رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا انتشرت شائعة بيع قناة السويس؟!

تثير شائعة أن الدولة المصرية وافقت عبر البرلمان على قانون يتيح لها بيع أو رهن قناة السويس العديد من الأسئلة، والآلاف من علامات التعجب، لأن الكثافة التى جرى بها تداول هذا الكلام الغث الفارغ، والدأب على المكابرة، وأن هذه الموجات المتتالية من تفنيد حقائق أكدتها الحكومة، وشرحها رئيس البرلمان، جرت على ألسنة مثقفين أو منسوبين إلى الثقافة، بل منهم ناس تفهم في النص القانونى، ناهيك عن سعرة مواقع إخبارية، شهيتها في النشر أسرع من شهية الضواري، لا تتحقق، ولا تراجع مصادر الخبر.


تم دفن الشائعة إلا قليلا، ولايزال تجار الفتنة والعملاء يلقون بها طول الوقت لكي يغطى التكرار على التكذيب الرسمي الذي نشر مرة وأذيع مرة وانتهى الأمر الإلحاح في النشر والتكرار، يخلق معاودة جاذبة لرأي عام أراه للأسف لايزال مسمما، غير نقي الدم بعد.


التهافت على نشر الأكذوبة، والناس تعرف أنها أكذوبة، وأنه لا يوجد في مصر من يجرؤ على حتى التفكير في بيع قناة السويس، أمر يثير الغثيان. لماذا نتقبل الكذب، ونحن نعلم انه كذب؟ لماذا نتداول الأكذوبة، بهمة وتلذذ، ونزيد عليها ونحن نعرف أننا نزيد وننهش في جسم الحقيقة؟ هل يزيح الناس غضبهم من الحكومة بارهاقها بأن تقع تحت ضغوط التشكيك والمساءلة؟ 

أزمة مصداقية بين الحكومة والناس

 

الناس في معظمهم يعرفون أن الدولة بنظامها الحالي لا تقبل ولا تفعل ولا تجرؤ، ومع ذلك باتوا يتداولون الشائعة وكأنها مكايدة للحكومة التى يرونها شاهدا متفرجا على سعرة التجار ينهشون لحم الشعب ويمصون دماءه!


ليس سرا أن الناس في غضب، وأن قرارات الدكتور مدبولي أبطأ من قفزات التجار، وأن الدولة كلها لم تخلق ولو معنويا حالة ردع، يخشى معها المضاربون على الأسعار والسلع من عواقب الردع. نعم، تقاعست الحكومة عن حضورها بشكل قوي صارم، رادع، وتركت الناس يتعاملون مع الباعة، كل دقيقة بسعر وحسب الأمزجة!


لعل هذا يفسر في جانب منه نزوع الرأي العام إلى وضع الحكومة في خانة الدفاع عن نفسها، وتبرير دفعها بمشروع قانون لإنشاء صندوق سيادي تابع لهيئة قناة السويس، يتم تمويله من فائض أرباح القناة، وهو صندوق ليس له أبدا أن يمتلك قناة السويس، لأنها ملك الدولة، ولأن المادة ٤٣ من الدستور تنص على التزام الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها، والحفاظ عليها بصفتها ممرًا مائيًا دوليًا مملوكًا لها، كما تلتزم بتنمية قطاع القناة، باعتباره مركزا اقتصاديا متميزًا.


قناة السويس مثل الأهرام، مثل التاريخ، مثل المعابد، مثل أبو الهول.. قناة السويس إرتوت بدماء الأجداد والآباء والأحفاد، وبسببها خاضت مصر الحرب بعد الحرب، ولن تجد بين رؤساء مصر قط من يتهاون في ذرة رمل على ضفتيها، أتحدث عن كل رؤساء مصر، عدا مرسي، فكيف بالله تعقلون أن يفكر في بيع القناة رئيس أنقذ البلد كلها من الإحتلال الهمجي الإخواني؟ رجل إشترى وطنه برقبته لا يفكر أبدا مثل هذا التفكير العبثي!


على أية حال فإن هذه الشائعة كاشفة عن شق مخز في الرأي العام المصري، وأنه لا يوجد رأي عام مستنير، بل يوجد قطيع منساق، يدرك أنه منساق، إلى حافة الجبل! وعلى الجانب الأخر هي شائعة كشفت عن وجود أزمة مصداقية بين الحكومة والناس.
 

 

تمهلوا وتدبروا وفكروا.. الاستياء من أداء الحكومة شيء، وقبول فتنة أهل الشر شيء آخر، الحكومة يمكن تعديلها، أما الخراب والفوضى وتأليب الناس ندفع ثمنه باهظا، وعلى الحكومة إختيار الوقت المناسب، والمزاج العام المناسب.

الجريدة الرسمية