رئيس التحرير
عصام كامل

د. محمد الضويني: أصحاب الأجندات يحاولون إفساد علاقة التقدير والاحترام بين الأزهر والقيادة السياسية (حوار)

الدكتور محمد الضويني
الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، فيتو

 

>> مناهجنا لاتحض على التطرف ويجرى تحديثها وأعترض على مصطلح تنقيتها
>> مناهج الازهر تفند شبهات الجماعات المتطرفة بشأن الحاكمية والخلافة والجهاد
>> إنجازات الإمام الطيب لا ينكرها إلا حاقد أو جاهل
>> لدينا لجنة دائمة لتطوير أساليب الدراسة والتعليم
>> نرسخ فى ذهن الطالب الأزهرى مبدأ الحوار وشرعية الاختلاف وليس الانغلاق فى الفكر والتعصب للرأى
>> نعمل بخطة ومنهج واضح فى معالجة ومواجهة المشكلات والقضايا المعاصرة
>> الأزهر لم يقصر يومًا ويبذل قصارى جهده فى نشر رسالته العالمية

 

يتعرض الأزهر لهجوم ممنهج بين الحين والآخر، منصات تعمل بشراسة لإنكار أي مجهود يذكر على الأرض لهذه المؤسسة العملاقة فى التاريخ الإسلامى، ووسط بحر من المشكلات التى تتعرض لها المنطقة من التطرف والإرهاب والمحاولات السامة من ناحية أخرى للإيقاع بالمؤسسات الرسمية ووأد صورتها الذهنية لدى المواطن العادى، برزت جهود الدكتور محمد الضوينى وكيل الأزهر الشريف الذى عين بقرار من الرئيس عبد الفتاح السيسى فى عام 2020، وجرى التجديد له بعد ذلك بعد أن أثبت أستاذ الفقه المقارن فى جامعة الأزهر سابقا، نجاح رهان الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف عليه بعد ترشيحه لشغل المنصب الأكثر أهمية داخل المشيخة بعد منصب شيخ الأزهر الشريف.
"فيتو" أجرت حوارًا مفصلا مع وكيل الأزهر، تحدث خلاله فى العديد من الملفات المهمة وكشف حقيقة العلاقة بين مؤسسة الأزهر الشريف والقيادة السياسية ودور الأزهر كأحد أركان القوى الناعمة للدولة المصرية لحماية الوسطية ومجابهة التطرف فى مصر والعالم.
دافع وكيل الأزهر الشريف عن المناهج التى يتم تدريسها للطلاب، مؤكدا أنها تعمل منذ نشأة الأزهر على ترسيخ الروح الحقيقية للإسلام فى عقول الطلاب والمنتسبين له، عبر ترجمة صادقة لجوهر التراث الإسلامى الذى يدور حول أبعاد ثلاثة، هى العقيدة، والشريعة، والسلوك، وذلك من خلال دراسة علوم النقل والعقل والذوق، بما يجعل التكوين أزهريا، وإلى نص الحوار:

 

*فى البداية.. كيف تقيم سير العملية التعليمية فى المعاهد الأزهرية بشكل عام خلال الفترة الأخيرة؟


فى الحقيقة إن حرص فضيلة الإمام الأكبر على التطوير والارتقاء الدائم بالتعليم الأزهرى، وكذا تحقيق رؤية مصر 2030، التى جاءت لتعكس الخطة الاستراتيجية طويلة المدى للدولة المصرية لتحقيق مبادئ التنمية المستدامة وأهدافها، والتى انطلق من خلالها الأزهر لتطوير العملية التعليمية فى مختلف مجالاتها؛ كان لهما عظيم الأثر فى الآونة الأخيرة على طلاب الأزهر والقائمين على العملية التعليمية، وعلى الطلاب الوافدين حتى يكونوا خير سفراء للأزهر فى بلادهم، وقد اتخذنا من خلال توجيهات فضيلة الإمام الأكبر ‏خطوات جادة نحو تطوير التعليم الأزهرى وتحديث المناهج الدراسية بما يتواكب ‏مع متطلبات العصر، ‏وهناك تطور تكنولوجى حاليا يتم على أرض الواقع‎ ‎نهدف من خلاله إلى الارتقاء ‏بأداء المعلمين ورفع ‏المستوى العلمى للطلاب.

