رئيس التحرير
عصام كامل

مستشار شيخ الأزهر في حوار لـ "فيتو": ما يحدث في مصر الآن صراع بين السياسة والسياسة وليس بين الكفر والإيمان


  • لا وجود في الإسلام لـ "حب" جماعة وتغليب مصالحها على حب الوطن
  • الرسول علم الأجيال قيمة الأوطان وجزاء الموت في سبيل الدفاع عن تراب الوطن
  • رسالة الإسلام والسلام وجهان لعملة واحدة
  • غير المسلمين يعترفون بأنهم لم يجدوا عدلا إلا زمن تطبيق الشريعة الإسلامية
  • ما زال كل ممن الصراع الحزبي الضيق والرؤية الشخصية والأنا متحكم في المشهد الراهن
  • مصر سفينة تحملنا وإذا غرقت سيهلك الجميع
  • قبل الحديث عن تطبيق الشريعة لابد من توفير الضروريات الخمس


أكد الأستاذ الدكتور محمد مهني الأستاذ بجامعة الأزهر ومستشار شيخ الأزهر أن الصراع الدائر الآن في مصر صراع بين السياسة والسياسة وليس بين الكفر والإيمان وقال في حوار لـ"فيتو" إن الشريعة عندما طبقت سعد بها الأقباط في ديار الإسلام قبل المسلمين ولكن الشريعة الوسطية التي استقرت عليها الأمة بعيدة عن البغض والقتال والإقصاء للإنسان بسبب لونه أو عرقه وتابع مهني أن الوطن بضياعه تضيع ال
الأنفس والأموال والدين ونبه مهني إلى أن مصر سفينة تحمل الجميع إذا غرقت سيهلك الجميع.



- بداية.. الصراع الدائر الآن في مصر محتدم ويأخذ مسميات عدة أهمها أنه بين الكفر والإيمان.. نود معرفة حقيقته؟
هناك صراع سياسي محتدم منذ قيام الثورة في 25 يناير وإلى الآن وليس صراعا بين معسكر الكفر والإيمان ومصر بلد مؤمن بمسلميه ومسيحييه وهي التي صدرت علوم الإسلام لكل الدنيا حتى إلى البلد الذي نزل فيه الوحي على سيدنا محمد برسالة الإسلام التي هي والسلام وجهان لعملة واحدة والأزهر ناشد الجميع من مختلف الأطياف السياسية أن يعلوا على مصالحهم الشخصية والحزبية لكن ما زال الصراع الحزبي الضيق هو المتحكم والرؤية الشخصية والأنا في المشهد ونسأل الله عز وجل أن يزيل هذا الصراع وأن يؤلف بين قلوب المصريين جميعا وأن يعلي الجميع من مصلحة مصر ولا بد للجميع أن يعلموا أن مصر كالسفينة إذا غرقت لا قدر الله ستغرق بالجميع بمعنى أنه لا ينجو اناس ويغرق آخرون.

- كيف خاطب الشرع الناس بأن الدين قوانين ومبادئ للتعايش والعمل وليس قوانين لتحكم الإنسان في أخيه الإنسان؟
الدين قبل كل شيء مجموعة من القيم والمبادئ لأن الشريعة ليست مجرد زواجر ونواهي إنما هي صياغة حياة في الاقتصاد والحياة والعلم والفكر والسياسة والاجتماع، هذه الصياغة تستمد من القيم والمبادئ التي تميز بها هذا الدين هذه المبادئ يجب أن يحملها الناس ويسيروا بها ويتربوا عليها في الأساس، والسياسة بمفهومها الحقيقي أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالتغيير لابد أن يكون تغييرا ذاتيا أولا بمعنى أن كل إنسان قبل أن يسعى إلى تغيير الآخر لابد أن يغير نفسه أولا وقبل أن يكون حكما على الناس يكون حكما على نفسه أولا، والركن الأول في الأحكام هو النية بمعنى أن العمل دون نية لا قيمة له إنما الأعمال صور قائمة، روحها سر وجودها الإخلاص فيها والساجد لله تعالى والساجد للصنم صورتهما واحدة إنما ميز بينهما بالنية والنية بغير عمل لا قيمة لها والعمل بغير نية لا قيمة له فهما وجهان لعملة واحدة ولذلك قالوا عملا بلا علم وسيلة بلا غاية وعلما بلا عمل جناية، فلابد من تصحيح النية لله بأن العمل يكون لله وحده دون أحقاد ولا ضغائن ولا إقصاء أو ازدراء لأحد على أساس دينه أو لونه أو عرقه أو نسبه.

