رئيس التحرير
عصام كامل

على طريق لين القلب

كنت أمشي في طريقي المعتاد صباحا، أهرول متعجلا في هذا الشارع الهادئ، التفت يمينا لأجد تلك الجميلة تنظر إلي بعينيها الزرقاويين، تصدر منها أصوات نداء أو ربما كانت استغاثة ملهوف، قطة تبحث عما يسد جوعها  لم تكن وحدها، بل خلفها ستة من صغارها ينتظرون ما تأتي به  أمهم.

 أخرجت من حقيبتي ما رزقهم به الله عن طريقي، محاولا إيصال الأمانة كما كتبها الله لهم، إلى تلك الأم الجميلة، ونسيت موعدي المتعجل، وبدأت فى وضع الطعام على جانب الطريق كي لا يدوسه المارة أو يلمس التراب.

 

وانكبت الأم وصغارها على الطعام، بدأت هى ثم انزوت على الجانب تاركة كامل الطعام لهم، ولم تنس أن تسحب قطعة إلى صغير لها تحت سيارة لم يخرج من مكانه، وكان يبدو أن الجوع يفتك بأحشاءهم منذ فترة من شدة التهامهم ما وضعت لهم.

 

فجأة تقترب طفلة صغيرة لا تتجاوز السابعة من عمرها تصحبها أمها، مالت الطفلة على قطة من الصغار، اعتقدت أنها تريد أن تربت على ظهر الصغيرة، إلا أنني صدمت من تصرفها، إذ حاولت سحب القطة من ذيلها بعنف محاولة رفعها إلى الهواء واللهو بها.

قيمة الرفق بالحيوان

 

نهرت الطفلة: "حرام عليكي يابنتي دى روح حرام والله ربنا هيحاسبك"، إلا ان أم الطفلة لم تسكت، معقبة على كلامي بنبرة حادة: "الله هو جرى ايه بتزعق لها ليه؟". لم التفت لقول السيدة، ولم أجد على لساني إلا الاستغفار والدعاء الى الله بأن يرحم هؤلاء من سخافات ابن آدم.

 

انصرفت السيدة وطفلتها، وهى تنظر الى شذرا، ولم توجه كلمة لوم واحدة إلى صغيرتها على فعلتها، بل سمعتها تقول لها: "هابقى اجيب لك واحدة البيت تلعبي بيها". " تلعب بها!!"، بعض بنى البشر يتعاملون مع الأرواح الخرساء على أنها دُمى من الفراء، لا تحس ولا تتألم.

 

لماذا لا نفكر فى إضافة جزء بسيط إلى المناهج الدراسية، يتعرف منه الصغار على طبيعة مجتمع الحيوانات، وكيفية التعامل مع الأليف منها، والاحتراس من الضار والمفترس، مع شرح كيفية مد يد العون والخير إليهم.

 

يتلقى الصغير الدرس، ثم يذهب إلى بيته فيشرح لأهله جمال عالم الحيوان وأهمية الاعتناء بالضعيف منه، ولاشك أن ذلك سيعود بالنفع على الأسرة والمجتمع، إذ ينشئ جيلا تربى على قيم اللطف والرفق والرحمة، وسينعكس هذا ايجابا على رفق الطفل ثم الشاب ثم الرجل والمرأة بأهلهم ومجتمعهم، ويفشي سلوكا طيبا محمودا بين الناس.

 

 

نحتاج تدريس تلك المادة بشدة، فالرفق بالحيوان يمتد أثره إلى المجتمع كله، لنعلم أولادنا الرفق بكل الكائنات، كي يرفقوا بنا كبارا، لا يفترسونا بسلوكيات متوحشة، وهمجية مقيتة، وقلوب تخلو من اللين، فمن ينكل بحيوان صغير، سينكل بأبويه وإخوته فيما بعد، سلوك الرحمة، ليس رفاهية، بل أهم من كافة العلوم من وجهة نظري.. دمتم رحماء.

الجريدة الرسمية