*كيف ترد على الأصوات التى تدعى أن مناهج الأزهر تحض على التطرف؟


من يقول بذلك لا يعلم شيئا عن مناهج الأزهر، هو فقط يدعى ويهاجم الأزهر بلا علم ولا وعى، ولو أنه اقترب قليلا من مناهج الأزهر لاكتشف أبعادها وجوهرها، إذ إنها تعمل منذ نشأة الأزهر على ترسيخ الروح الحقيقية للإسلام فى عقول الطلاب والمنتسبين له، عبر ترجمة صادقة لجوهر التراث الإسلامى الذى يدور حول أبعاد ثلاثة، هى العقيدة، والشريعة، والسلوك، وذلك من خلال دراسة علوم النقل والعقل والذوق، بما يجعل التكوين الأزهرى، بهذا التركيب المتفرد، يمثل وسطية الإسلام التى هى أخص وصف لهذا الدين القيم، كما يمثل الفهم المعتدل لنصوص الكتاب والسنة، وما نشأ حولها من إبداعات علمية وفكرية وروحية.
كما أنه يرسخ فى ذهن الطالب الأزهرى، منذ نعومة أظفاره مبدأ الحوار وشرعية الاختلاف، معتمدا على السعة العقلية والقلبية، التى مكنت هذا المنهج من أن يجنب أبناءه الانغلاق فى الفكر، والتعصب للرأى.
ولدينا فى الأزهر منهج تعليمي يدرس لأبنائنا الطلاب والطالبات فى المرحلتين الإعدادية والثانوية، ويتضمن موضوعات تتناول علاقة المسلم بغير المسلم، ومعنى التعايش والاندماج فى المجتمعات، ومفهوم السياسة والدولة فى الإسلام، ويفند شبهات الجماعات المتطرفة بشأن الحاكمية والخلافة ومفهوم الجهاد، وهو كتاب "الثقافة الإسلامية " الذى رُوعى فى كتابته أن يكون معدا بأسلوب سهل ومبسط يناسب المراحل العمرية والتعليمية المختلفة.

*هل يمكن القول إن جميع مناهج الأزهر فى التعليم ما قبل الجامعى والجامعى تم تنقيتها وتطويرها بشكل كامل؟


دعنى أسجل اعتراضى على مصطلح "تنقيتها" لأنه لا يناسب مناهج الأزهر، التى ظلت ساطعة حاملة للفكر الوسطى على مدى قرون عدة، لكن اتفق مع مفهوم تطويرها وتحديثها بما يتناسب مع متطلبات العصر، وهو ما حدث ويحدث بالفعل.
وهناك لجنة دائمة لتطوير مناهج الأزهر بشكل مستمر، ويقوم أعضاؤها بالتواصل مع جميع الإدارات بمختلف محافظات الجمهورية وإدارات التعليم المختلفة، من أجل الاستماع إلى ملاحظاتهم، لجعل تلك المناهج قادرة على مواكبة تطورات وتغيرات العصر.

*البعض يزعم أن هناك حالة من عدم التوافق فى الرؤى بين مؤسسة الأزهر والقيادة السياسية.. كيف ترى ذلك؟


العلاقة بين مؤسسة الأزهر الشريف والقيادة السياسية علاقة جيدة تقوم على الاحترام والتقدير المتبادلين، والثقة فى مؤسسة الأزهر والإيمان بدورها كأحد أركان القوى الناعمة للدولة المصرية، وهو ما ينعكس فى أحاديث الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى دائمًا ما يشيد بالأزهر الشريف ودوره فى حماية الوسطية ومجابهة التطرف فى مصر والعالم.
كما أن الأزهر الشريف مؤسسة وطنية خالصة، لها دورها الوطنى المشهود فى الماضى والحاضر، ودائمًا ما يتسق دورها مع دور القيادة السياسية لخدمة الوطن، وهو ما أثبتته السنوات القليلة الماضية
إذ كان للأزهر دور فريد فى عبور العديد من المراحل الحرجة والأزمات التى مرت بها مصر خلال السنوات الماضية، ومهما حاولت بعض الأصوات المغرضة إفساد هذه العلاقة، لن تجد محاولاتهم صدى، ولن تتجاوز أصواتهم نطاق حناجرهم، فأهدافهم معروفة للجميع.

