رئيس التحرير
عصام كامل

فاطمة قنديل: أهتم بتفتيح المسكوت عنه.. والجرأة من صميم كتاباتى.. وليس عندي مناطق وسط (حوار) ( 2 – 2 )

الروائية فاطمة قنديل،
الروائية فاطمة قنديل، فيتو

>> ترجمة روايتى الفائزة إلى لغة أخرى يمنح الجائزة إحساسا شديدا بالفخر
>> كنت قارئة جيدة لأعمال أديب نوبل وتكونت ثقافيا من عمر ١١ عاما 
>> رواية "أقفاص فارغة" تتحدث عن انتهاك خصوصية الناس وهذا سر اختيار الاسم
>> مفتونة بلغة سرد نجيب محفوظ وأتمنى عمل دراسة عنها
>> لست مع الاندماج مع شخصيات أعمالى وأترك مسافة بيني وبين ما أقدمه 
>> المكان عندي ليس حوائط وجدران  ولا أشعر بنوستالجيا طول الوقت 
>> هناك من يلوي نصا لاتهام الكتاب بأنهم كفرة وملحدين
>> أعكف حاليا على جمع القصائد التي كتبتها خلال العامين الماضيين لنشرها 
>> الرقابة الاجتماعية أشد قسوة من الرسمية ومنصات التواصل قد تضع الكاتب في منطقة " الفضيحة "
>> أحب أدب الاعتراف.. ولا التفت للنقد اللاذع مهما طالني من إساءات
>> جيل الوسط لم يشعر بانكسار نكسة ٦٧ لأنهم كانوا أطفالا
>> تأثرت في روايتى " أقفاص فارغة " بلغة وتيمة أديب نوبل
 

" إن قلت ماتخافش وإن خوفت ماتقولش".. بكلمات هذا المثل الشعبي الشهير جسدت الدكتورة فاطمة قنديل الشاعرة والروائية والحاصلة على جائزة نجيب محفوظ مؤخرا عن روايتها الأولى " أقفاص فارغة " مبدأها في الكتابة طوال مسيرتها الأدبية والممتدة لأربعين عاما.
وأكدت قنديل خلال حوارها لـ فيتو على أهمية جائزة أديب نوبل للكتاب، وكيف كان الفنان حسين فهمي وراء رسالتها له.. عن مسيرتها الأدبية وأحلامها وآرائها تتحدث وإلى نص الحوار:   


*بعد فوزك بجائزة نجيب محفوظ عن روايتك الأولى " أقفاص فارغة " هل غير ذلك احساسك النص؟

لا لم يغير إحساسي به، الفوز بجائزة نجيب محفوظ كان كاشفا لأشياء كثيرة منها محبه الناس التي رأيتها سواء بالتهاني على منصات التواصل الاجتماعى أوتليفونيا وجعلتنى أشعر أن الرحلة الطويلة كان لها معنى.
والجائزة تعطي إحساسا شديدا بالفخر لأنها محترمة ولها قيمة كبيرة عند الكاتب بتضمنها الترجمة إلى لغة أخرى وهذا مكسب كبير خصوصا وأننى من الكتاب الذين لم يسعوا إلى ترجمة أعمالهم، فشغلى كان يترجم بشكل متناثر وهذه أول مرة سوف يترجم لى عملا كاملا. 
وبالنسبة لي هذا مهم جدا لتوسيع مجال القراءة، فالترجمة تجعلنا مشاركين في الأدب العالمي.
ولا أرى أي شيئ أكتبه مهم، فأنا اكتب بصدق وأبذل جهدا في الكتابة، وكون هذا مهم أو لا لا استطيع الحكم عليه، وهذا ليس تواضعا وربما تكون أهمية الكتابة عندى في أهمية الكتابة ذاتها، فهي الجزء الأهم في حركتي في الحياة. 
 


*كنت كتبتي رسالة لأديب نوبل – فتى أحلام الصبا – ولم يرد عليها فماذا كتبتي له؟


أتذكر أنه أثناء عرض فيلم خلى بالك من زوزو وكانت كل البنات وقتها واقعات في غرام حسين فهمي، وشعرت وقتها إن البنات تافهه، وكنت أريد أن أشعر بالتميز في فترة المراهقة، فكانت البنات تحبه بتعبير هذا الجيل بأنه " الأمور أو الجان " وكان ذوقي في الممثلين مختلف، أحب محمود مرسي وعزت العلايلي. 
ومن كوميديا المراهقة كنت أعتقد أن نجيب محفوظ يشعر بالغيرة من الفنان حسين فهمي ويسحب منه الأضواء، وكتبت له رسالة أقول له " متزعلش أنت فتى أحلامي أنا ".
وفعلا كنت قارئه جيدة لأعمال أديب نوبل، وتكونت ثقافيا بداية من عمر ١١ عاما وأسرتي كانت تساهم في تكويني بشكل كبير.

