رئيس التحرير
عصام كامل

معجزة بدولار

"ثلاثة إذا تكلموا أمامك أنصت لهم حتى ينتهوا.. لا تقاطعهم ولا تعقب على كلامهم بسوء أو استهزاء، وهم الآباء، الحزين والمهموم، والأطفال، لأنهم ينطقون بقلوبهم قبل ألسنتهم".. عبارة بليغة من أقوال الجاحظ، تترجم حرفيًا في قصة حقيقية صغيرة لكن معانيها كبيرة، فيها من الحب والبراءة والإنسانية والرحمة الشيء الكثير.

 

بطلة القصة طفلة صغيرة في السادسة من عمرها، تحمل داخلها الحب والبراءة والإيمان بمعجزة تعيد الأمل والحياة لأسرتها وشقيقها المريض، فتحت الصغيرة خزانة ملابسها وتناولت حصالتها فوجدت فيها دولارًا واحدًا وأحد عشر سنتًا، أخذتها وتسللت دون أن تخبر والديها إلى الصيدلية القريبة من المنزل، لكي تشتري معجزة.

Advertisements

 

شاء القدر أن تكون الصيدلية ملكًا لشقيق الطبيب الشهير كارلتون أرمسترونغ، والذي كان بالصدفة في صيدلية شقيقه المزدحمة بطالبي شراء الدواء، وحين كان أرمسترونغ، منشغلا بالحديث مع شقيقه الصيدلاني، دخلت عليهما الطفلة الصغيرة التي يشع وجهها بالجمال والبراءة ومسحة حزن يلحظها من يقابلها.


أخرجت الصغيرة الدولار والسنتات من جيبها، وحاولت الحديث مع الصيدلاني، لكنه لم يلتفت إليها لانشغاله مع طالبي الدواء، انتظرت الطفلة حتى ذهب الناس ووضعت المبلغ الضئيل أمام الصيدلاني، الذي نظر إليها وسألها ماذا تريدين؟.. فردت بنظرة بريئة حزينة: أريد شراء دواء اسمه معجزة.


استغرب الصيدلي وحاول صرفها من المكان، لعدم وجود دواء بهذا الاسم، وأمام إلحاحها نهرها، وقال: ليس لدي وقتًا لسماع هراء الأطفال. قالت الصغيرة: أرجوك أريد معجزة وإذا كان المال لا يكفي سوف أذهب لجميع أصدقائي وأجلب لك المزيد من المال، لكن أرجوك أعطني معجزة، فقال: حسنًا ليس لدي معجزة ولا أبيع معجزات، هيا اذهبي الآن إلى منزلكم.

معجزة أرمسترونغ

خلال المناقشة بين الطفلة والصيدلاني، عن المعجزة، كان شقيقه الدكتور كارلتون أرمسترونغ أحد أشهر جراحي المخ والأعصاب، ينصت باهتمام لما تقوله الصغيرة، وحين نهرها شقيقه طلب منه الانتظار، وانحنى للطفلة وسألها هل تريدين شراء معجزة؟، قالت في هدوء: نعم.


سألها لماذا وما نوع المعجزة التي تريدين شرائها؟.. أجابت: لا أعلم بالضبط ولكن ما أعرفه أن شقيقي الصغير مريض بشدة وجاء الطبيب إلى منزلنا وقال لأمي وأبي: ابنكما يعاني من ورم في المخ ويحتاج إلى معجزة لكي يعيش، لذلك أحضرت كل ما معي من مال ونزلت دون أن أخبر والديّ لكي اشتري معجزة لأخي حتى يعيش.


قال الطبيب أرمسترونغ، للصغيرة: حسنًا سوف آخذ منكِ المال وأبيع لكِ المعجزة، ولكن يجب أن أذهب معكِ إلى المنزل حتى أرى أخيك المريض، وذهب الطبيب الشهير مع الطفلة وقابل والديها وعرض عليهما أن يتولى إجراء الجراحة الخطرة للطفل الصغير بدون أن يأخذ أي مقابل.


استغرب الأب والأم وسألاه كيف هذا؟، فردت ابنتهما: أنا دفعت المال وقمت بشراء المعجزة، وبالفعل تولى الطبيب كارلتون أرمسترونغ، إجراء الجراحة للطفل ونجحت العملية وتعافى الصغير، وزادت شهرة أرمسترونغ، لأنها كانت من أصعب جراحات المخ حينذاك.

 


خلاصة القصة أن إرادة الله شاءت لقاء الطفلة والطبيب الشهير من أجل إسعادها وأسرتها بتعافي شقيقها الصغير، جزاء التنشئة الحسنة بعدما رباها أبويها على المحبة والإيثار، كما سخر لها طبيبًا يتحلى بإنسانية ورحمة، أنصت لحديثها الصادق وآمن بالمعجزة، التي تبحث عنها ولم ير في كلامها هراء أطفال، فوفقه الله في جراحة عسيرة أصبحت على يديه من أشهر العمليات، التي يتم تدريسها فيما بعد بكليات الطب.
وهكذا تتحقق المعجزة ولو بدولار واحد، عندما يكون حب الآخرين صادقًا ونابعًا من القلب.

الجريدة الرسمية