رئيس التحرير
عصام كامل

الخوف والمصير المُر!

توقفت كثيرا عند مصيبة مقتل سيدة أربعينية على يد عشيق ابنتها ذات العشرين ربيعا، وبمساعدة وتحريض من فلذة كبدها. إنها حقًا مصيبة بمعنى الكلمة، والألم كبير والجُرم عظيم والدافع يستحق الدراسة حتى يتعلم الآباء والأمهات قبل فوات الآوان!

من يتأمل سيرة الأم ومظهرها، يُدرك أنها سيدة ملتزمة ومن الصعب أن تكون أخفقت في تربية إبنتها، وترسيخ مفهوم الحلال والحرام والصواب والخطأ، بل إن ملامح وجه البنت ومستوى تعليمها في الجامعة، يحمل براءة وقبولا يعكس شخصية لاقت حظا وفيرا من التربية والاهتمام، وهنا بيت القصيد!

للأسف يقع الكثير من الآباء والأمهات في خطأ بالغ الخطورة أثناء تربية أبنائهم، هذا الخطأ هو ارتباط العقاب الرادع كنتيجة حتمية لعدم الالتزام بقواعد الدين والتربية والعادات، وخاصة إذا ارتبط الخطأ بشيء يخص الدين، وهنا ينمو شيطان الخوف داخل الأبناء، حتي يصبح هذا الشيطان قويا عنيدا..

يتحكم ذلك الشيطان فيهم ويدفعهم إلي الإصابة بمرض عضال، أُطلق عليه "متلازمة أعراض الخوف" لدى الأطفال والمراهقين، هذه المتلازمة اللعينة التي تظهر في فعل كل ما هو ممنوع، ثم محاولة اخفائه، ثم الكذب واحتراف اختلاق القصص غير الحقيقية للإفلات من العقاب المنتظر!

 شيطان الخوف

ثم يزيد شيطان الخوف داخل أطفالنا وأبنائنا تمردا، عندما يشك الأب والأم في أن أبناءهم يكذبون، أو يكتشفوا كذبهم بالفعل، فيأتي رد الفعل الذي يحمل عنفا لفظيا وجسديا ومعنويا، وكلها عوامل استفزاز لشيطان الخوف داخل أبنائنا، فيزيد معه إصرارهم على ما يفعلون من خطأ..

بل ويحفزهم علي إيجاد طرق بديلة لإخفاء ما يفعلون، وهنا يبدأ الآباء في وضع أبنائهم تحت المراقبة، حتى يكتشفوا كافة الحيل التي يفعلونها لإخفاء ما يفعلون، ويتزامن ذلك مع زيادة غضبهم وحدة عنفهم ويصل إلى التهديد بأشياء مخيفة، قد تهدد حياتهم علي حسب نوع الخطأ!

هنا الشيطان يجد طريقه في الدق على باب المصيبة، حيث يرى الأبناء آبائهم وأمهاتهم أعداء لهم، رغم أنهم فعلوا كل ذلك بدافع الحب الكبير والحرص الوفير والخوف على الأبناء، وللأسف دائما المصير مُر، كما كان لسيدة بورسعيد رحمها الله، حيث أنزل شيطان الخوف غشاوة على عينها، أعمتها عن حب أمها لها وحبها لأمها!

ورغم إنني لا أبرر فعلة الأبناء، لكني أراهم ضحية تربية خاطئة وحب سام وحرص غير حكيم، فالخوف قاتل، وسبب رئيسي في شلل التفكير الصحيح، بل شلل كل أنواع التفكير، وقادر علميا على تغيير كيمياء الجسم بالكامل، وغالبا يخضع الأبناء لسيطرة الشيطان إذا تأكد لهم عدم الحصول على الحماية إذا تعرضوا لخطر علي يد أحد آبائهم، على الرغم أن الآباء في معظم الأحيان لم ولن يؤذوا أبنائها، وكل ما يتفوهون به، إنما هو في إطار التهديد والوعيد.. 

إلا أن الشيطان لا يصور للأبناء هذا المفهوم، خاصة أن هناك نماذج من الآباء تسببت في إلحاق ضرر بأبنائهم لنفس الأسباب، ورغم قلتهم إلا آنها أمثلة موجودة، تحفز فكرة انتقام الأبناء من الآباء، خوفا منهم!!

حقًا المصيبة عظيمة، ولكن الدافع أعظم، رغم أن الحل بسيط وسهل، لكل أب وأم لديكم 14 عاما لزرع قواعد الدين والعادات والتقاليد والتربية الصحيحة في أولادكم، ولابد أن يكون كل منكم مثل وقدوة في كل شيء، ثم 7 أعوام أخيرة عليكم أن تكونو فيها أصدقاء حقيقيين لأبنائكم، تقبلون منهم الخطأ قبل الصواب، بدون عنف من أي نوع، ثم مناقشتهم بالحكمة ومحاولة إعادة التقويم، وهذا هو أمر الله..

الحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، وبعد ذلك عليكم النصيحة وفقط، فإذا لم تستطيع أن تكون سببا حقيقيا في هداية أبنائك خلال21 عاما، وعليك أن تلزم الدعاء وتطلب لهم الهداية من الله وفقط، فمن الحماقة أن تعتقد إنك تستطيع هدايتهم خلال12 دقيقة من العنف!

 

 

كنت أشعر بالألم الشديد عندما أسمع عن ابن أو ابنة قاموا باستدعاء الشرطة لآبائهم في بلاد الغرب، ولكن عندما قارنت ذلك بحادثة مقتل أم على يد ابنتها نتيجة خوفها لإبلاغ والدها عن علاقتها بشاب ومن ثم تعرض حياتها للخطر، وجدت أن ألم استدعاء الشرطة لطرد شيطان الخوف داخلهم، أفضل كثيرا كثيرا من ترك الباب للشيطان على مصراعيه حتى يزهق روح من جعل الله الجنة تحت أقدامها!

الجريدة الرسمية