رئيس التحرير
عصام كامل

مع الزاهدين، عبد الله بن المبارك

عبد الله بن المبارك،
عبد الله بن المبارك، فيتو
18 حجم الخط

عبد الله بن المبارك، هو أجلُّ أهل زمنه وأعلاهم تحليًا بالخصال الحميدة. حرص على أن يقطف كل ما فى وسعه من مختلف بساتين المعرفة.
لم يجنح به زهده إلى ما يخالف شرع ربه. تجاذبه الجميع، فضمه السلفيون إلى طليعة "أهل السنة والجماعة"؛ لفقهه وروايته الحديث النبوي، وجذبه المتصوفة إلى ساحتهم متمثلين بزهده وورعه وكراماته، فعدّوه أحد رعيلهم الأول. 
أما هو فقد قدم نموذجًا للمتصوف العامل، الذي لا تكفيه الحقيقة عن الشريعة، ولا تمنعه الشريعة من الحقيقة، ولا تسقطه أحواله فى البدع.

قالوا عن ابن المبارك

قال عنه معاصروه: "جمع العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والشعر والفصاحة والزهد، والورع والإنصاف، وقيام الليل والحج والغزوة والفروسية والشجاعة، والشدة فى بدنه، وترك الكلام فيما لا يعنيه، وقلة الخلاف على أصحابه".
ولهذا قال عنه ابن حبان: "كان فيه خصال لم تجتمع فى أحد من أهل العلم فى زمان فى الأرض كلها".
وقال عنه إسماعيل بن عباس: "ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها فيه".
وقال عطاء بن مسلم: "ما رأيت مثله، ولا ترى مثله".
وقال عنه الجليلى فى الإرشاد: "له من الكرامات ما لا يحصى.. إنه من الأبدال".

عام رباني

وقال الخطيب البغدادى: "كان ابن المبارك من الربانيين فى العلم الموصوفين بالحفظ ومن المذكورين بالزهد".
وقال عبدالرحمن بن المهدى: "ما رأيت أعلم بالحديث من سفيان الثورى، ولا أحسن عقلًا من مالك، ولا أقشف من شعبة، ولا أنصح لهذه الأمة من عبدالله بن المبارك".
وقال الأسود بن سالم: "كان ابن المبارك إمامًا يقتدى به، وكان من أثبت الناس فى السُّنة إذا رأيت رجلا يغمز ابن المبارك بشىء فاتهمه على الإسلام".

طلبه للعلم

رحل إلى جميع الأقطار التى كان مشهودًا لها بالنشاط العلمى فى عصره؛ طلبا للعلم. 
أتيح له أن يأخذ العلم عن بعض أعلامه مثل مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأبى حنيفة النعمان، وهنا قال عنه عبدالرحمن بن أبى حاتم: "كان ابن المبارك ربع الدنيا بالرحلة فى طلب الحديث، لم يدع اليمن ولا مصر ولا الشام ولا الجزيرة والبصرة ولا الكوفة".
وقد شهد له أحمد بن حنبل بذلك أيضًا، وأثنى عليه، إذ قال: "لم يكن أحد فى زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه".

الزهد والورع

كان الزهد أساسا فى مسلك ابن المبارك واعتقاده، فقد آمن بأن الزهاد هم الملوك الحقيقيون، وأن "سلطان الزهد أعظم من سلطان الرعية، لأن سلطان الرعية لا يجمع الناس إلا بالعصا، والزاهد ينفر من الناس فيتبعوه".
وكان ينصح من يتبعه: "دعواك الزهد لنفسك يخرجك من الزهد"، وكان يردد: "لأن أرُدَّ درهمًا من شبهة أحبُّ إلى من أن أتصدق بستمائة ألف".
وكان يقول كذلك: "كيف يدعى رجل أنه أكثر علمًا، وهو أقل خوفًا وزهدًا؟!".
وكان يقول تواضعا: "أُحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الطالحين، وأنا أشر منهم".

الدنيا سجن المؤمن

وكان يصف الدنيا: "الدنيا سجن المؤمن، وأعظم أعماله فى السجن الصبر وكظم الغيظ، وليس للمؤمن فى الدنيا دولة، وإنما دولته فى الآخرة".
وكان كل ما يطلبه فى حياته هو ما يقيم أوده، يومًا بيوم، فلديه "ليس من الدنيا إلا قوت اليوم فقط".

مع النبى وأصحابه

وكان ابن المبارك يكثر الجلوس فى بيته فسأله أحدهم: "ألا تستوحش؟"، فأجاب: "كيف أستوحش وأنا مع النبى وأصحابه؟".
كذلك كان يعتزل مجالس المنكر واغتياب الناس فقيل له: "إذا صليت معنا لِمَ لا تجلس معنا؟"، فردّ: "أذهب مع الصحابة والتابعين".
قيل له: "ومن أين الصحابة والتابعون؟"، فأجاب: "أذهب أنظر فى علمى فأدرك آثارهم وأعمالهم، فما أصنع معكم وأنتم تغتابون الناس".
وكان إذا قرأ أحد كتب الوعظ يذكِّره بالآخرة وبالجنة والنار، وبالوقوف بين يدى الله للحساب، بكى بكاء شديدًا، واقشعر جسمه، وارتعدت فرائصه، وسرى فى نفسه حزن.

المجاهد المرابط

وكان ابن المبارك مجاهدًا فى سبيل الله، وكان يحج عامًا ويغزو عامًا، وما نزل بلدًا فى رحلته لطلب العلم ثم سمع منادي الجهاد إلا تجهز وخرج. 
وكان يعيب على النساك والزهاد قعودهم عن الجهاد، وسوء فهمهم لمعنى العبادة.
يُحكى عنه أنه لما كانت السنةُ التى يحجُّ فيها خرج بخمسمائة دينار الى موقف الجمال ليشترى جملا، فرأى امرأة على بعض الطريق تنتف ريش بطة (ميتة)، فتقدم اليها وسألها ماذا تفعلين؟!
فقالت: يرحمك الله؛ لى أربع بنات مات أبوهن من قريب، وهذا اليوم الرابع ما أكلن شيئا وقد حلت لنا الميتة، فأخذت هذه البطة أصلحها وأحملها إلى بناتي، فقال عبد الله فى نفسه: ويحك يا ابن المبارك أين أنت من هذه؟!
فأعطاها الدنانير التى كانت معه ورجع إلى بيته ولم يحج هذه السنة، وقعد فى بيته حتى انتهى الناس من مناسك الحج، وعادوا الى ديارهم فخرج عبد الله يتلقى جيرانه وأصحابه، فصار يقول لكل واحد منهم: قبل الله حجتك وشكر سعيك.
فقالوا لعبد الله: وأنت قبل الله حجتك وشكر سعيك، إنا قد اجتمعنا معك فى مكان كذا وكذا (أي أثناء تأدية مناسك الحج).
وأكثر الناس القول فى ذلك فبات عبد الله مفكرا فى ذلك فرأى النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فى المنام، وهو يقول: يا عبد الله لا تتعجب فإنك أغثت ملهوفا فسألت الله عز وجل أن يخلق على صورتك ملكا يحج عنك.

وفاته

فى أحد أيام شهر رمضان سنة 181هـ، تُوفي عبدالله بن المبارك، وهو عائد من الجهاد، وكان عمره 63 عامًا. 


ويقال: إن هارون الرشيد لما بلغه نبأ موته، قال: "مات اليوم سيد العلماء".

أما الفضيل بن عياض، فقال لما بلغه نبأ موت ابن المبارك: "رحمه الله، إنه ما خلف بعده مثله".
وبعد موته روى زكريا بن عدي، قائلًا: "رأيت ابن المبارك فى المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي برحلتي فى الحديث".
 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية