المجددون، محمد بن سيرين راوي الحديث ورائد تفسير الأحلام
عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها".
ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني.
ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينة والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف.
وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين.
محمد بن سيرين (33 هـ - 110 هـ)
اعتبره ابنُ الأثير الجزري، والذهبي، ومحمد شمس الحق العظيم آبادي، أحد المجددين على رأس المائة الأولى بصفته أحد فقهاء البصرة.
هو أبو بكر "محمد بن سيرين" البصري، يُعَدُّ رائد علم تفسير الأحلام في الإسلام، حيث جمع بين معارف اللغة والحكمة والبصيرة البعيدة التي مكنته من تأسيس ريادته في هذا "الفن" مثلما كان سيدنا يوسف، عليه السلام، في عصره.
وُلِدَ ابن سيرين في البصرة عام 33 هجرية، الموافق 653 ميلادية، وتُوُفِّي عام 110 هجرية، الموافق 729 ميلادية، حيث عاش قرابة 77 سنة.
مع الحسن البصري
عُرِفَ بصداقته مع الناسك الصوفي الحسن البصري (21 – 110 هـ)، وقد توفي بعده بمائة يوم فقط، وكلاهما اختطَّ طريقًا لا يختلف عن صديقه، كثيرًا في فتح مساحة للتأمل خارج مألوف الناس، لكن يُروى أنهما تهاجرا لسبب غير معلوم، في آخر الأيام، وقد مات الحسن، ولم يشهد صديقُه جنازتَه.
ينتمي جَدُّه "ابن سيرين" إلى منطقة جرجرايا الواقعة بين وسط وبغداد بشرق نهر دجلة، وكان مولدُ الحفيد أبوبكر في سنوات الخليفة الثالث عثمان بن عفان، حيث وُلِدَ قبل توليه الخلافة بعامين.
طالع للمزيد: مقامات ومزارات.. ابن سيرين إمام الحديث والفقه وأستاذ تفسير الأحلام
وقع والد أبوبكر بن سيرين في الأسر بعد معركة "عين التمر" التي وقعت سنة 12 هجرية، بين جيش خالد بن الوليد وجيوش الساسانية والفرس غرب مدينة الأنبار، فاشتراه أنس بن مالك، رضي الله عنه.
والدته اسمها صفية، عُرِفت بالصَّلاح، وكانت أمةً لأبي بكر الصديق، قبل أن يعتقها.
ربطت ابن سيرين حبٌّ واحترامٌ مع أمه، حيث كان كل من يراهما يلحظ شدة بره بها، وكان شديد التأدُّب معها ولا يرفع صوته أمامها أبدًا.
نشأته
نشأ ابن سيرين في بيت نهل فيه العلم مباشرة عن عددٍ من الصحابة، ومنهم: زيد بن ثابت، وعمران بن الحصين، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وعبد الله بن الزبير.
عُرِفَ ابنُ سيرين بشعرِهِ المخضَّبِ بالحِنَّاء، وكان علامةً مميزةً له وقد كان قصير القامة، به بعض من الصَّمم، لكن ذلك لم يحُلْ دون معاشرته للناسِ، حيثُ عُرِفَ بالمزاح البريء وكثرة الضحك.
خشيته لله
كان كثير البكاء في الليل في بيته، من خشية الله.
كما كان كثير الصيام، وقيل إنه كان يصوم يومًا ويفطر يومًا وهذا أحب الصيام إلى الله وهو صيام داود، ولا يتعشَّى ليلة الصوم.
وكان دائم الذكر والدعاء لله، وكانت له سبعة أوراد يقرؤها بالليل، فإذا فاته منها شيء قرأه في النهار، وكان يحيي الليل في رمضان.
جعل ابن سيرين على نفسه كلما اغتاب أحدا أن يتصدق بدينار، وكان إذا مدح أحدا قال: هو كما يشاء الله، وإذا ذمَّه قال: هو كما يعلم الله، بالإضافة إلى حبه للعلم وقد عاشر العديد من العلماء في عصره.
روايته للحديث الشريف
يعد ابن سيرين من أشهر محدثي البصرة وحفاظها في رواية الحديث ودرايته، وكان من المكثرين لرواية الحديث النبوي الشريف، لذلك كان يعتبر من أشهر من دارت عليهم الرواية في البصرة، ويكفي أن أصحاب الصحيحين والسنن الأربعة أخرجوا أحاديثه.
وبلغ عدد مروياته في الكتب التسعة (874) حديثًا.
أدرك ابن سيرين ثلاثين من الصحابة، وروى الحديث عن بعضهم وعن بعض التابعين، فمن الصحابة الذين روى عنهم: أبو هريرة، أنس بن مالك، عبد الله بن عمر، وعدي بن حاتم، عمران بن حصين، وغيرهم.
وأنجب حوالي 30 ولدًا، ولم يبق منهم سوى عبد الله الذي قضى ديْن والده بعد وفاته، وكان قدره 30 ألف درهم.
علاقته بأنس بن مالك
ارتبط أبوه بعلاقة قوية مع الصَّحابي أنس بن مالك، أما الابن فقد نهل العلمَ عن أنس، وعاد للتعرف به في فارس، حيثُ عَمِلَ معه ككاتب، وقد ربطتهما علاقةٌ قويةٌ ومودةٌ كبيرةٌ.