*وإذا كتبتي لنجيب محفوظ رسالة الآن بعد فوزك بالجائزة ماذا ستقولين له ؟


ضحكت ثم قالت، الآن لن أكتب له رسائل وإنما سأنقد أعماله بشكل مهني وعموما إحدى أحلامي التي أتمنى تحقيقها أن أعمل دراسة عن لغة نجيب محفوظ.
كل الناس ترى موازاة في التيمة بين ما أقدمه وبين أعماله، كبداية ونهاية مثلا، لانه أحد المصادر التي اشتغل بها، ولكن الحقيقة أنني أحد المفتونين بلغة السرد الخاصة به، فهي لغة شديدة الحسم والصرامة، وهذا ما حاولت أن أقدمه في روايتى " أقفاص فارغة " فالتأثر ليس فقط على مستوى التيمة وإنما اللغة أيضا. 

*عنوان روايتك الاولى كان " أقفاص فارغة ".. هل يعد إسقاطا على الواقع الاجتماعى والسياسي أم اغتراب لهوية المجتمع في ظل التحولات الاجتماعية والتكنولوجية؟


اختيار الأقفاص الفارغة لأن هناك مشهدا داخل الرواية عنها ورأيته أكثر تجسيدا للمناخ العام للعمل، فالرواية تتحدث عن انتهاكات الخصوصية التي يفعلها الناس، سواء في الطفولة أو الأسرة، وانتهاكات العلاقات التي يدخل فيها الفرد حتى ولو كانت من أقرب الناس له.
وبالنسبة لي " الاقفاص الفارغة " هي مجموعة العلاقات التي نحبس أنفسنا فيها وهى في الحقيقة تعوقنا وتكبلنا وتنتهك حياتنا بدعوة حمايتنا، وهذه كانت أول مرة أضع فيها عنوانا لكتبي وأعنيه تماما. 

*ذكرتى من قبل أن الرواية بها أصداء من الحس الملحمي للثلاثية وأصداء من أصداء السيرة الذاتية.. هل تستمد فاطمة قنديل شخصيات أعمالها من الواقع وتتأثر بهم ؟


أتكأ على جزء من الواقع ولكن لابد من الدخول في الوسيط وهو اللغة وتجاربها ونصوصها، فواقع الكاتب ليس كل ما يعيشه يوميا، وأنما هو خليط مثل النسيج من ما يحياه وما يسمعه من آراء وما قرأه وأفلام يشاهدها وتجارب عاشها، فهنا التجربة الشخصية مكونة من كل هذه الأشياء مع جزء من التخيل.

والتأثر بأبطال العمل هذه مدرسة، وأنا لست مع الاندماج بيني وبين شخصيات أعمالى، فدائما أترك مسافة بيني وبين ما أقدمه وبين نفسي، وربما كنت متأثرة لحظة الكتابة، لا أتذكر جيدا لأن العمل صدر عام ٢٠١٩، خصوصا وأن شخصيات الرواية إن لم أخلقها بنسبة ١٠٠٪  كنجيب محفوظ فأنا عندي مساحة ذاكرة أتحدث من خلالها في صورة رواية، وهذه الشخصيات كانت موجودة في حياتي، أيضا يوسف إدريس مثلا كان يقال عنه أنه عندما يكتب يضحك لان شخصية العمل فاجأته بشيء ما، وهذا نمط مختلف عما قدمته في أقفاص فارغة. 

*غلاف الرواية مميزا ويظهر أما تضع يدها علي كتف صغيرتها.. فما دلالة ذلك وهل تحتاج فاطمة قنديل إلي من يطبطب عليها ؟


اختيار الغلاف ليس اختيارى أنا وإنما رؤية دعاء العدل بعد قراءتها للرواية، وعندما رأيت الغلاف شعرت بأنه " خطف قلبي " وقلت لها ذلك، فهو تماس بين رؤيتين، وفكرة الأم والطفلة تتماس معه نساء كثير، ويبدو أنه لمس عند المصممة شيء مشترك له علاقة بالأمومة. 
وكونت الغلاف من صورة فوتوغرافية ثم أعادت الموتيفات بشكل مختلف، ووضعت علبة الشيكولاته والأم وصورة البنت التي تحمل قطة علي الغلاف، فأنا لي صورة وأنا طفلة واحمل عروسة وهي اشتغلت علي ذلك.

