر عليه أجلاء العلماء وأكابر الفضلاء، ويرشد المريدين، ويعقد حلقات الذكر والوعظ والتهذيب.
وكان يلازمه الشيخ أبو العباس في رحلاته، أو يلحق به في إقامته ثم يعودان إلى الإسكندرية، وكانت دروس الشيخ أبي الحسن بمسجد المقياس بالروضة وبالمدرسة الكاملية بالقاهرة التي كانت بخط بين القصرين على رأس الشارع الموصل إلى بيت القاضي بشارع المعز لدين الله بحي الجمالية.

وكان درسه مظهرًا من مظاهر العظمة والجلال، فكانت مجالسه لا تزال غاصة بأكابر العلماء، وفطاحل الفقهاء، أمثال الشيخ: عز الدين بن عبد السلام، والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، والشيخ زكي الدين عبد العظيم المنذري، والشيخ أبي عمرو عثمان بن الحاجب، وابن الصلاح، وابن عصفور وغيرهم.

وكان رضى الله عنه: عابدًا متبتلًا، داعيًا إلى الله ورسوله، ويعتبر الجهل والرضا به من أكبر الكبائر.

قيمة العمل

كان يحث على السعي والأخذ بالأسباب في طلب الرزق، ولا يرضى لتلاميذه بالتعطل والسؤال، إيمانًا بأن الإسلام لا يرضى بالتواكل والكسل، وبأن يكون المرء عالة على غيره يتكفف الناس، سواء أعطوه أو منعوه، وكان جوادًا كريمًا يكره البخل.
كما كان مكافحًا يشتغل بالزراعة، من حرث وغرس وحصاد.
وروى الشيخ ياقوت العرش عن شيخه أبي العباس المرسي أن أبا الحسن كان يحج في كل سنة، ويجعل طريقه على صعيد مصر، ويجاور بمكة شهر رجب وما بعده إلى انقضاء الحج، ويزور الروضة الشريفة، ثم يعود.

وفاته

قبل أن يلقى ربه، طلب من خادمه: استصحب فأسًا وقفة وحنوطًا وما يجهز به الميت؟ فقال له: ولماذا يا سيدي؟ فقال: في حميثرا سوف ترى!.

وما أن وصل إلى حميثرا حتى اغتسل الشيخ، وصلى ركعتين، وقبضه الله في آخر سجدة من صلاته، ودفن هناك.

قال ابن بطوطة: وقد زرت قبره وعليه قبرية مكتوب فيها اسمه ونسبه متصلًا بالحسن بن علي، رضى الله عنهما.
وقد قام أصحابه، وعلى رأسهم الشيخ أبو العباس بتجهيزه والصلاة عليه ومواراته في التراب في قبره، الذي لا يزال معروفًا به إلى الآن، ونشأ حوله مجتمع يزداد اتساعا، وأنشئت قرية “أبو الحسن الشاذلي”، تتبع مدينة مرسى علم. ويقام له في كل سنة مولد حافل.

وتؤكد الروايات أن وفاته كانت صبيحة يوم الثلاثاء السادس من شوال عام 656 هـ.

وكان قد جمع أصحابه في تلك العشية فأوصاهم بأشياء، وأوصاهم بحزب البحر، وقال لهم: حفِّظوه أولادكم فإن فيه اسم الله الأعظم، وخلا بسيدي أبي العباس المرسي وأوصاه بأشياء، واختصه بما خصه الله به من البركات، وقال لهم: إذا أنا مت فعليكم بأبي العباس المرسي فإنه الخليفة من بعدي وسيكون له مقام عظيم بينكم، وهو بباب من أبواب الله تعالى. 
قال: فلما كان بين العشاءين فقال لابنه: يا محمد، املأ لي إناء بالماء من هذا البئر، فقلت له: يا سيدي، ماؤها مالح والماء عندنا عذب، قال: ائتني منها فإن مرادي غير ما أنت تظن، قال: فأتيته منها بالماء فشرب منه ومضمض فاه ومج في الإناء، ثم قال لي: اردده إليه فرددته إليه فحلا ماء البئر وعذب وكثر ماؤه بإذن الله تعالى، وهو ماء تلك الأرض إلى قيام الساعة ببركة الشيخ.
وبات متوجهًا إلى الله تعالى تلك الليلة ذاكرًا متضرعًا وسمعته يقول: إلهي إلهي حتى انشق الفجر، فلما كان وقت السحر سكت فظننا أنه نام، فكلمناه فلم يتكلم، فحركنا فلم يتحرك، فوجدناه ميتًا رحمه الله تعالى.
فاستدعينا سيدي أبا العباس المرسي فغسله وصلينا عليه ودفناه بحميثرة.
وهذا الموضع في برية عيذاب في واد على طريق الصعيد قال: فلما دفناه رحمه الله تعالى اختلفوا في الرجوع أو التوجه، فقال سيدي أبو العباس المرسي: الشيخ أمرني بالحج ووعدني بكرامات، فتوجهنا للحج ورأينا تهوينات ورجعنا صحبته وظهر من بعده ظهورًا عظيمًا وظهرت لنا بركات كثيرة.

وروى الشيخ أبو العزائم ماضي: سمعت الشيخ يقول: اللهم متي يكون اللقاء؟ قال: فقيل لي: يا علي، إذا وصلت إلى حميثرة فحينئذ يكون اللقاء، قال: رأيت كأني أدفن إلى ذيل جبل بإزاء بئر ماؤها قليل مالح فوقع في نفسي شيء، فخوطبت في سري: يا علي، ماؤها يكثر ويعذب.

وروي عن أبي العباس المرسي: أن الشيخ أبا الحسن لم يمرض ولكن وعك يومًا وانحرف مزاجه فطلب ماء للوضوء ودخل في الصلاة ثم قبض في السجدة الأخيرة.

طريق الحج القديم

ظل حجاج مصر والمغرب أكثر من مائتي سنة يتوجهون إلى الحجاز عن طريق عيذاب، ثم توقف سلوك هذا الطريق في سنة 766 هـ.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية