رئيس التحرير
عصام كامل

الفن وسنينه

ليست شيرين وحدها من سقطت!

لم يكن سقوط المطربة شيرين عبد الوهاب على خشبة مسرح آرينا بحفلها الأخير بدبي، هو الأول بل سقطت قبله بسنوات عدة مرات، حتى قبل زواجها من المطرب حسام حبيب، حيث تعددت وكثرت سقطاتها وزلات لسانها بشكلٍ لم يسبقها إليه أحد من قبل! 

 

مرات بإساءتها لبلدها مصر وهو ما كاد أن يعرضها للحبس أكثر من مرة والمنع من الغناء ومرات بانتقاد زملائها مثل تامر حسني وعمرو دياب فكان عقباها حملات شرسة من جمهوريهما على السوشيال ميديا، هذا فضلًا عن انتقادات كثيرة طالتها من بعض الجماهير العربية بلبنان وتونس والسعودية لتصريحاتها غير المسؤولة وغير المتزنة..

Advertisements

 

وانتهاءً بمسلسل مشاكلها المستمر مع زوجها حسام حبيب وطلاقها منه ودخولها المستشفى للعلاج من الإدمان وعودتها إليه وحتى سقوطها على خشبة المسرح بدبي في أول حفلة لها بعد غياب، كل ما تقدم يجعلني أجزم أنها لم تسقط في حفلها الأخير، بل سقطت مرات ومرات وتواصل السقوط الفني والإنساني منذ زمن..

 

لأنها دأبت بلا وعي أو مسؤولية على مثل هذه الأفعال ولم تقدر حجم الموهبة التي حباها الله إياها والتي منحتها كثيرًا من الشهرة والمال، وتفننت بقوة في إهدار موهبتها حتى وصلت إلى هذه الحالة التي شاهدها عليها جمهور حفلها الأخير بلا لياقة جسدية أو صوتية أو مظهر يليق بمطربة في مكانتها ومن ثم سقطت فنيًا وإنسانيًا، حتى قبل سقوطها على خشبة المسرح!

 

ورغم ذلك فأنا لست من الشامتين فيها كالكثيرين الذين انهالوا عليها بالهجوم والتجريح، بل على العكس أشعر بالحزن والحسرة على موهبة في حجمها كانت تلقب في وقت ما ب صوت مصر !


ولم تكن شيرين هي الحالة الأولى التي أهدرت موهبتها الكبيرة وفشلت تمامًا في إدراتها بل سبقتها حالات عديدة في الغناء أيضًا والتمثيل وباقي فروع الفن وحتى في الرياضة، كانت بدايات أصحابها القوية تبشر بالكثير وتعد
بالإنجازات والتفرد، قبل أن يخفت توهج هؤلاء شيئًا فشيء ويتراجعون خطوات عديدة وتنحسر عنهم النجومية، لأسباب عديدة يؤخذ عليهم أغلبها والتي تتعلق بفشلهم في فن إدارة مواهبهم.


فن إدارة الموهبة


الموهبة هي شيء جميل نملكه ولا دخل لنا فيه، وهي تمر ب ٣ مراحل، الهواية وهي مرحلة الاستمتاع بها، الظهور وفيها يتم الإعلان عنها للناس وأخيرًا مرحلة الاحتراف واتخاذها كمهنة وهي المرحلة الأخطر حيث تصبح في الغالب كتأدية واجب روتيني وقد تضعف وتتراجع مالم نعمل على حسن إدراتها وتنميتهاو تقييمها وتطويرها طوال الوقت، بوسائل مبتكرة مستعينين بخبرة المستشارين وأهل الخبرة وأصحاب النجاحات الكبيرة.

 

فذلك الفن والعلم الذي لا نراه موجودًا أو معمولًا به في مصر إلا في حالات قليلة جدًا، كانت أغلبها في أزمنة ماضية وأبرزها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي تحول من فتى فقير وبسيط اقتصر تعليمه على حفظ القرآن بأحد الكتاتيب، الى عملاق الغناء والموسيقى بعد أن تبناه فنيًا آمير الشعراء أحمد شوقي وعرفه على كبار الأدباء والشعراء والسياسيين فتعلم منهم الكثير والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ..

