رئيس التحرير
عصام كامل

الشعب الصابر والإخوان ودروس الماضي!

يروى أن أحد أفلام السينما كانت نهاية الفيلم هو انطلاق البطل على فرسه بأقصى سرعة، فيسقط فى حفرة عميقة لا يستطيع الخروج منها، تكرر حضور أحد المواطنين لمشاهدة هذا الفيلم، لدرجة لفتت نظر الشخص الذى يقوم بقطع التذاكر، وجه سؤالا لهذا المواطن الطيب العاشق للسينما، لماذا تحضر كل يوم وأنت شاهدت الفيلم عدة مرات؟ أجاب المواطن الطيب: احضر لمعرفة هل البطل سيتعظ ولا يسقط فى الحفرة أم لا؟! 

 

هذه القصة وإن كانت غير حقيقية إلا أننا في حياتنا، كثير  منا يتصرف مثل هذا المواطن الطيب، وإذا كان هذا على مستوى الأفراد ربما يكون مقبولا، ولكن عندما يكون على مستوى الدول والحكومات، تكون النتائج كارثية، من أبرز علامات الوعى بالتاريخ، هو الاستفادة من تجاربه، كما قال ابن خلدون أن التاريخ هو العظة والاعتبار.. 

Advertisements

 

ولكن لابد ان نعترف أننا في العالم العربى، لا نتعلم عادة من أحداث تاريخنا، أحداث كثيرة ومتكررة كفيلة أن تنقذنا من مشاكل كثيرة، بل وهناك مشاكل تتصاعد وتكبر مع مرور الأيام، وللأسف لا نتوقف لتذكر دروس الماضي، فمثلا عندما سمح الرئيس السادات للإخوان المسلمين وبث فيهم الحياة مرة أخرى، بعد أن كادت تلفظ الجماعة انفاسها الأخيرة، اعترف السادات في آخر خطاباته، بخطأ هذا القرار.. 

جرائم الإخوان

واعترف بأن الزعيم جمال عبدالناصر كان على صواب فى تعامله معهم، والجميع يعرف أن دعم الدولة للإخوان والجماعات المسماة الإسلامية، أدى إلى اغتيال الرئيس السادات، ومذابح في أسيوط، ولولا محاصرة هذه الجماعات والقبض على أعضائها، كان ممكن أن تصبح مصر على شفا خطر عظيم..

 

وبالرغم من أن الرئيس حسنى مبارك كان نائبا للسادات سنوات، والمفترض أنه علم منه أن الإخوان خطر على المجتمع، وأنهم يستخدمون التقية التى يستخدمها الشيعة، بل هناك أمر في غاية الخطورة تجاهلها السادات وخليفته.. 

 

فقد ثبت أن الإخوانية زينب الغزالى كانت هى راعية صالح سرية زعيم عملية الكلية الحربية، وبالرغم من هذا كانت تتصرف بحرية كاملة، ولم تأخذ الدولة أى إجراء معها، بل كانت تتحدث في الجامعات وفي ندوات تعد لها، وكان المدخل أن الإسلام يحارب من الشيوعية.. 

 

كانت المفاجأة ان الرئيس حسنى مبارك لم ينتبه أو تجاهل كلام الرئيس السادات في آخر خطاب قبل استشهاده، وأصبح الإخوان يمارسون حياتهم العلانية وممارساتهم السرية في أمان تام، وقع في عام 1984 حدث سياسي مهماد فى تاريخ مصر، لم يأخذ الاهتمام الذى يجب أن يكون، فقد تحالف الإخوان المسلمين مع حزب الوفد الجديد الذى عاد لممارسة حقوقه السياسية من هذا التحالف في انتخابات مجلس الشعب..

 

وكانت أول انتخابات تجرى في عهد حسنى مبارك، هذا التحالف المعلن والذى لم تعترض عليه الحكومة، كان إشارة إلى الإخوان بالانتشار في كل النقابات، تقريبا جميع النقابات وقعت تحت سيطرة هذا التنظيم الإخوانى باستثناء نقابة الصحفيين التى عجز الإخوان عن السيطرة عليها..

الإخوان والوفد

برغم أنهم اخترقوها بأعضاء في مجلس الإدارة، وعن هذه التجربة يقول أحد أقطاب الوفد المستشار مصطفى الطويل: كنت ممن حضروا اتفاق الوفد مع الإخوان في انتخابات 1984، وكنت وقتها عضوًا في مجلس الشعب، وحضرت لقاءات التنسيق بين فؤاد سراج الدين زعيم الوفد، وعادل عيد المحامى والممثل لجماعة الإخوان فى التنسيق الانتخابى.. 

 

وكان وجه عادل عيد مألوفًا ومقبولًا من الوفديين فهو شخصية معتدلة، اشترط رئيس الحزب فؤاد سراج الدين لاستكمال التحالف مع الإخوان أن يكون مرشح الجماعة تحت عباءة الوفد بأمر حزب الوفد داخل مجلس الشعب، ولكن الإخوان نقضوا عهدهم واتفاقهم مع سراج الدين ومن أول جلسة للبرلمان انفصلوا عنا، وتجاهلوا الاتفاق الذى تم بيننا..

 

فعادة الإخوان هى نقض أى اتفاق معهم إذا لم يكن في صالحهم، والجماعة تخلط بين الدين والسياسة للوصول إلى السلطة وهو أمر لا يجوز

 الحقيقة ندم فؤاد سراج الدين على تحالفه معهم، وقرر عدم التنسيق معهم لأنهم خانوا الوفد فى 1984 وحذرنا وقتها من التحالف.. 

 

ولكن السياسة لابد أن تخطئ فيها حتى تتعلم، كانت تجربة وكنا نتصور أننا بتحالفنا معهم سنحصل على الأغلبية التى تمكننا من الحكم، حذرت داخل الوفد فأحد ثوابتنا هى الوحدة الوطنية، فى الوقت الذى تفرق فيه جماعة الإخوان بين المسلم والمسيحى والرجل والمرأة، فهم لا يقبلون أن يتنامى دور المرأة وكذلك المسيحى، فى الوقت الذى يؤمن فيه حزب الوفد بأن المصريين جميعًا سواء أمام القانون، ولهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات.

 

السماح بهذا التحالف من الدولة كان بمثابة إعادة تقوية جماعة الإخوان، وإشارة واضحة للذين اختبأوا بعد اغتيال الرئيس السادات، بالعودة إلى العمل مرة أخرى سواء في العلن أو في الخفاء، وهذا يعنى أننا لم نتعلم الدرس، ولم نستفد من دروس الماضى، السادات لم يتعلم من تجربة الإخوان مع الزعيم جمال عبدالناصر، والرئيس حسنى مبارك كرر نفس الخطأ!

 

 

هذه المواقف ليست حكايات القهاوى، ولكن دروس علينا أن نتعلم منها، فنحن فى زمن لم يعد لدينا فيه رفاهية التجارب مثلما حدث فى الماضى، فإهمال بناء الإنسان على مدى ما يقرب من نصف قرن من أهم أسباب التردى الذى أصابنا، الأمم لا تتقدم بعد بناء ناطحات سحاب ولكن تتقدم بالعلم والعمل وتلافي أخطاء الماضي، ويحيا شعب مصر العظيم الصابر على كل المحن.. وعلى انقطاع الكهرباء!

الجريدة الرسمية