*وكيف تفسر الهجمات التى يشنها البعض بين الحين والآخر على الأزهر الشريف وإمامة الأكبر؟


دعني هنا أفرق بين النقد والهجوم، فنحن فى الأزهر نرحب بالنقد البناء الذى يدفع للأمام، ونستفيد منه، بل نحث عليه، أما هؤلاء الذين يقومون بالتجريح والهجوم غير المبرر الذى لا يستند على أدلة، ويستهدف أساليب غير مقبولة لا دينا ولا أدبًا ولا أخلاقا، فهم لا يريدون لمؤسسة الأزهر أن تستمر فى النهوض وأداء دورها، ولكنهم يهاجمون وفق أجندات موضوعة ومعروفة للجميع وهؤلاء لا نلتفت إليهم.
ودائمًا ما يكون الرد عليهم حاسما وقاطعا، سواء كان ذلك على صفحات التواصل الاجتماعى أو غيرها من المنصات الإلكترونية، وفضيلة الإمام الأكبر ولله الحمد يحظى بحب الجميع وثقتهم
وقد تمكن خلال سنوات قليلة من قيادة الأزهر إلى تحقيق الكثير من الإنجازات الكبيرة، وبفضل جهوده المخلصة عاد الأزهر الشريف إلى دوره الريادى على مستوى العالم، كما أسهم فى تحقيق حالة حقيقية من التواصل والحوار بين الأديان، وأعاد مد الجسور بين الشرق والغرب
وإنجازات فضيلته فى ذلك مشهودة لا ينكرها إلا حاقد أو جاهل، بالإضافة لما تحقق داخل الأزهر الشريف من نهضة حقيقية على المستويات الدعوية والتعليمية والعلمية.

*هل هناك خطة أو مشروع معين يعمل عليه الأزهر مؤخرًا فى ملف تجديد الخطاب الدينى؟


الأزهر دائمًا يعمل من خلال خطة ومنهج واضح فى معالجة ومواجهة المشكلات والقضايا المعاصرة وخاصة تجديد الخطاب الدينى لما له من أهمية كبرى للأمة الإسلامية، لذا قد اتخذ الأزهر الشريف خطوات عدة من أجل تجديد الفكر والعلوم الإسلامية فى إطار مهمته لنشر صحيح الدين الإسلامى فى ربوع العالم
حيث اتخذ العديد من القرارات لتجديد الخطاب الدينى والذى بدأ فى عام 2011 عقب تولى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، منصب الإمام الأكبر، ومنها: تطوير المناهج الأزهرية، وتنقيحها من النصوص والأقوال التراثية التى قيلت فى سياقات مختلفة لا تتناسب والواقع المعاصر، وتضمينها بما يساعد على نشر ثقافة السلام والتعايش والمواطنة بين جميع الشعوب والثقافات، فضلا عن إنشاء الهيئات والقطاعات الجديدة، التى تُعنى بالفكر الإسلامى وقضاياه المعاصرة وتُسهم فى تجديد الفكر الدينى ونشر الفهم الوسطى للإسلام
وهذه الهيئات تعمل بشكل مستمر كما لها خطة تعمل بها فى المستقبل، لنؤكد أن الأزهر مؤسسة متجددة ومتطورة تهتم بالتراث والمحافظة عليه كما تعمل على التجديد فيه بما يلائم العصر دون تفريط أو تشدد، لأن التجديد لا يتم بالطفرة التى تقفز على الواقع ولا بالقطيعة التى تنفصم عن الماضى بل يجب الاعتداد بما انتهى إليه فكر كبار المجددين فى الإسلام، خاصة فى العصر الحديث، واعتبار ما أسفر عنه التراث البناء القريب خطوات صائبة فى التطور والتحديث، بما تهدف إليه من ترسيخ العقائد الثابتة، وتطوير التشريعات المتغيرة، واستحداث التوجهات الملائمة لروح العصر وتحولات الزمن، وتغليب المصالح العليا للأمة طبقًا للأولويات التى تفرض نفسها، تحقيقًا لمقاصد الشريعة ومسايرة لحركة الحياة.

