رئيس التحرير
عصام كامل

محفظة جحا والتغيير الوزاري!

رأى الناس عم "جحا" يبحث في الأرض عن شيء بكل اهتمام، فسألوه عما يبحث عنه، فقال: "محفظتي"، فقالوا له: وأين سقطت محفظتك؟ قال: سقطت مني في الزقاق الذي هناك، وأشار بيده لزقاق بعيد مظلم، فقالوا له: ولماذا لا تبحث عنها حيث سقطت في الزقاق؟ فقال: وأي جدوى من البحث في الظلام؟

 
هذه الطرفة والنادرة من نوادر عمنا جحا القديم نجدها تتكرر في الوقت الحالي ومن خلال ذلك التعديل الوزاري الذي أعلن عنه مساء السبت 13 أغسطس، حيث استقدمت فيه الحكومة عددًا من الوجوه الجديدة لحقائب وزارية حيوية، وعندما نضع ذلك التعديل في ميزان الوضع الحالي للبلاد نتعجب، فلا هو تغيير وزاري تام لعدم الرضا عن سياسة الحكومة، ولا هو تغيير اقتصادي يعنى بتغيير المجموعة الاقتصادية من الوزراء وعلى رأسهم بالطبع طارق عامر محافظ البنك المركزي الذي قدم استقالته لاحقا وتم قبولها وتعيينه مستشارا لرئاسة الجمهورية..

 

وقد ظل الدكتور محمد معيط وزير المالية والدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي والدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية في مناصبهم، رغم أن هذه المجموعة الاقتصادية أثبتت فشلها في إدارة ملف الاقتصاد المصري في الفترات الماضية بدليل ما تعانيه مصر من أزمات اقتصادية خانقة.

غلاء وتضخم


وشهدت فترة طارق عامر أحد أهم القرارات الاقتصادية التي تم اتخاذها في مصر ضمن إجراءات الإصلاح الاقتصادي الذي حدث خلال الفترة من 2016 و2019، وهو تحرير سعر الصرف لينخفض سعر الجنيه نحو النصف، وهو الأمر الذي تسبب في موجة غلاء وتضخم كانت الأشد في آخر ثلاثة عقود. وبالطبع جاء تحرير سعر الصرف أو التعويم تلبية لمطالب صندوق النقد الدولي ليتسنى لمصر أخذ قروض الصندوق تلك القروض التي يقصد من وراءها تدمير الدولة المصرية كما سبق أن أوضحنا في أكثر من مقال، لكن سياسة طارق عامر كانت سياسة تنفيذ مطالب أو أوامر صندوق النقد الدولي بكل حرفية.. 

 

والغريب في الأمر أن الحكومة المصرية أعدت ذلك الأمر أو تعويم الجنيه غير المدروس أو الحكيم من أفضل القرارات وأنه –وكما تقول الحكومة- عزز متانة الاقتصاد الوطني وأداء الجنيه المصري ليتصدر قائمة أفضل العملات الناشئة أمام الدولار الأمريكي! وذكر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، في تقرير "قامت مصر بتحرير سعر صرف الجنيه في الثالث من نوفمبر 2016، وهو القرار الذي عزز قوة ومتانة ومرونة الاقتصاد الوطني، حيث يعد هذا القرار بمثابة أهم خطوات الإصلاح الاقتصادي".


ولكن وبعد سنوات ست من ذلك القرار ما الذي يحدث الآن في الاقتصاد المصري؟ نجد أن ذلك الاقتصاد في النازل، ومصر تضطر للاستدانة من دول عربية مثل السعودية والإمارات وقطر في وقت ظننا فيه قوة الاقتصاد المصري، وتصارح الحكومة الشعب بأن الدولة فقيرة جدا، وتطلب الدولة من صندوق النقد صرف قرض من باب الاقتصاد الحرج، وترفع الحكومة كافة الأسعار على كافة الأصعدة، وتتبع سياسة التقشف في كل شيء حتى الكهرباء؛ ليتسنى تصديرها الخ من مظاهر ضعف الاقتصاد بعد قرارات الحكومة في 2016 بقيادة المجموعة الاقتصادية وعلى رأسها طارق عامر، ذلك الذي توسع في سياسة جذب الأموال الساخنة، واعتماد الاحتياطي النقدي عليها، وعندما هربت تلك الأموال انكشف الاحتياطي النقدي فلجأت مصر في سرعة للاستدانة والقروض.


إذا سر هبوط مستوى البلاد الاقتصادي يتعلق بالسياسات الاقتصادية لوزراء المجموعة الاقتصادية والصناعة التي لم تنهض أو تتقدم لتجلب العملة الصعبة وتمنع خروجها من مصر، فهذه المجموعة الاقتصادية كانت هي الأولى بالتغيير واستقدام مجموعة وطنية تدير الاقتصاد بسبل علمية وأسس متينة على منهج التوسع في الصناعات والتصدير والحد من الاستيراد بكل السبل، لكن بدلا من ذلك يكون التغيير في وزارت لا أحد يعلم عنها شيئا وليس لها التأثير الكافي في إنهيار الاقتصاد مثل وزارات التنمية المحلية والطيران المدني والقوى العاملة والتعليم وكأن ذلك أسهل من تغيير المجموعة الفاشلة اقتصاديا وأريح كما فعل جحا، فبدلا من أن يبحث عن حافظته حيث سقطت يبحث في مكان أخر بحجة أن المكان الآخر به إضاءة وما سقطت فيها ظلام!

 


فطارق عامر الذي حرر سعر صرف الجنيه وقام بتعويمه بطريقة غير مدروسة أدت إلى الأزمات التي يعاني الاقتصاد منها الآن ظل يصرح أنه بقراره سيوفر العملات الأجنبية، وسيكون الجنيه – كما قال عامر في أحد اللقاءات - "وبعد كده يبقى الدولار بـ 4 جنيه ولا حاجة ونرتاح من القصة دي". وظل هذا التصريح من محافظ البنك المركزي عالقا في أذهان الكثيرين طيلة السنوات الماضية خاصة أن ما شهدته الفترة التالية لهذا التصريح من إجراءات تضمن تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار لمستويات قياسية بعد ارتفاع بأكثر من 100%.

الجريدة الرسمية