رئيس التحرير
عصام كامل

خطة إبليس

ألقى إبليس نظرة خاطفة على جدول أعماله للأسبوع الجديد ليرى من يستحق أن يقابله من مئات المريدين وطابور المنتظرين، ما إن رأى إبليس اسم سفير دولة خرابستان وسط عشرات الأسماء المدونة فى روزنامته، حتى ابتسم ابتسامة شيطانية، واتسعت حدقتا عينيه وهو يقول بخبث ممزوج بلذة: "ياااه طالما أنت جيت تبقى عاوز مصيبة كبيرة هتسعد قلبى، تعال لعمو يا ولد"، وأمسك بقلمه الأحمر ليكتب على الاسم  نمبر وان.


دخل سفير خرابستان إلى صومعة إبليس الكبير وقد حنى قامته احتراما لرأس الشر فى الكون، واكتست ملامحه بكثير من المذلة والخضوع لسيده، اعترافا بتسيده وأستاذيته، مد إبليس يده ليقبلها سفير خرابستان، الذى خر على ركبتيه راكعا فى استعطاف لقى هوى فى نفس إبليس، فربت على كتفه قائلا: "قوم يا حبيبى، وقول لعمو طلباتك إيه؟".


قال السفير: البلد اللى جنبنا يا مولانا وعلى حدودنا عاملة لنا أزمة فى حياتنا، ومش عارفين نرتاح منها! دايما حاسين إننا أغراب فى بلدنا، مابنعرفش ننام إلا بمهدئات، عندنا شعور قهرى أنه هييجى يوم ونلاقى شعبها داخلين علينا ويرمونا فى البحر، حاربناهم بكل طريقة ولسه مش قادرين ندمرهم، استولينا على أرضهم.. ضربونا ورجعوها وضحكوا علينا بورقة صلح بيننا وبينهم! حاربنا شبابهم بالمخدرات، وملينا أكلهم بالهرمونات والمبيدات اللى جابتلهم أمراض خطيرة، وعملنا لعب كتير فى أكلهم ورغيف عيشهم علشان نخفض نسبة الخصوبة عند رجالتهم وستاتهم، ولسه عايشين ولسه فيهم نفس! 

 

حاربناهم بالإرهاب وقلنا هنخلص منهم لكن كل ما بيموت منهم شهيد بيتولد ألف غيره، عملنالهم محبس على منابع نهرهم الخالد، هيتقفل ويتفتح بأوامرنا وقلنا هنعطشهم، ومع كل ده إلا أننا برضه مش قادرين نتهنى بحياتنا ولا نرتاح، لأنهم بلد قديمة وكبيرة تقولش معمول لهم حجاب! واحنا زى ما أنت عارف وأنت مننا وعلينا زرع شيطاني، علشان كده لا عارفين نهدا ولا نرتاح، فقلنا خلاص كل خططنا معاهم مش جايبة همها، مافيش إلا أن إبليس الكبير يتدخل، يخطط ويدبر واحنا ننفذ خطته، ويوم ما يحصل التدمير هتكون ليك الحلاوة يا كبير.

 

نظر إبليس إلى السفير نظرة جهنمية قائلا: سيبنى يومين، أعقد مجلس الأبالسة، وأشوف أفكارهم الجهنمية وتكون الخطة جاهزة، وإنت من هنا ليوم التلات، أكلك يكون كرات منقوع فى سكر نبات، وتلبس هدوم ستات، وفى أوضة ضلمة لوحدك تبات. وقبل موعده المحدد بساعة وصل سفير خرابستان ينتظر مقابلة إبليس الكبير ليجد حلا لأزمة بلاده، لعله يرجع إلى قومه بحل يعيد لهم النوم الذى جافاهم، والراحة بعد طول معاناة، وهدوء النفس بعد سنوات طويلة من قلق لا ينتهى.


ما إن دخل سفير خرابستان حتى استقبله إبليس الكبير بحفاوة، ولمعت عيناه بنظرة انتصار شيطانية، قائلا: علشان ما نضيعش وقت كتير، أنا درست ملفكم كويس وشفت كل مجهوداتكم، وأقدر أقولك إنتم فعلا عملتم اللى عليكم وزيادة، لكن فكر إبليس الكبير حاجة تانية!

