رئيس التحرير
عصام كامل

لا تدينوا لكى لا تدانوا

الإدانة هى دينونة وهى تفكيرى فى أخطاء الآخرين سواء بينى وبين نفسى سرًا أو التحدث بها علنا وهى من أشد الخطايا لأنها تفقد الشخص المغفرة التى حصل عليها عن الخطايا بالتوبة الصادقة.. فهكذا وضح لنا السيد المسيح له المجد في مثل العبدين المدينين لبعضهما (متى 23:18-35).


كما أن الدينونة تعكر صفو سلامنا القلبى (تحدث القديس مار إسحق السريانى الذى يبرر نفسه ويلوم قريبه ويدينه بقلبه يكون في كل وقت متكدرًا مضطرب الفكر). والدينونة ليست وظيفتنا بل هى عمل الله الديان وحده (الدينونة لله العالم وحده بكل شئ.. فلا تخطف من سلطان الله ما لا تقدر عليه).

Advertisements


ومن ناحية أخري فإن معرفتنا بالأمور دائمًا ناقصة، ولا نعرف الخفايا وحتى الأمور الظاهرة لا يمكن أن نتأكد منها لأنها تكون جزءًا بسيطًا من الحقيقة. (فلو كان خادمًا أبونا أبراهيم أبو الآباء تتبعاه في الخفاء ونظراه يحاول ذبح إبنه الوحيد إسحق لحكما عليه بأنه أقسى مخلوق، وذلك لعدم معرفتهما الحقيقة بأن الله أمره بذلك).


لأنكم بالدينونة التى بها تدينون تدانون.. وهذا جزاء طبيعى من نفس العمل وسببه أننى عندما أدين أخ في خطأ معين أكون قد أوهمت نفسى بأننى بار في هذه الناحية وغير معرض للوقوع فيها، فإذا ما توهمت ذلك فإنى أهمل التحفظ والإحتراس والسهر على نفسى من هذه الناحية، فيحاربنى الشيطان من هذه النقطة الضعيفة فأسقط سريعًا، ولذلك قال مار إسحق السريانى (من يتأمل ذنوب قريبه ويفحص عنها يسقط فى خطيته ويدان بها بدينونته) و(الذى به تدين أخاك فيه تسقط.


لماذا تنظر القذى الذى فى عين أخيك أما الخشبة التى فى عينك فلا تطفن لها؟
السبب فى ذلك هو أننى خاطئ وأريد أن أعتذر لذاتى وأبرر موقفى ولو أمام وخز ضميرى، لذلك أغش نفسى بأن أحول نظرى عن خطاياى وأنظر إلى خطايا الآخرين، ولكننى بهذا العمل أفقد طاقة نفسية هامة أنا في أشد الحاجة إليها.. 

 

فأنشغل عن الاهتمام بنفسى وأضيع وقتى وجهدى وتحفظى وحراستى فى التفتيش عن أخطاء الآخرين فأنسى بذلك أخطائى وأترك بيتى بلا حارس وكأن ليس لى ضعفات تحتاج إلى معالجة وتنقية وتوبة ومداومة طلب الرحمة والمعونة والمغفرة من الله. (الذى على الدوام يلوم نفسه ترعب منه الشياطين وتمتلئ نفسه أمنا وسلامًا وحبًا وفرحًا ويصير محبوبًا عند الله والملائكة والناس).


الحكيم  يتأمل فضائل غيره ليقتنيها لنفسه والجاهل يتأمل رذائل غيره ويدينه عليها.. أيها القارئ العزيز لاحظ أنه ميز بين نوعين من الدينونة: الباطنة فقال في الآية (متى 7:3 ) "لماذا تنظر؟". والعلنية "أم كيف تقول؟".


ولكن هل ذكر أخطاء الآخرين يصلح أمورهم؟ كلا. لأن خطية الدينونة لا تصلح خطية الكذب أو السرقة، فالشر لا يصلح شرًا، ولكن الخير فقط يستطيع أصلاح الشر، فطريق الخدمة السليم مرسوم فى الآية التالية: "أخرج أولًا الخشبة من عينك حينئذ تبصر جيدًا" (مت 5:7). 

 

فإصلاح الآخرين والخدمة والعمل الفردى لا تثمر إلا إذا تدرب الخادم على الأتضاع الذى فيه يشعر بخطاياه وثقلها فيستطيع أن يرحم الخطاة أمثاله، ويروح الرحمة والشفقة هذه يعتذر للخطاة في صلواته ويطلب لهم التوبة والمعونة والغفران السماوى.

الجريدة الرسمية