*كيف ترى الحراك الذى يشهده الجامع الأزهر مؤخرًا للاشتباك مع قضايا الواقع؟


الأزهر لم يقصر يومًا أو يتباطأ فى تأدية مهامه، بل يبذل قصارى جهده طوال الوقت لينشر رسالة الأزهر العالمية فى كل ربوع العالم، وتحرك الجامع الأزهر أمر طبيعى وهذا ما يفعله كل قطاع من قطاعات الأزهر طوال الوقت وليس الجامع فحسب، ومتابعة كل القضايا المستجدة والحديثة والقضايا التى تثير اللغط، فهذا ما يفعله ولا يكتفى بمجرد المتابعة، بل يعمل على مواجهتها وتقديم حلول ناجعة لها، وذلك من خلال الهيئات المعنية مثل مجمع البحوث الإسلامية، ومركز الأزهر العالمى للرصد والفتوى الإلكترونية، والجامع الأزهر، والذين يعملون على مدار اليوم وينتشرون فى كل أنحاء الجمهورية للتوعية والتثقيف والتعليم، فالأزهر صاحب رسالة ويعمل على تأديتها على أفضل وجه.


*فى النهاية.. ما هى رسالتك للأسر المصرية والشباب فى ظل الظروف الاقتصادية التى نعيشها مؤخرًا؟


أقول لهم إن بناء أسرة مصرية سليمة وواعية كفيل بتقدم الوطن ورفعته، فالأسرة ستظل دائمًا صمام الأمان للمجتمعات، وستبقى حامية له من الآفات الخطرة التى فتكت بمجتمعات أخرى تقلص فيها دور الأسرة فى التربية والتوجيه الاجتماعى إلى حد كبير، بسبب انهيار القيم والمفاهيم التى تقوى روابط الزوجية والقرابة وبر الوالدين وصلة الأرحام وإدارة الحياة الزوجية على نحو شرعى.
وللأسف قد تعرضت الأسرة المصرية فى الفترة الأخيرة إلى موجة من الهجمات الشرسة، بعضها نتاج التكنولوجيا المتطورة التى استطاعت أن تؤثر سلبًا على بنيانها وتماسكها وتواصل أفرادها وتأثير بعضهم فى بعض
ولعل هذا الخطر الداهم الذى يواجهنا يفرض على مؤسسات الدولة جميعها تحديًا كبيرًا، لذا كان علينا فى الأزهر الشريف كمؤسسة تعليمية وتوعوية وتربوية أن نتدخل ونعمل على حماية الأسرة وتحقيق الأمن المجتمعى الشامل الذى يؤدى إلى التقدم والتنمية، ولهذا نواصل العمل على مواجهة الظواهر السلبية التى صارت تهدد الأسرة.
كما أننا نتطلع إلى تنشئة سليمة لأجيال القرن الحادى والعشرين الذى سيكون فى سباق مع الزمن، وسيواجه تحديات جسيمة فى ظل طغيان القيم المادية على القيم المعنوية وفى ظل التقدم التقنى الذى صار يقفز قفزات خيالية
وهدفنا أن تخرج هذه الأجيال مؤهلة ومشاركة مع الآخرين، لا مستهلكة فحسب، وحتى يكون لها دور فى صنع القرار المصيرى على الأقل فى نطاق أسرته ثم مجتمعه، ومتسلحين بالقيم الروحية والمعنوية التى تحدد معالم شخصياتهم الإسلامية، هذا دورنا بالفعل مع الأسرة المصرية والشباب وليس مجرد رسائل نقدمها لهم فقط.

 

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
 

الجريدة الرسمية