* هناك تاريخ مكتوب في كتب التاريخ وهناك تاريخ آخر للفرد تغفله كتب التاريخ ".. من وجهة نظرك أيهما أهم في التوثيق وأكثر إنصافا للمجتمع ؟ ولماذا ؟


كتب التاريخ مهمة وهناك روايات تاريخية، وأنا لا اميل لهذا النوع من الكتابة ولا أحب التاريخ، ولكن أحب تحولات الانسان – الفرد البسيط – التاريخية.
مثلا نجيب محفوظ عندما كتب الثلاثية تحدث عن تحولات الأسرة وتحولات المجتمع في " ثرثرة فوق النيل " من خلال مجموعة من الناس، وتحولات المجتمع " ميرامار" أو في " زقاق المدق " 
فأنا أحب هذا النوع من التاريخ، وحاولت أن أرصد تحولات الأسرة في روايتى أقفاص فارغة ولكن رصدتها من خلال عائلة واحدة، حتى التحولات الكبرى مثل نكسة ٦٧  الانفتاح لم أسرده بشكل مباشر ولكن بعين التحول عند الفرد. 
ومن الأشياء التي ذكرتها في الرواية أنه عندما حدثت نكسة ٦٧ كنت فرحانه لاني أحصل على إجازة من المدرسة وكنت أشعر بالخجل من نفسي وأنا أكتب ذلك لأن وعيي الآن تغير من الطفولة، فحاولت أن أعبر عن مشاعر جيل الوسط الذى لم يكن جيل الستينيات الذي انكسر من النكسة ولا جيل الانفتاح والسادات. 

*بعد عملك " بيتي له بابان ".. ما قيم المكان عند المبدع وهل يعد ركنا أساسيا في العملية الإبداعية ؟
المكان عندي ليس حوائط وجدران، ولكن البيت بمعناه المتخيل أي العلاقات الموجودة فيه، بيت ينتمي للبيوت التي تحدث عنها جاستون باشلار في " جماليات المكان " وحتى في عملي " بيتى له بابان " فيه اتكاء على بيتي القديم، فالبيت عندي هو النص، ولا اشعر بنوستالجيا المكان طول الوقت. 

*تحدثتي من قبل عن الرقابة الاجتماعية عبر منصات التواصل.. فكيف تكون أقسى من التدخلات الرقابية الرسمية على المبدع ؟


هي شديدة القسوة، لأن هناك كمية من الاهانات التي توجه للكاتب من ناس كثيرين والضغط العصبي الذي يوضع فيه الكاتب في الوقت الذي لم يقرأو فيه 
فرقابة السلطة مفهومة ومعروفة، فتابوهات السلطة شديدة الوضوح وموجودة من الزمان (السياسة – الدين – الجنس ) ولكن الرقابة الاجتماعية  لم يعرف الكاتب من أين تأتي، فهناك من يلوي نصا لإتهام الكتاب بأنهم كفره وملحدين. 
والرقابة الاجتماعية أشد قسوة لاني أنا لو كتبت نص السلطة ستحبسني، ولكن إذا كتبت شيئا ولم يعجب المجتمع لن يحبسني فقط وأنما قد تضع الكاتب في منطقة " الفضيحة  والنبذ الاجتماعي " وهى أشد قسوة من السجن.  

*فاطمة  قنديل تتمتع بجرأة متناهية في الكتابة وقد يصفها البعض "بالاستفزاز" فكيف تواجهين النقد اللاذع ؟


هذا النقد لا آخذه بعين الاعتبار ولا التفت إليه على الإطلاق، فمسألة الجرأة هي جزء صميم في موقفي من الكتابة، فأنا لو شعرت بالخوف وانا اكتب لن اكتب ثانية، فأنا اتحدث عن الانسان ولابد من تفتيح المناطق المسكوت عنها وإلا لن نتقدم خطوة واحدة، حتى مهما طالني من إساءات. 

*وهل ترى أن أدب الاعتراف أكثر واقعية من أنواع الأدب الأخرى؟


ليس هناك تفضيل أدب على آخر، ولكن الاعتراف أحد الأشكال التي أحبها، كاعترافات جان جاك روسو واعترافات "بحثا عن الزمن الضائع " لمارسيل بروست.
ودائما أقول المثل الشعبي " إن قلت ما تخفش وإن خفت ماتقولش" ففي الكتابة ليس عندي مناطق  وسط  . 

*وأخيرا.. ما هو مشروعك القادم ؟


فعليا ليس عنى أي فكرة ربما أكون بصدد تجميع القصائد التي كتبتها خلال العامين الماضيين وأنشرها وربما لا، ولكن حاليا دماغى صفحة بيضاء.

 

الجريدة الرسمية