وقد أوصى أنس بأن يُصَلِّي عليه ابنُ سيرين دونَ سواه، وأن يقومَ بغسله، ولكن لمَّا ماتَ أنسٌ بالبصرةِ سنة 83 هجرية أيام الوليد بن عبد الملك، كان ابن سيرين قيد السجن.
فاستأذن أهله الأمير وهو رجل من بنى أسد، فأتى بابن سيرين من السجن حيث صلى على أنس، ثم أعيد لسجنه.
موهبته في تفسير الأحلام
يعتبر مؤلفه الأساسي "منتخب الكلام في تفسير الأحلام"، مرجعًا مهمًا إلى اليوم، وإذا كانت مرجعيات ابن سيرين في التفسير لا تزال غامضة إلى اليوم، ولم تتم إضاءتها بدراسات كافية تكشف عن عبقريته في هذا المجال وريادته، إلا أن الواضح عنده أن كان يتبع في التأويل المعنى الدلالي المباشر.
حيث جمع بين التأويل وقراءة خاطر الإنسان؛ ما يعطي دلالة الحلم الذي يسمعه من صاحبه،فكان يفسر للناس مباشرة أحلامهم في الأسواق وفي مجلسه.
وكان جريئًا في تفسير الأحلام حتى على الحكام، وتعرَّض بسبب ذلك للمتاعب لكنه لم يتراجع.
جاءه رجل فقال: رأيت كأني أؤذن، فقال: في نيتك أن تسرق. وجاءه رجل آخر يسأل عن نفس الرؤيا الأولى وكان صاحب الرؤيا الأولى واقفا، فقال له ابن سيرين: سوف تحُجُّ.
فسأله جلساؤه: ما الفرق بينهما والرؤيتان سواء؟ فقال: رأيت الأول تبدو عليه ملامح الشر فأولت بقوله تعالى: «ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون»، ورأيت الثاني عليه دلائل الخير فأولت بقوله تعالى: "وأذن في الناس بالحج".
وقال رجلٌ لابن سيرين: رأيت كأنِّي أحرث أرضًا لا تُنبت، قال: أنت تعزل عن امرأتك.
وقال له آخر: رأيت كأنِّي أطير بين السماء والأرض، قال: أنت رجلٌ تُكثر المنى.
وعن المغيرة بن حفص قال: سئل ابن سيرين فقال: رأيت كأن الجوزاء تقدمت الثريا (يعني: كوكب الجوزاء سبق كوكب الثريا)، فقال: هذا الحسن يموتُ قبلي ثم أتبعه وهو أرفع وأعلى مني منزلًا.
عانى في حياته كثيرًا من الفقر، وكانت له مواقف مع الأمويين الذين رفض عطاياهم فدخل السجن.
وكان يعمل في السوق بالنهار ويقضي الليل في العلم والذكر.
موقفه من الحجاج
عاصر ابن سيرين الحجاج بن يوسف الثقفي، والعديد من أمراء وخلفاء بني أمية، ورغم اختلافه معهم إلا أن ابن سيرين رفض أن يشارك أعداء الحجاج في سبّه بعد موته، وكان يقول إن الذنوب هي تقدير الخالق.
ثناء العلماء عليه
نال ابن سيرين حب وثناء وتقدير الكثير من العلماء ممن عاصروه وممن جاءوا من بعده، وشهد له كثيرون بالفضل والزهد والورع والعلم والفقه.
قال عنه الخطيب البغدادي في تاريخه: "كان ابن سيرين أحد الفقهاء المذكورين بالورع في وقته".
وقال عنه مورق العجلي: "ما رأيتُ رجلا أفقه في ورعه ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين".
وقال ابن عون: "كان ابن سيرين من أرجى الناس لهذه الأمة وأشدهم إزراء على نفسه".
وقال عثمان البتي: "لم يكن بهذه البلدة أحد أعلم بالقضاء من محمد بن سيرين".
وقال خلف: "كان محمد بن سيرين قد أُعطي هديًا وسمتًا وخشوعًا فكان الناس إذا رأوه ذكروا الله".
وقال يونس بن عبيد: "أما ابن سيرين فإنه لم يعرض له أمران في دينه إلا أخذ بأوثقهما".
وقال محمد بن جرير الطبري: “كان ابن سيرين فقيهًا عالمًا ورعًا أديبًا كثير الحديث صدوقًا شهد له أهل العلم والفضل بذلك، وهو حُجة”.
عن هشام بن حسان قال: حدثني أصدق من أدركتُ من البشر محمد بن سيرين.
وقال محمد بن سعد: كان ثقة مأمونًا عالمًا رفيعًا فقيهًا إمامًا كثير العلم ورعًا، وكان به صمم، أي: ثقل في سمعه.
وفاته
توفي ابن سيرين بالبصرة في 9 من شوال سنة 110هـ وله من العمر 77 سنة، بعد وفاة الحسن البصري بمائة يوم، وقبره بجانبه قبر الحسن في البصرة.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
