لماذا الوزير السياسي؟!
ينتظر الناس انفراجة ما، ربما تغييرًا وزاريا شاملًا أو جزئيًا، المهم أن يأتي بوزراء سياسيين لديهم رؤية وحس سياسي وأهداف قابلة للتحقيق وقدرة على تحقيقها.. ربما يتوقعون تغييرًا وزاريًا قريبًا يمسك بزمام الاقتصاد مجموعة اقتصادية واعية بفداحة المصاعب الحالية وتشابكاتها وتحدياتها غير المسبوقة.
من تضخم غير مسبوق وتراجع لسعر الجنيه وصعود لا يتوقف للدولار والأسعار، وتراجع في موارد النقد الأجنبي نتيجة تراجع تحويلات المصريين بالخارج، وتراجع الدخل الحاصل من قناة السويس بعد الذي جرى في البحر الأحمر.
مما يجعل الحاجة لوزراء يتعاملون بطريقة مختلفة مع أمور بهذا القدر من التعقيد ضرورة لا تحتمل التأجير، فلن تتحمل مصر فاتورة أي تأخير في إصلاح بات حتميًا، وهو ما يعيدني للقول إننى مازلت أرى أننا في حاجة إلى بناء طبقة سياسية شابة مدربة وقادرة على تحمل مسئولية الحاضر والمستقبل والنهوض بالبلاد في المجالات المختلفة والتعامل الرشيد مع الجماهير ومع الملفات ذات الشأن في الداخل والخارج.
ندرة الكوادر السياسية آفة طالت فيما مضى مؤسسات الدولة السياسية كافة، حكومة وبرلمانًا وأحزابًا ومجتمعًا مدنيًا كان يفترض أن يشكل بتفاعلاته الحاضنة الطبيعية لمثل تلك الكوادر.. وهو ما يطرح السؤال: ما الذي أوصل تلك المؤسسات إلى هذه الحال الفقيرة سياسيًا.
والجواب: هو غياب التربية على السياسة في مجتمعنا ومؤسساتنا المعنية بتفريخ مثل تلك الكوادر.. وانعدام ممارسة الديمقراطية بصورة سليمة داخل تشكيلات الأحزاب السياسية ذاتها التي صدعتنا بالحديث عن تداول السلطة.. وكان حريًا بها أن تدرب أبناءها على ممارسة العمل السياسي وتداول المراكز القيادية فيما بينهم داخل أحزابهم.. كما يحدث في كل الدنيا التي تقوم فيها الأحزاب بدورها كمفرخة للسياسيين والبرلمانيين وكبار المسئولين في شتى المواقع القيادية.
البرلمان هو قمة الهرم السياسي حين يمارس الرقابة على الحكومة ويحاسبها أو يسن تشريعات غايتها استيعاب احتياجات الجماهير واقعيًا وتلبية طموحاتهم في حياة أفضل ومواءمة حركة العصر نحو الرقي والتطور.. وتحقيقًا لتلك الغاية فقد طالب الرئيس السيسي بدمج الأحزاب كثيرة العدد قليلة التأثير في الشارع لتكون ثلاثة أو أربعة أحزاب كبيرة.
فأعرق الديمقراطيات الحديثة لا تتجاوز أحزابها المتنافسة أصابع اليد الواحدة أو أدنى من ذلك، حتى تزداد فعاليتها ويتعاظم دورها في الحياة السياسية.. فهل بادرت تلك الأحزاب لتقوية نفسها بالاندماج حتى تكون حاضرة بقوة في المشهد السياسي؟!
صفات الوزير السياسي
في الدول عريقة الديمقراطية يتحلى المشتغلون بالعمل العام كبر أو صغر بحس سياسي وثقافة رفيعة ووعي عميق بمجريات الأحداث.. فالوزير منصب سياسي بالأساس وليس وظيفة بالأقدمية أو حتى بالتخصص ومن ثم فلابد لشاغله أن يتحلى بحسن السلوك والسمعة والحس السياسي والرؤية الواسعة والإدراك التام لمقتضيات ذلك المنصب وحدود مسئولياته.
يعرف كيف ومتى يتخذ القرارات اللازمة في توقيتها المناسب؛ مؤمنًا بأنه جاء ليخدم مصالح الدولة ومواطنيها وليس الحكومة وحدها أو شلة المنتفعين من حوله، متفهمًا احتياجات الناس وأوجاعهم وآمالهم، عارفًا للرأي العام والصحافة والإعلام قدرها وطبيعة مهماتها ودورها، فلا يتأخر أو يدخر جهدًا للتواصل معها عن قناعة وإيمان برسالتها في التنوير والتوعية والرقابة وتبصير الرأي العام بحقيقة ما يدور حوله..
فلا يتصادم معها أو يضيق بها ذرعًا ولا يراها مجرد وسيلة للابتزاز أو انتهاك الخصوصيات والنقد والهجوم الهدام.. هذا ما نرجوه أن يتوفر في الوزير أي وزير، والمسئول أي مسئول.
علم السياسة يقول إن الوزير السياسي يضع الخطط ويرسم السياسات ويتخذ القرارات ثم يترك لمساعديه أمر التنفيذ، ويتابعهم ليقيِّم ما تحقق دون أن تغرقه تفاصيل روتينية ابتلعت كثيرًا ممن تصدوا لذلك المنصب سنوات كثيرة، تعاملوا معه بمنطق رد الفعل والاستسلام لتقارير مرءوسيهم الذين زينوا لهم الواقع..
وأبعدوهم عن الميدان الحقيقي للمشاكل التي تحول معها الوزراء إلى موظفين بيروقراطيين تقتصر مهامهم على على مطالعة البوستة وتوقيع الأوراق، والوقوع في أسر المساعدين والخوف من اتخاذ القرارات الجريئة والصعبة، وهو ما يرفضه الرئيس السيسي جملة وتفصيلًا، ودائمًا ما يشجع الوزراء على اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب دونما تأخير أو تأجيل.
ويبقى السؤال: كم وزيرًا سياسيًا فذًا عرفته مصر خلال السنوات الماضية.. والجواب: أن تلك القامات المرموقة سياسيًا لا يتجاوزون أصابع اليدين حتى تكاد أسماؤهم تكون محفورة في الذاكرة الوطنية.. نتمنى أن يحدث تغيير وزاري في أقرب وقت استجابة لظروف لا تخفى على أحد.. فهل تحدث تلك الانفراجة قبل الشهر الكريم؟! نتمنى.