رئيس التحرير
عصام كامل

اتفاقية الحبوب.. دروس مستفادة!

ما جدوى الاتفاقيات الدولية إذا لم تكن ذات جدوى أو عائد حقيقي تجنيه الدولة أي دولة من ورائها.. فإذا انعدمت الجدوى فإن أي اتفاقية لا تساوي الحبر الذي كُتبت بها.. هكذا فعلت مصر حين انسحبت من اتفاقية الحبوب التابعة للأمم المتحدة التي جرى إبرامها قبل عقود.. ذلك أنها لم تعد ذات قيمة مضافة في ظل ما عانته القاهرة خلال الأشهر الماضية، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم، في تدبير احتياجاتها من القمح بعد الأزمة الأوكرانية. 

 

القرار جرى اتخاذه بعد تقييم موقف أجرته وزارتا التموين والتجارة، وخلص إلى أن عضوية مصر لا تمثل قيمة مُضافة رغم أنها من أوائل الدول التي انضمت لتلك الاتفاقية فور نفاذها في العام 1995.. وأيًا ما تكن مبررات قرار الانسحاب ودوافعه.. فإنه فرصة حقيقية لإعادة النظر في مسألة تحقيق الاكتفاء الذاتي ليس من القمح فحسب بل من كل منتج غذائي نحتاجه في الحياة اليومية في ظل ما تمر به البلاد من صعوبة في تدبير الدولار. 

 

تحقيق الاكتفاء الذاتي

ولماذا لا نعود يومًا لاتفاقية الحبوب ليس من باب الاحتياج والاستيراد، بل من باب الفائض والتصدير؛ فمصر بلد زراعي بالأساس، تملك خبرات كبيرة وكوادر علمية وفنية قادرة إن صح العزم على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والغذاء.

 

وربما تكون أزمة أوكرانيا التي تبشر بميلاد نظام دولي جديد متعدد الأقطاب بدأت ملامحه في التشكل والنمو ومزاحمة أمريكا القطب الأوحد على قيادة العالم ربما تكون فرصة لتدارس الأمر واتخاذ قرار ربما تأخر كثيرًا بضرورة اتخاذ إجراءات فورية ووضع خريطة طريق لتصحيح مسار الاستيراد ومضاعفة الإنتاج المحلي.

 

فليس مستساغًا أن تعتمد دولة يزيد عدد سكانها على 100 مليون نسمة على استيراد أكثر من 90% زيت الطعام، وأكثر من 60% من الغذاء رغم المعاناة في تدبير الدولار الذي لا يزال مهيمنًا على العالم. 

 

وإذا كانت مصر قد وجدت عونًا من روسيا أكبر مصدر للحبوب في العالم مع أوكرانيا.. فماذا لو تغير الحال مع روسيا وتقاطعات معها المصالح فكيف نؤمِّن الحصول على احتياجاتنا من الحبوب ساعتها.. أم نعود مرة أخرى لطلب الانضمام لاتفاقية الحبوب؟! 

 

رأيي أننا لابد أن نعتمد على أنفسنا في تدبير احتياجاتنا دون الدخول في حسبة برما ليبقى غذاء الشعب في مأمن من تقلبات السياسة وصراعات المصالح الدولية شديدة التغير. 

 

 

وإذا كانت القاهرة قد بذلت فيما مضى جهودًا كبيرة للغاية لتأمين احتياجاتها الغذائية من الدول المختلفة، واستطاعت الصمود أمام تداعيات أزمة أوكرانيا، التي  كان يمكنها أن تهدد أمننا الغذائي ولم تنفعها اتفاقية الحبوب في شيء وقتها؛ فهذا أدعى أن نفكر خارج الصندوق وأن يكون الأمن الغذائي أولوية قصوى نعمل على تأمينه.

بإعادة النظر سريعًا في سياستنا الزراعية لتعظيم الناتج الزراعي وتغيير النمط أو الدورة الزراعية لاستعادة مجد القطن المصري وتدبير احتياجاتنا من الأعلاف التي رفعت سعر الدجاج وبيض المائدة لمستويات غير مسبوقة.  

ختام الكلام: ما حكَّ جلدَك مثل ظفرِك.. فتولَّ أنت جميعَ أمرك

الجريدة الرسمية