رئيس التحرير
عصام كامل

هل تتعاون بيلاروسيا مع موسكو في حربها ضد أوكرانيا؟ مسؤول روسي يجيب

حرب أوكرانيا، فيتو
حرب أوكرانيا، فيتو

مع تصاعد القصف المتبادل في أوكرانيا انتشر مؤخرًا مقطع فيديو تم تداوله علي وسائل التواصل الاجتماعي  في بيلاروسيا يظهر دعوات لجميع المواطنين الذكور بسرعة الذهاب إلي مكاتب التجنيد،  فمقطع الفيديو  المنتشر تم تصويره في إحدى محطات الحافلات في مدينة " باريساو " بالقرب من العاصمة مينسك، يدعو كافة الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 18 والـ60 عامًا سرعة الذهاب لمراكز التجنيد أو اللجنة التنفيذية بالمدينة البيلاروسية  للإدلاء ببيانتهم وتوضيحها.

 الأمر الذي أثار مخاوف  أوكرانيا والداعمين لها من تورط  العاصمة مينيسك في الحرب الروسية الأوكرانية بحدوث تعبئة عسكرية في الدولة التي يترأسها ألكسندر لوكاشينكو حليف الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين المقرب،وذلك  حسبما ذكرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية.

وبالعودة الي بداية العلاقات بين مينسك وموسكو  قبل بدء الحرب الروسية الأوكرانية نجد أنه  منذ أن حشدت روسيا قواتها علي  الحدود الأوكرانية قبل انطلاق العملية العسكرية التي باتت تقترب من عامها الأول  وموقف بيلاروسيا من الحرب محط أنظار الجميع، خاصة أنها أعلنت في بداية الحرب دعمها لموسكو واستمر ذلك الدعم رغم  العقوبات التي طالتها، مما أشار إلي وجود علاقات قوية ومصالح استثنائية بينهما دفعتها لتحمل المخاطرة، الأمر الذي أكد عليه الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو، عندما قال أن مهمة بلاده منع طعن القوات الروسية المتقدمة من الخلف، ولم يقتصر الأمر علي مساندة القوات فقط، بل امتد إلي مهاجمة أوكرانيا من خلال اعتراض وتدمير صاروخ "توتشكا-أو" أطلقته كييف نحو بلاده.

فبيلاروسيا تعتبر أن أي خطوة تتخذها روسيا تصب في مصلحتها، وأنه من الواجب عليها حماية حدودها مع الدول التابعة لحلف الناتو أو المقربة له، لذا أرسلت منذ بداية الحرب 5 كتائب تكتيكية إلي الحدود محل القوات المتمركزة في إطار عملية التناوب، فموسكو ومينسك تربطهما مصالح ذهبية  من الناحية الجغرافية والدين والاقتصاد والسياسية، كما تعد بيلاروسيا نقطة مهمة لموسكو لاشتراكها بحدودها الشرقية مع روسيا، والجنوبية مع أوكرانيا؛ وهي الأقرب للعاصمة الأوكرانية مقارنةً بروسيا، وهو ما ساعد القوات الروسية في شن العملية على أوكرانيا من نهر دنيبرو على الجانب الغربي للحدود البيلاروسية-الأوكرانية.

وبالعودة لبداية الحديث، فإن الفيديو المتداول أثار  المخاوف بشدة خاصة وأنه سبق أن اجتمع الرئيس البيلاروسي مع نظيره الروسي الشهر الماضي واتفقا على تعزيز الدفاعات المشتركة ومواجهة العقوبات الغربية بما يضمن أمن الجانبين والتدريبات العسكرية المشتركة  وتبادل الأسلحة، وهو ما يثير القلق بشأن تلك اتفاقيات الثنائية للهجوم لي أوكرانيا، وأن يكون ذلك  الفيديو هو بمثابة الثمرة التي  تعلن بها الدولتان عن بداية خطتهما واستعداد بيلاروسيا  للتعبئة الحقيقة للجيش والمشاركة في الحرب الأوكرانية الروسية، خاصة أن هناك الكثير من الدعاية المعادية للغرب في بيلاروسيا  والتي مفادها أن هناك قوات للناتو علي حدود البلاد مستعدة للغزو، وذلك حسبما قالت الصحفية البيلاروسية هانا ليوباكافو والتي نشرت الفيديو عبر حسابها الرسمي علي تويتر.

