رئيس التحرير
عصام كامل

صعود وسقوط معلّم المتاهة

تزداد الصعوبات الاقتصادية والمالية اللبنانية ومعها تحذيرات ومناشدات كبار المسؤولين، من عدم القدرة على دفع رواتب الموظفين أو تأمين الدواء، مثلما أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وما قاله أخيرًا حاكم مصرف لبنان المركزي بالإنابة وسيم منصوري، عن أن "الاقتصاد النقدي الذي يعيشه لبنان لا يمكن أن يستمر لأنه سيقضي على البلد".. 

 

وأطلق وسيم منصوري، استغاثة لأن لبنان "بحاجة إلى مساعدات عاجلة من محيطه الخليجي والعربي حتى يستمر، مع ضرورة إنجاز قوانين النقد والمصارف وإصلاحات إعادة بناء الاقتصاد، ومصارحة الشعب وأصحاب الأموال المحتجزة في المصارف، لان ما يحدث منذ فترة قلة احترام للشعب، وقلة قيمة للدولة".

تزامنت مناشدة وسيم منصوري، مع تخلّف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، عن حضور جلسات التحقيق معه في بيروت، بعدما أصدرت كل من ألمانيا وفرنسا مذكرة توقيف دولية بحقه، عقب تحقيقات في شبهات فساد تتعلق بنشاطه المالي وممتلكاته في أكثر من دولة أوروبية. كما فرضت كل من بريطانيا والولايات المتحدة وكندا، عقوبات مالية عليه وشقيقه للأسباب ذاتها.

Advertisements

 

تحول رياض سلامة، من أيقونة ومنقذ الليرة اللبنانية بعد انهيار قيمتها أمام الدولار بنهاية الحرب الأهلية العام 1990، والحفاظ على استقرار سعرها لسنوات طويلة، إلى متهم بالإثراء غير المشروع وغسيل أموال واختلاس وتهريب مليارات الدولارات إلى الخارج، حتى أن الصحف العالمية قالت إنه ساحر وحالة غير مسبوقة، بعدما قضى في منصبه ثلاثة عقود كاملة، وتناولت قضاياه في تقارير استنادًا إلى وثائق التحقيق الأوروبية واللبنانية.

 

اعتبرت تقارير إعلامية أميركية، أن رياض سلامة أنشأ بمهارة فائقة متاهة حسابات مصرفية من الصعب اكتشافها، وأسس شركة وهمية مسجلة باسم شقيقه رجا، في جزر فيرجن البريطانية، لاختلاس مئات ملايين الدولارات، بالتعاون مع بعض أفراد أسرته، مسؤولين لبنانيين كبار، وعملاء في الخارج.

 

وقع رياض سلامة، في الفخ منتصف العام 2021، حين استقل طائرة خاصة إلى باريس، ووجد مسؤولو الجمارك لديه كميات كبيرة جدا من النقد الأجنبي غير مصرح بها، في وقت يعاني فيه لبنان من أزمة مالية مهلكة وغير مسبوقة.

 

واتضح بعد التحقيق معه أن ثروته وأسرته تراكمت وتضاعفت مرات خلال توليه منصبه حاكمًا للمصرف المركزي، وإنه لم يكن بمقدوره جمع هذه الثروة بشكل شرعي، سواء المال في بنوك أوروبية أو العقارات الفاخرة في أكبر مدن العالم.

 

لم يتمكن لبنان من القبض على حاكم المصرف المركزي السابق بموجب مذكرات التوقيف الدولية، أو حتى إخضاعه للتحقيق في بيروت، لأنه كما تردد "لديه ما يحميه في ظل احتفاظه بأسرار تدين كبار المسؤولين والنخبة الحاكمة اللبنانية المتورطة معه، وقد احتفظ بهذه الأسرار على "فلاش ميموري"، موجودة في أكثر من مكان بالعالم ستظهر للعلن في حال الإيقاع به أو محاكمته".

إنهيار الليرة وضياع الودائع

ورأى قطب سياسي لبناني، إن رياض سلامة، يتمتع بحماية واسعة داخليًا، لارتباطه بالنخبة الحاكمة، التي تتجنب اعتقاله واستجوابه في الخارج، حتى لا يفضح أسرارهم وتشملهم دائرة التحقيقات خارجيًا وداخليًا.


فيما نوهت صحيفة فايننشال تايمز، إلى أن تعثر التحقيق مع رياض داخليًا، يؤكد أن الإفلات من العقاب منتشر في لبنان، وقد تم شطب قاضية شهيرة لمحاولاتها توقيف سلامة، والتحقيق معه ومسؤولين لبنانيين كبار آخرين، في اتهامات عدة منها خروج أموال طائلة للمودعين الأثرياء من بيروت منذ بدء الأزمة المالية.


يصنع رياض سلامة، حمايته بنفسه ولا يلتفت لأحد، وقد تخلّف مجددًا عن حضور جلسة اتهامية بحقه في بيروت، وأقدم على خطوة وصفت بـضربة معلّم، لأنها تعني قدرته على الإفلات من المحاسبة، حيث تقدم وكيله القانوني بدعوى مخاصمة الدولة.. 

 

ما أجبر الهيئة الاتهامية المكلفة النظر في ملف الدعوى على إصدار قرار رفع اليد ووقف متابعة عملها في كل ما يخص قضايا رياض سلامة، وقال محاميه إن هيئة الاتهام الحالية، ستقوم بتنفيذ القرار الصادر عن الهيئة السابقة وتجوز مخاصمتها استباقًا.

 

انتقد نواب المعارضة والإعلام اللبناني، عدم إصدار القضاة الذين تناوبوا على نظر قضايا رياض سلامة، أي مذكرة توقيف بحقه، وطالبوا بتطبيق اجراءات سبق اتخاذها في قضايا مماثلة وأخرى أقل منها، وبرروا التهاون في ملف سلامة، بأن المستفيدين من سياساته المالية جزء من المنظومة السياسية الحاكمة على مدى عقود، فضلا عن استفادة نحو 35 مصرفًا خاصًا من قراراته، التي انتهت بانهيار الليرة وضياع ودائع غالبية الشعب اللبناني.

 

 

على حكومتنا أخذ العبرة مما آلت إليه أمور لبنان، وأن تبدأ المساءلة القانونية لمحافظ البنك المركزي السابق طارق عامر، لأن عشوائية قراراته وإيهامنا بإصلاح اقتصادي هيكلي أدت إلى فقد الجنيه أكثر من 400% من قيمته وتضخم غير مسبوق وانهيار اقتصادي لا نعرف إلى ماذا سيؤول؟!

الجريدة الرسمية