هدم الصحة والتعليم


جثا سفير خرابستان على ركبتيه راكعا وقال فى مذلة معتادة: انجدنا يا كبير الأمر جد خطير. فقال إبليس: الحل الوحيد يكون فى تدمير الأجسام والعقول، اضرب الصحة، واضرب التعليم، كره أطباؤهم فى عيشتهم وضيق عليهم أرزاقهم، وعاملهم أسوأ  معاملة، إديهم أقل رواتب، وشغلهم ليل نهار بدون رحمة، ولو طلبوا زيادة تبقى الإجابة.. مافيش، ولو طلبوا إجازات.. ما تعطيش، ولو قدموا استقالات.. تترفض!
 

وخلى كل أب عنده شاب نفسه يبقى طبيب، يشفق عليه ويرفض يدخله يتعلم طب من أصله، وفرغ بلدهم من الأطباء، هيمرضوا ويموتوا.. وما يلاقوش اللى يعالجهم. ومش بس كده.. لا.. أنت تضرب تعليم الطب بتاعهم فى مقتل، وتحرم دخول الطب على ولادهم، وتخلى اللى عاوز يتعلم منهم يدفع دم قلبه، وتفتح كليات الطب عندهم بس للأغراب، أما أولاد البلد فعليك أنك تسففهم التراب! لحد ما يحسوا إن بلدهم مش ليهم ويبقى حلم كل أب عنده ابن فى طب أنه ينتظر باليوم اللى ابنه يهاجر فيه ويهج بره البلد، وبكده لما يعيوا ويمرضوا ويصحوا من غيبوبتهم يكتشفوا أنهم بقوا بلد بلا أطباء ولا سند!


وفى التعليم.. هات وزير حلنجى يقول عن نفسه عبقرى زمانه وفريد عصره وأوانه، يخرب تعليمهم، ينام ويقوم يفتكس لهم كل يوم منظومة ويقول وجدتها! وكل منظومة تثبت فشلها، يلحقها بواحدة تانية أفشل من اللى قبلها، والغى كل نشاط فى المدارس، لحد ما العيال يكرهوا مدارسهم والعلم والتعليم، ومش بس كده، لا.. اللى هتعمله مع الدكاترة نفذه فى التعليم، هتلاقى المدارس خربت والتلاميذ هجروها، والمدرسين تعساء، ولا فاهمين مناهج ولا عارفين يدرسوا، ولا يربوا ولا يعلموا، وفى الامتحانات.. سرب الإجابات.. وخلى الكل ينجح والكل يفرح من غير تعب، وبكده هتطلع أجيال لا تعرف تقرا ولا تكتب، ولا تنتظر منهم رجا.. وبكده تخرب التعليم.


مش بس كده.. الأهم من أنك تخرب التعليم وتدمر منظومة الطب عندهم.. إن زينة شبابهم وأفضل عقول فيهم يفقدوا ولاءهم وانتماءهم لبلدهم، فمايبقاش فيه حاجة تربطهم بيها، ويبقى حلم كل شاب متميز وبيفهم عندهم أنه يسيبها ويسافر! تفتكر بعد كده.. بلد زى دى هتقوم لها قومه؟! طبعا لأ.
وبكده يبقى الدمار الشامل.. وبأسهل طريقة، وبدون حروب وسلاح، وبدون ما جندى واحد منكم يضرب رصاصة واحدة!


لمعت عيون سفير خرابستان وهو يكرر الركوع ويمطر يدى إبليس الكبير بقبلات حارة وكلمات شكر وثناء، قائلا: ريحتنى يا كبير.. إزاى تاهت مننا أفكارك العظيمة دى؟! فعلا تدمير جيراننا مش بالحرب ولا بالسلاح، لا.. بتدمير صحتهم وتعليمهم.. وتطفيش أطبائهم وأساتذتهم.. وسحب البساط من تحت رجليهم.
 

 

وبكده إحنا هنرتاح ونقدر ننام للصباح.. ونشوف النوم من غير مهدئات وقلق.. ويبقى كل اللى علينا اختيار أسوأ شخص فى كل مجال، ونقول عليه خبير دولى، ودول هيقوموا باللازم وزيادة، وتتحول طعم الحياة فى بلدهم لطعم القهوة السادة! ونحط الأضعف والأسوأ فوق كل الكراسى، ونخسف الأرض بالحكيم والراسى، ونكبر الهايفين ونقهر العاقلين.. وبكده تخرب الدنيا، واللى تحت يبقى فوق.. والسفيه يشتم الباشا، والحر يبقى ذليل.. وإبليس الكبير فى التفكير واحنا علينا التدبير.

الجريدة الرسمية