- لا يزال من الأسباب الرئيسية للصراع في الشارع المصري تطبيق شرع الله، ما حقيقة ذلك؟
لا خلاف على تطبيق شرع الله تعالى بل حتى غير المسلمين يعترفون بأنهم لم يجدوا عدلا في دولة الإسلام على مر التاريخ إلا زمن تطبيق الشريعة الإسلامية السمحاء ولكن القضية ماذا تعني الشريعة وما الأحكام التي يمكن أن تطبق لا يمكن أن تكون الشريعة هي التي ينادي بتطبيقها شريعة أناس بعينهم وفهمهم الخاص وإنما الشريعة التي استقر عليها الناس وعبر عنها الأزهر منذ أكثر من ألف عام.

- الخروج عن مبدأ حب الوطن من حب الله إلى حب الجماعة من حب الله، هل هذا ما نزل في الإسلام؟ نود توضيحا؟
لا وجود لحب جماعة معينة وتغليب مصالحها عن حب الوطن في الإسلام، لأن الإسلام عندما تكلم بصيغة الجماعة كان يقصد المصلحة العامة وليست المصلحة التي تعني جماعة معينة أو فصيلا معينا، ولذا لو تدبرنا الشريعة الإسلامية لوجدناها تحمل لنا نماذج رائعة في حب الأوطان وكذلك تحمل لنا السيرة النبوية الشريفة مثالا رائعا يجسد مكانة الأوطان في الإسلام وذلك عندما خرج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مهاجرا من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بكى صلى الله عليه وسلم ونظر إلى مكة نظرة حزينة وقال كلمته المشهورة «والله إنك لأحب بلاد الله إلي وأحب بلاد الله إلى نفسي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت»، فالرسول صلى الله عليه وسلم خرج مكرها وذهب للمدينة ليبلغ الرسالة ومع ذلك ظل قلبه يتجه نحو مكة التي ولد وعاش فيها، ولم يطمئن قلبه صلى الله عليه وسلم حتى نزل عليه قول الله تعالى {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى ميعاد } إنه صلى الله عليه وسلم يعلم الأجيال قيمة الأوطان وجزاء الموت في سبيل الدفاع عن تراب الوطن فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف «من مات دون أرضه فهو شهيد»، فالإسلام علمنا أن حب الوطن من الإيمان فالإنسان بلا وطن لاجئ أو غريب لا يشعر بالحرية والكرامة ولا يعيش حياة طبيعية، ولا تتحقق الحرية والكرامة للإنسان إلا بالحياة في وطن ينتمي إليه ويدافع عنه ويحمل جنسيته ويلتزم بالواجبات التي يكلف بها ويطالب بالحقوق التي يرى أنها لم تتحقق، وهذا لا يحدث إلا في وطن الإنسان الذي ولد وعاش فيه مع أهله وأسرته، فإذا لم يكن له وطن ينتسب إليه ويحمل شعاره سيكون متطفلا على آخرين ولا يشعر بالكرامة والعزة اللتين أرادهما الله للمؤمنين في قوله الله تعالى {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} فعندما يضيع الوطن تضيع الكليات الخمس {الدين والنفس والعقل والنسل والمال} فلا دين إذا ضاع الوطن ولا عقول تتدبر وتتعلم وتبني الأمم إذا ضاع الوطن ولا نسل يستخلف في الأرض ويعمرها على منهج الله إذا ضاع الوطن ولا مال أو عقار أو تجارة أو صناعة يقيم حياة الإنسانية إذا ضاع الوطن.

- على ذكر الكليات الخمس الكثير لا يعرفها من الناس نود توضيحها وكيف تسعد الأمة بحفظها لكليات الدين الخمس؟
اتفق أهل الأديان السماوية وعقلاء بني آدم على أن أهم ما يصلح به حال البشر حفظهم لأمور كلية خمسة، هي ما يطلق عليه الكليات الخمس (الدين –النفس – العقل – النسل – المال ). وقد جاءت شريعة الإسلام بأحكام وافية لحفظ هذه الضروريات الخمس سواء من حيث الوجود إذ شرعت لها ما يحقق وجودها في المجتمع، أو من حيث البقاء والاستمرار بإنمائها وحمايتها من أسباب الفساد والزوال.