وفتح ذلك الفيديو المتداول بعد زيارة بوتين لبيلاروسيا بفترة قليلة باب التساؤلات عن احتمالية إشراك القوات المسلحة لجمهورية بيلاروسيا في الحرب ضد أوكرانيا إلى جانب الاتحاد الروسي، خاصة وأن  كييف علي مدار الأسابيع الماضية مستمرة في تحذير كييف من احتمالية سعي موسكو لشن هجمات انطلاقًا من الأراضي البيلاروسية  في وقت يزداد فيه معدل التدريبات المشتركة بين البلدين، مشيرة لتوجه آلاف الجنود الروس إلى بيلاروسيا وحديث مينسك عن تحققها من استعداد جيشها القتالي بعد  توقيع اتفاقية دفاعية مع موسكو  الشهر الماضي.


وبحسب "نيويورك تايمز"  نقلا عن محللون عسكريون فإن هذه العملية قد تكون جزءًا من حيلة ميدانية  لتشتيت القوات الأوكرانية عن جبهات القتال المشتعلة شرقي البلاد وجنوبها، بينما في المقابل ينفي الكرملين المزاعم الغربية عن إشراك بيلاروسيا في العملية العسكرية الخاصة.

ومن جانبه قال المستشار الروسي  في الإتصالات الإستراتيجية والسياسية الكسندر هوفمان، أن زيارة بوتين إلي مينسك  قبل عدة أسابيع تعد الزيارة الأولي التي يقوم بها رئيس روسي إلي بيلاروسيا منذ فترة طويلة، وتعد تلك الزيارة بمثابة  تعزيز لعملية التكامل داخل دولة الاتحاد-  روسيا وبيلاروسيا-،  ففي الرابع من نوفمبر للعام 2021 أطلقت موسكو ومينيسك 28 برنامجا مشتركا للتكامل الاستراتيجي، بالإضافة إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، لذا فإن التكامل في إطار دولة الاتحاد ينطوي أيضا على رؤية مشتركة في مجالات الدفاع والأمن.

وتابع هوفمان:" في المؤتمر الصحفي للزعيم الروسي ونظيره البيلاروسي تم  الاتفاق علي مواصلة روسيا إجراء التدريب الذي اقترحته بيلاروسيا لأطقم الطائرات المقاتلة التابعة للقوات الجوية البيلاروسية لاستخدام ذخيرة الطيران مع جزء نووي، وهذا الشكل من التفاعل يستخدم بالفعل من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، وأن تضع المجمعات الروسية  أنظمة الصواريخ التكتيكية اسكندر وS-400  في الخدمة القتالية في بيلاروسيا لأداء الخدمة المنوطة لها،  إضافة الي تنفيذ التخطيط العسكري المشترك في ولاية الاتحاد  والعمل علي تنظيم تجمع للقوات على أراضي بيلاروسيا.


وأضاف أن قادة البلدين ناقشا في  المحادثات التي جرت بينهما قضايا تشكيل مساحة دفاعية مشتركة وضمان أمن دولة الاتحاد (الروسي -البيلاروسي) وكذلك التعاون في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، خاصة فروسيا تري أن الغربيين لكييف وتحديدا بولندا لهم أطماع في الأراضي الأوكرانية،  إلى جانب ذلك  يقوم الناتو بتعزيز وجوده العسكري في أوروبا الشرقية وفي منطقة البلطيق على وجه الخصوص، وأن النشاط العسكري للمجتمع الأطلسي بالقرب من حدود روسيا وبيلاروسيا شكل تهديدا جيوسياسي ملموس.