 

الذي دفعه ذكاؤه الشديد إلى مصادقة نخبة من الصحفيين والمفكرين والأدباء واستشارتهم في كل أموره الفنية والشخصية، فصار أسطورة لن تتكرر ويجسد مثل هاتين النموذجين مع الفارق - الهضبة عمرو دياب، الذي رغم موهبته غير القوية إلا أن ذكائه الكبير وفطنته الشديدة واستعانته بأفضل العناصر الفنية والبشرية من مستشارين وخبراء جعله يتربع على عرش الغناء المصري لحقبة طويلة تجاوزات الثلاثين عامًا وبات النجم العربي الأعلى سعرًا في الحفلات والأفراح بلا منازع! 

 

وهذا الفن الذي قد لا نراه أيضًا في غالبية الدول العربية، باستثناء لبنان في بعض الأحيان والتي أبرزها نانسي عجرم وتجربتها مع مدير أعمالها الأشطر في الوطن العربي جيحي لا مارا، فن متعارف عليه في الولايات المتحدة وأوروبا منذ زمن بعيد، حيث نجد الفنان يتفرغ لفنه فقط موكلًا كل أموره الفنية والعقود التي يبرمها واختيارات أعماله وملابسه والتصريحات التي تصدر عنه وصفحاته على السوشيال ميديا.. 

 

وكل شيء يخص عمله الفني أيا كان نوعه، لكتيبة من المستشارين والمتخصصين الدارسين والمؤهلين وأصحاب الخبرات لا أصحاب الثقة والفهلوة والهمبكة كما يحدث في بلادنا! وذلك في شكل علاقة تعاقدية محددة الأهداف والإنجازات ومضمونة النجاح بالتأكيد. 


كانوا مؤهلين لمكانة أكبر


أخيرًا وليس أخرًا لعل من النماذج والحالات التي نراها من أفضل وأكبر المواهب التي أتت على الساحة الفنية المصرية والعربية حتى الآن ولكنها لم تحظ بالمكانة التي تتناسب مع حجم موهبتها، لفشلها بدرجاتٍ مختلفة في فن إدارة موهبتها بالصورة الصحيحة.. 

 

المطرب الكبير محمد الحلو صاحب أقوى الأصوات وأكثر من غنى تترات المسلسلات وعراف جيل الوسط، الذي خلف جيل عبد الحليم حافظ، محمد فؤاد ابن البلد القلب الطيب وأشطر مطربي جيله في مجال التمثيل، مدحت صالح الذي اعتبره الكثيرون وريث العندليب الاسمر خاصةً بعد أغنيته الأشهر 'كوكب تاني' التي فاز عنها بالجائزة الفضية من مهرجان تركيا الدولي للأغنية وبالاسطوانة البلاتينية عام 1988.

 

علي الحجار صاحب الصوت الذهبي والإحساس الصادق والشخصية الفنية المتفردة، وعلى المستوى العربي المطرب اللبناني فضل شاكر الذي كان قبل سنوات قليلة في الصف الأول لأفضل وأنجح المطربين في الوطن العربي، قبل تورطه في مجال السياسة الذي أدى به إلى أن يصبح مطلوبًا للعدالة !

 

 

وفي مجال التمثيل تبرز بعض الأسماء التي لم تحسن إدارة موهبتها بالشكل الأمثل، منها.. الراحل سعيد صالح نجم الكوميديا الخطير وغول المسرح أحمد آدم، وجيم كاري مصر وهو اللقب الذي أطلقته على الفنان محمد سعد في بدايات تألقه السينمائي في أفلامه اللمبي واللي بالي بالك وعوكل وبوحة قبل أن يتراجع بقوة مع إصراره على إعادة وتكرار وهرس شخصيات هذه الأفلام والتي انصرف عنها الجمهور والتي كان آخرها مسلسل إكسلانس في رمضان المنقضي!

الجريدة الرسمية