أولا حفظ الدين، فقدر الإسلام ما للدين من أهمية في حياة الإنسان حيث يلبي النزعة الإنسانية إلى عبادة الله ولما يمد به الإنسان من وجدان وضمير ولما يقوى في نفسه من عناصر الخير والفضيلة وما يضفي على حياته من سعادة وطمأنينة ولتلك الأسباب كلها كان الدين ضرورة حياة بالنسبة للإنسان يقول تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ولو نظرنا لوجدنا انها حافظت شريعة الإسلام على الدين سواء من حيث غرسه في النفوس وتعميقه فيها، ثانيا حفظ النفس فهي من ضروريات الحياة الإنسانية فعصمة النفس وصون حق الحياة وقد شرع الإسلام عدة وسائل للمحافظة على النفس فمن جهة الوجود شرع الزواج من أجل التناسل والتكاثر وإيجاد النفوس لتعمر العالم وتشكل بذرة الحياة الإنسانية في الجيل الخالف وقد نوه الإسلام بالعلاقة المقدسة بين الزوجين واعتبرها آية من آيات الله (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) أما من جهة الاستمرار فقد شرع عدة وسائل لحفظ النفس أوجب على الإنسان أن يمد نفسه بوسائل الإبقاء على حياته من تناول للطعام والشراب وتوفير اللباس والمسكن، فيحرم على المسلم أن يمتنع عن هذه الضروريات إلى الحد الذي يهدد بقاء حياته، كما اعتبر الحصول على هذه الضروريات هو الحد الأدنى الذي يلزم المجتمع ممثلا في الدولة بتوفيره للأفراد العاجزين عن توفيره لأنفسهم بل أوجب على الإنسان إذا وجد نفسه مهددة أن يدفع عن نفسه الهلاك بأكل مال غيره بقدر الضرورة كما أوجب على الدولة إقامة الأجهزة الكفيلة بتوفير الأمن العام للأفراد من قضاء وشرطة وغيرهما مما يحقق الأمن للمجتمع وأوجب المحافظة على كرامة الإنسان بمنع القذف والسب ومنع الحد من نشاط الإنسان من غير مبرر وبهذا حمى حريات الفكر والعمل والرأي والإقامة والتنقل قال الله تعالى (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) ومنها أيضا تشريع الرخص بسبب الأعذار الموجبة للمشقة التي تلحق النفس فينشأ منها ضرر عليها كرخص الفطر في رمضان بسبب المرض والسفر وقصر الصلاة في السفر كما حرم الإسلام قتل النفس سواء قتل الإنسان نفسه أم قتله غيره قال الله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) وشنع على هذه الجريمة فاعتبر قتل نفس واحدة بمثابة قتل الناس جميعا قال تعالى (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) وفي الحديث (من قتل معاهدا لم يرح ريح الجنة) أوجب القصاص في القتل العمد، والدية والكفارة في القتل خطأ قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ) وقال تعالى (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما)

ثالثا حفظ العقل فللعقل في الإسلام أهمية كبرى فهو مناط المسئولية، وبه كرم الإنسان وفضله على سائر المخلوقات وتهيأ للقيام بالخلافة في الأرض وحمل الأمانة من عند الله، قال تعالى (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ) ولهذه الأهمية الخاصة حافظ الإسلام على العقل وسن من التشريعات ما يضمن سلامته وحيويته وقد رفع الله مكانة العقل وتكريم أولي العقول في أكثر من آية من القرآن الكريم، قال الله تعالى (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب) (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) رابعا حفظ النسل ويقصد به حفظ النوع الإنساني على الأرض بواسطة التناسل ذلك أن الإسلام يسعى إلى استمرار المسيرة الإنسانية على الأرض حتى يأذن الله بفناء العالم ويرث الأرض ومن عليها ومن أهم مبادئها شريعة الزواج ورابعها النسل أي حق الأسرة وحق الزواج وخامسا حفظ المال وهو ضرورة من ضروريات الشريعة الإسلامية فقد أوجب الإسلام الحفاظ على الممتلكات الخاصة لأي فرد كما أن المال نعمة وهبها الله لعباده ودعاهم لتحصيلها بالطرق المشروعة وحرم الربا والغش والاحتكار وكل ما يؤدي إلى إهلاك المال أو جنيه من حرام فهذه هي الضروريات الخمس التي أوجبتها الشريعة الإسلامية.
الجريدة الرسمية