وبالنظر الي ماسبق ذكره من جدول اعمال القمة الروسية البيلاروسية  قال هوفمان أن وجود وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو في مينسك كجزء من الوفد الروسي الذي جذب اهتماما اعلاميًا واسعًا من المجتمع الأطلسي  أمر مفهوم وواضح تمامًا فإدارته مسؤولة عن تقارب النهج في هذه المجالات.
وأشار الي أن قرار بيلاروسيا بتوسيع عملية  التدريب  لجنود الاحتياط جاء بسبب التوترات المستمرة في المنطقة وزيادة نشاط الناتو، وخشية من أن تهديدات محتملة، فقوات الأمن البيلاروسي  تستعد لأي هجوم ورد أي تهديدات عسكرية مباشرة لأراضيها وسيادتها، موضحًا أن الرئيس الروسي  أكد  خلال لقائه بنظيره الروسي  أنه في حال وقوع  أي هجمات عدائية ضد روسيا علي أراضيها ستفي مينيسك بالتزامتها في الدفاع عنها وأن روسيا ستتبع نفس الفعل اذا تعرضت بيلاروسيا لأي تهديد علي أراضيها، كما سلط  الضوء علي  ما قاله الرئيس البيلاروسي في رسالته للبابا فرانسيس، أن «بيلاروسيا والكرسي الرسولي يفعلان الكثير ويجب أن يفعلوا المزيد لإيجاد حل مستدام لأزمة اليوم- روسيا واوكرانيا- وأنه لا يفقد الثقة في الجهود المشتركة لبيلاروسيا والكرسي الرسولي، والتي ستؤدي إلى السلام والهدوء في المنطقة ".

وبدوره قال الدكتور عمرو الديب، أستاذ مساعد فى جامعة لوباتشيفسكى الروسية ومدير مركز خبراء رياليست، فيما يخص التعاون الروسي البيلاروسي في الاتجاه الأوكراني بشكل عام هناك إشارات كثيرة جدًا تؤكد هذا الاتجاه وأن هناك تعاون ما بشكل أو بأخر بين البلدين فيما يخص العملية العسكرية الخاصة  في أوكرانيا، وحتي الأن لا توجد تحركات فعليه ولكن هناك تحضير لتلك التحركات، ففي الفترة الأخيرة لوحظ تحرك قوات روسية عديدة  في الاتجاه البيلاروسي ومناورات مشتركة بشكل شبه دائم بين الدولتين، كل هذه  الأمور تقول أن هناك تحضير ما لأي سيناريو محتمل يمكن أن يحدث من الاتجاه الأوكراني، وفي حال حدوث ذلك ستكون روسيا وبيلاروسيا مستعدتين للدخول بالعملية العسكرية في أوكرانيا أو حتي في أي أرض أخري لأن السيناريو المنتظر يمكن أن يكون أسوأ  ليس فقط في الداخل الأوكراني ولكن يمكن أن ينتقل  الي دولة أخري مثل بولندا علي سبيل المثال أو دول بحر البلطيق التي تكن العداء الكبير لكل ما هو روسي وبيلاوسي، لذلك يمكن بالفعل لتلك البوادر أن نعتبرها إشارات قوية لتحركات وتحضيرات روسية بيلاروسية  علي المستوي العسكري من أجل إمكانية التحرك أو أن تكون الدولتين جاهزتين لأي سيناريو يمكن أن يحدث في المستقبل القريب.


وتابع:" روسيا وبيلاروسيا دولتين تجمعهما دولة الاتحاد  والتي تم التوقيع علي بروتوكولات  التعاون  من خلالها في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وفي اخر عامين تم إعطاء أهمية  كبيرة لتنفيذ تلك البرتوكولات  وتوقيع اتفاقيات اخري، وكما نري اتصالات بشكل شبه مستمر بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  ونظيره البيلاروسي  تصب في اتجاه أن تكون هاتين الدولتين دولة واحدة سواء اقتصاديًا سواء  وعسكريًا، وهذا الأمر يمكن أن تحضير لجبهة روسية بيلاروسية،سواء في الاتجاه الأوكراني أو دول بحر البلطيق التي تعد أعضاء في حلف الناتو.

الجريدة الرسمية